01 يناير 2024
مسيرة العودة.. من العسكرة إلى المقاومة السلمية
مثلت مسيرة العودة الفلسطينية في قطاع غزة، في جوهرها وسياقها الفكري السياسي، انتقالا كبيرا، محمودا طبعاً، من المقاومة المسلحة أو العسكرة، بعد تحول المقاومة إلى جيش أو ما يشبه الجيش بأسلحة ثقيلة وأذرع برية وبحرية خلال العشر سنوات الماضي، إلى المقاومة الشعبية السلمية، والاعتماد على الجماهير غير المسلحين، وبصدورهم العارية في مواجهة الاحتلال وترسانته العسكرية المدججة.
التحول لافت جداً ومعبّر، ويكاد يمر من دون أن يتم طرح الأسئلة عن أسبابه وأهدافه وتداعياته على ثنائية المصالحة - الانقسام والحصار والأوضاع الكارثية في غزة، والمشهد السياسي الفلسطيني العام، بما في ذلك مواجهة صفقة القرن التي ربما تكون قد أجّلت، لكن المساعي إلى بلورتها بصيغتها النهائية، ومناقشة التوقيت المناسب لطرحها، ما زالت جارية.
بدأت العسكرة في غزة في السنوات العشر الأخيرة، لكنها فلسطينياً بدأت قبل ذلك بعقود مع الثورة الفلسطينية في لبنان التي أقامت معسكرات وقواعد علنية وكبرى، وتصرفت كأنها جيش، وحتى سلطة حاكمة، كما قال الشهيد ياسر عرفات، وهي التجربة نفسها التي قال إنه نقلها معه إلى غزة.
تواصلت العسكرة في لبنان مع حزب الله بدعم إيراني، وهم يقفون مباشرة خلف نقل النموذج إلى غزة عبر عسكرة كاملة للمقاومة، وتحولها إلى جيش كامل الأوصاف، وأيضاً بمعسكرات تدريب وقواعد علنية وكبيرة وخوض حروب تقليدية أو شبه تقليدية مع إسرائبل، أدّت إلى تدمير مناطق واسعة في لبنان في العام 2006، كما تدمير غزة نفسها، ليس مرة بل ثلاث مرات في أقل من ستّ سنوات.
كانت العسكرة في بدايتها الأولى أحد الأسباب المباشرة وراء الاقتتال الفلسطيني في العام
2007، واستسهال حل الخلافات السياسية وحسمها بالأساليب العسكرية، ثم توسعت لتطغى على المجتمع كله، حيث وقع الاستلاب لها واختصار المقاومة بها، مع استخفاف تام بالمقاومة الشعبية السلمية وفق النموذج الموجود والحاضر، ولو بشكل محدود ومتفرق، ولكن ناجع في الضفة الغربية، حتى أن قادةً في حركة حماس تحدثوا عن عدم وجود للمقاومة في الضفة الغربية، كونهم لا يعترفوا أصلاً بالمقاومة الشعبية السلمية، بينما وصلت العسكرة إلى مداها في تصريح لأحد قادة "حماس"، فتحي حمّاد، المتواري الآن، عن إمكانية تصدير الصواريخ من غزة إلى البلاد العربية.
بناء على المعطيات السابقة، يبدو السؤال مشروعاً، بل وضرورياً عن أسباب تبني حركة حماس نموذج المقاومة الشعبية السلمية الذي طالما استخفوا واستهانوا به، من أجل تحقيق أهداف، أو حتى إيصال رسائل سياسية إلى الخصوم والأعداء على حد سواء.
مبدئياً؛ تمثل العودة إلى المقاومة الشعبية التي كانت حاضرة في الانتفاضة الأولى اعترافا صريحا واضحا بفشل المقاومة العسكرية، أو على الأقل عجزها عن تحقيق أهداف سياسية وطنية عليا، مثل حق العودة، كما عجزها عن رفع الحصار وتحسين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية الكارثية أو المأساوية في غزة، على الرغم من خوضها ثلاث حروب صمدت فيها أمام جيش الاحتلال، ولكن من دون عوائد سياسية واضحة وملموسة، بما في ذلك رفع الحصار الذي كان عنوانا وهدفاً لتلك الحروب من جهة "حماس" والمقاومة.
تبدّى الفشل العسكري، إذن، في الدعوة إلى مقاومة أو مسيرة شعبية سلمية من أجل العودة ورفع الحصار، وفق الاسم الذي اختارته لنفسها الهيئة الوطنية العليا المشرفة على الفعالية، والتي تضم الفصائل مستقلين ومؤسسات مجتمع مدني بقيادة غير خافية لحركة حماس.
لا يمكن كذلك تجاهل العلاقة بين المسيرة وفشل عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس، ومن الصعب تصوّر حدوثها أصلاً لو نجحت المصالحة بتقديم حلول، ولو جزئية، لقضايا شائكة وصعبة، مثل الموظفين الذي عينتهم حماس في جهاز الأمن وتمكين الحكومة عبر عملية انتقالية، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ولذلك لم تخرج فكرة المسيرة إلى العلن في السنوات الماضية، ويمكن اعتبارها حتى وسيلة لتحقيق بعض الأهداف التي كان يفترض بالمصالحة أن تحققها، ومنها رفع الحصار وتحسين أوضاع غزة التي ازدادت صعوبة ومأساوية منذ انطلاق العملية بنسختها المحدثة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
في يومها الأول الدامي، بقيت المسيرة في سياقها السلمي، ولو بالمعنى العام أو من جانب واحد، فقد تجاوز المتظاهرون الثائرون والغاضبون المنطقة الآمنة بعمق 300 كم داخل القطاع التي تم التوافق عليها في اتفاقات وقف النار السابقة، ونزعوا جزءا من السياج الحدودي من دون إطلاق أي رصاصة، فردّ جيش الاحتلال باستخدام همجي للقوة، بما في ذلك الطيارات المسيرة والمدفعية بغرض ردع المتظاهرين، وجلب ثمن دموي باهظ منهم وفرض قواعد أو حدود للمواجهة الجديدة المحرجة لإسرائيل، والتي لا تملك عملياً وسيلةً لحسمها والانتصار فيها، خصوصا إذا ما استمر المنحى السلمي لها.
وعموماً، وعلى الرغم من العدد الكبير من الشهداء والجرحى في اليوم الأول، تحققت أهداف سياسية واضحة، أو هي في طريقها إلى التحقق، منها إعادة تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية بشكل عام، والأحوال المأساوية في غزة خصوصا، مع توجيهها لانفجار نحو العدو والاحتلال، وليس باتجاه داخلي أو باتجاه مصر، والتحذير وربما حتى إعطاء مهلة زمنية حتى منتصف مايو/ أيار لتحسين جدّي في أحوال القطاع، وتقديم حلول سريعة وإسعافية لأزماته، وإلا فإن ما جرى في 30 آذار/ مارس الماضي سيكون هيناً وبسيطاً، قياساً لما سيجري في منتصف مايو/ أيار المقبل من أناس ليس لديهم فعلاً ما يخسرونه.
ربما لم تسقط المسيرة صفقة القرن أو تزيحها عن جدول الأعمال السياسي الإقليمي والدولي، لكنها أثبتت أن من الصعوبة بمكان تمرير هذه الصفقة، أو المضي في تصفية القضية الفلسطينية وبثوابتها الرئيسة، اللاجئين والقدس، من دون انفجار أمني وميداني لا يعرف أحد منتهاه، خصوصا مع الرفض السياسي الصارم من السلطة للصفقة، والعناد في مواجهتها والإصرار على إفشالها أيا كان الثمن.
أكدت المسيرة سياسياً على مركزية قضية اللاجئين تحديداً، واستحالة تصفيتها أو السكوت عن تمرير صفقة مجحفة بحقهم، لكنها بالمعنى المباشر ستنعكس أكثر على غزة، وستعجل بحلول
إنسانية اقتصادية اجتماعية لأزماتها، ولن تكون للأسف رفعا للحصار بشكل نهائي، ولكن سيتم تخفيف مشكلات الكهرباء والمياه والبنى التحتية، وإطلاق مشاريع دولية تخفف من نسبة البطالة والفقر، من دون أن تعود عجلة الحياة إلى الدوران بشكل طبيعي في جوانبها المختلفة، السياسية الاقتصادية الاجتماعية، لأن المسألة مرتبطة حتماً بتفاهم سياسي، تكون السلطة حاضرة فيه بشكل مباشر، وبتفاهم ما مع "حماس"، طبعاً وهو الأمر المتعذّر في المدى المنظور.
من هنا، لن تنعكس مسيرة العودة وكسر الحصار إيجاباً على عملية المصالحة الميتة سريرياً، والتي أعلن الرئيس محمود عباس عن وفاتها رسمياً بعد محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء، رامي الحمد لله، منتصف مارس/ آذار الماضي، ولن تفعل في الحقيقة أكثر من تأجيل العقوبات التي كان عباس قد قرّرها ضد "حماس" وغزة، بعد محاولة التفجير. وللمفارقة، ستكرس المسيرة بالمعنى السياسى الانقسام أكثر، وستجلب حلولا إنسانية اقتصادية اجتماعية، ولو بإطار سياسي ما بعيداً عن قيادة السلطة والمنظمة، وغالباً بحضور بارز وقويّ للنظام المصري الذي سيعود إلى ممارسة وصاية ما على غزة، وفق الواقع الحالي، أي بحضور سلطوي ميداني لحركة حماس، ولكن ضمن قواعد اللعب المقررة مصرياً، وبالطبع إقليمياً ودولياً.
في الأخير وباختصار، أثبتت مسيرة العودة وكسر الحصار، منذ يومها الأول، الروح القتالية العالية للشعب الفلسطيني، كما أكدت أن المقاومة الشعبية السلمية هي الوسيلة الأنجع والأمضى لاسترجاع الحقوق ورفع الحصار أو تخفيفه، وتحسين الأوضاع المنهارة في غزة، غير أنها لن تستطيع للأسف تحقيق نتائج سياسية، تتعلق بالقضايا الاستراتيجية والكبرى، كالقدس والحدود مثلاً. ببساطة، لأن ساحتها الرئيسية المركزية يجب أن تكون الضفة الغربية، حيث الاحتلال المباشر، وحيث تحاربها السلطة، أو على الأقل تتجاهلها وتتركها يتيمة، من دون دعم جدي وفاعل لها، وليس غزة، حيث الاحتلال غير المباشر وصعوبة الصدام معه، من دون الذهاب إلى مواجهة مسلحة بأثمان مكلفة وباهظة، كما أن من المستحيل تحقيق إنجازات جدية ملموسة وكبيرة في ظل الانقسام السياسي والجغرافي الحالي. ولأن المسيرة، بشكلها وجوهرها الحالي، ومع دلالاتها الساسية، تعتبر انفجاراً بوجه الاحتلال، احتجاجاً واعتراضاً على الحياة التي لا تطاق في غزة، والناتجة أساساً عن سياساته وممارساته، قبل أن تكون نتاجاً للانقسام الفلسطيني الضار، وغير المبرّر أصلاً.
التحول لافت جداً ومعبّر، ويكاد يمر من دون أن يتم طرح الأسئلة عن أسبابه وأهدافه وتداعياته على ثنائية المصالحة - الانقسام والحصار والأوضاع الكارثية في غزة، والمشهد السياسي الفلسطيني العام، بما في ذلك مواجهة صفقة القرن التي ربما تكون قد أجّلت، لكن المساعي إلى بلورتها بصيغتها النهائية، ومناقشة التوقيت المناسب لطرحها، ما زالت جارية.
بدأت العسكرة في غزة في السنوات العشر الأخيرة، لكنها فلسطينياً بدأت قبل ذلك بعقود مع الثورة الفلسطينية في لبنان التي أقامت معسكرات وقواعد علنية وكبرى، وتصرفت كأنها جيش، وحتى سلطة حاكمة، كما قال الشهيد ياسر عرفات، وهي التجربة نفسها التي قال إنه نقلها معه إلى غزة.
تواصلت العسكرة في لبنان مع حزب الله بدعم إيراني، وهم يقفون مباشرة خلف نقل النموذج إلى غزة عبر عسكرة كاملة للمقاومة، وتحولها إلى جيش كامل الأوصاف، وأيضاً بمعسكرات تدريب وقواعد علنية وكبيرة وخوض حروب تقليدية أو شبه تقليدية مع إسرائبل، أدّت إلى تدمير مناطق واسعة في لبنان في العام 2006، كما تدمير غزة نفسها، ليس مرة بل ثلاث مرات في أقل من ستّ سنوات.
كانت العسكرة في بدايتها الأولى أحد الأسباب المباشرة وراء الاقتتال الفلسطيني في العام
بناء على المعطيات السابقة، يبدو السؤال مشروعاً، بل وضرورياً عن أسباب تبني حركة حماس نموذج المقاومة الشعبية السلمية الذي طالما استخفوا واستهانوا به، من أجل تحقيق أهداف، أو حتى إيصال رسائل سياسية إلى الخصوم والأعداء على حد سواء.
مبدئياً؛ تمثل العودة إلى المقاومة الشعبية التي كانت حاضرة في الانتفاضة الأولى اعترافا صريحا واضحا بفشل المقاومة العسكرية، أو على الأقل عجزها عن تحقيق أهداف سياسية وطنية عليا، مثل حق العودة، كما عجزها عن رفع الحصار وتحسين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية الكارثية أو المأساوية في غزة، على الرغم من خوضها ثلاث حروب صمدت فيها أمام جيش الاحتلال، ولكن من دون عوائد سياسية واضحة وملموسة، بما في ذلك رفع الحصار الذي كان عنوانا وهدفاً لتلك الحروب من جهة "حماس" والمقاومة.
تبدّى الفشل العسكري، إذن، في الدعوة إلى مقاومة أو مسيرة شعبية سلمية من أجل العودة ورفع الحصار، وفق الاسم الذي اختارته لنفسها الهيئة الوطنية العليا المشرفة على الفعالية، والتي تضم الفصائل مستقلين ومؤسسات مجتمع مدني بقيادة غير خافية لحركة حماس.
لا يمكن كذلك تجاهل العلاقة بين المسيرة وفشل عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس، ومن الصعب تصوّر حدوثها أصلاً لو نجحت المصالحة بتقديم حلول، ولو جزئية، لقضايا شائكة وصعبة، مثل الموظفين الذي عينتهم حماس في جهاز الأمن وتمكين الحكومة عبر عملية انتقالية، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ولذلك لم تخرج فكرة المسيرة إلى العلن في السنوات الماضية، ويمكن اعتبارها حتى وسيلة لتحقيق بعض الأهداف التي كان يفترض بالمصالحة أن تحققها، ومنها رفع الحصار وتحسين أوضاع غزة التي ازدادت صعوبة ومأساوية منذ انطلاق العملية بنسختها المحدثة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
في يومها الأول الدامي، بقيت المسيرة في سياقها السلمي، ولو بالمعنى العام أو من جانب واحد، فقد تجاوز المتظاهرون الثائرون والغاضبون المنطقة الآمنة بعمق 300 كم داخل القطاع التي تم التوافق عليها في اتفاقات وقف النار السابقة، ونزعوا جزءا من السياج الحدودي من دون إطلاق أي رصاصة، فردّ جيش الاحتلال باستخدام همجي للقوة، بما في ذلك الطيارات المسيرة والمدفعية بغرض ردع المتظاهرين، وجلب ثمن دموي باهظ منهم وفرض قواعد أو حدود للمواجهة الجديدة المحرجة لإسرائيل، والتي لا تملك عملياً وسيلةً لحسمها والانتصار فيها، خصوصا إذا ما استمر المنحى السلمي لها.
وعموماً، وعلى الرغم من العدد الكبير من الشهداء والجرحى في اليوم الأول، تحققت أهداف سياسية واضحة، أو هي في طريقها إلى التحقق، منها إعادة تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية بشكل عام، والأحوال المأساوية في غزة خصوصا، مع توجيهها لانفجار نحو العدو والاحتلال، وليس باتجاه داخلي أو باتجاه مصر، والتحذير وربما حتى إعطاء مهلة زمنية حتى منتصف مايو/ أيار لتحسين جدّي في أحوال القطاع، وتقديم حلول سريعة وإسعافية لأزماته، وإلا فإن ما جرى في 30 آذار/ مارس الماضي سيكون هيناً وبسيطاً، قياساً لما سيجري في منتصف مايو/ أيار المقبل من أناس ليس لديهم فعلاً ما يخسرونه.
ربما لم تسقط المسيرة صفقة القرن أو تزيحها عن جدول الأعمال السياسي الإقليمي والدولي، لكنها أثبتت أن من الصعوبة بمكان تمرير هذه الصفقة، أو المضي في تصفية القضية الفلسطينية وبثوابتها الرئيسة، اللاجئين والقدس، من دون انفجار أمني وميداني لا يعرف أحد منتهاه، خصوصا مع الرفض السياسي الصارم من السلطة للصفقة، والعناد في مواجهتها والإصرار على إفشالها أيا كان الثمن.
أكدت المسيرة سياسياً على مركزية قضية اللاجئين تحديداً، واستحالة تصفيتها أو السكوت عن تمرير صفقة مجحفة بحقهم، لكنها بالمعنى المباشر ستنعكس أكثر على غزة، وستعجل بحلول
من هنا، لن تنعكس مسيرة العودة وكسر الحصار إيجاباً على عملية المصالحة الميتة سريرياً، والتي أعلن الرئيس محمود عباس عن وفاتها رسمياً بعد محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء، رامي الحمد لله، منتصف مارس/ آذار الماضي، ولن تفعل في الحقيقة أكثر من تأجيل العقوبات التي كان عباس قد قرّرها ضد "حماس" وغزة، بعد محاولة التفجير. وللمفارقة، ستكرس المسيرة بالمعنى السياسى الانقسام أكثر، وستجلب حلولا إنسانية اقتصادية اجتماعية، ولو بإطار سياسي ما بعيداً عن قيادة السلطة والمنظمة، وغالباً بحضور بارز وقويّ للنظام المصري الذي سيعود إلى ممارسة وصاية ما على غزة، وفق الواقع الحالي، أي بحضور سلطوي ميداني لحركة حماس، ولكن ضمن قواعد اللعب المقررة مصرياً، وبالطبع إقليمياً ودولياً.
في الأخير وباختصار، أثبتت مسيرة العودة وكسر الحصار، منذ يومها الأول، الروح القتالية العالية للشعب الفلسطيني، كما أكدت أن المقاومة الشعبية السلمية هي الوسيلة الأنجع والأمضى لاسترجاع الحقوق ورفع الحصار أو تخفيفه، وتحسين الأوضاع المنهارة في غزة، غير أنها لن تستطيع للأسف تحقيق نتائج سياسية، تتعلق بالقضايا الاستراتيجية والكبرى، كالقدس والحدود مثلاً. ببساطة، لأن ساحتها الرئيسية المركزية يجب أن تكون الضفة الغربية، حيث الاحتلال المباشر، وحيث تحاربها السلطة، أو على الأقل تتجاهلها وتتركها يتيمة، من دون دعم جدي وفاعل لها، وليس غزة، حيث الاحتلال غير المباشر وصعوبة الصدام معه، من دون الذهاب إلى مواجهة مسلحة بأثمان مكلفة وباهظة، كما أن من المستحيل تحقيق إنجازات جدية ملموسة وكبيرة في ظل الانقسام السياسي والجغرافي الحالي. ولأن المسيرة، بشكلها وجوهرها الحالي، ومع دلالاتها الساسية، تعتبر انفجاراً بوجه الاحتلال، احتجاجاً واعتراضاً على الحياة التي لا تطاق في غزة، والناتجة أساساً عن سياساته وممارساته، قبل أن تكون نتاجاً للانقسام الفلسطيني الضار، وغير المبرّر أصلاً.