تتجلّى روعة العمارة المملوكية وزخارفها المميّزة على جدران مسجد "ابن عثمان" الأثري، وسط حيّ الشجاعية، شرق مدينة غزة، الذي يوصف بأنّه أحد أقدم الشهود على التاريخ الفلسطيني.
يُعدّ جامع "ابن عثمان" من أكبر المساجد الأثرية في مدينة غزّة، ومن ميزاته مساحته الواسعة التي تستوعب نحو ألف وخمسمئة شخص، كما تتّسع باحته الخارجية للمزيد، وقد حافظ على رونقه رغم مرور الزمن.
بُني مسجد "ابن عثمان" في نهاية القرن الثامن الهجري، على مراحل متعدّدة من العصر المملوكي، بإشراف عدّة سلاطين كُتبت أسماؤهم على جدران المسجد. أمّا أبرز بُناة المسجد، وهو شهاب الدين أحمد بن عثمان، فلم يكتب اسمه على أيّ من الجدران بل سُمّي المسجد باسمه، لأنّه واظب على إصلاحه، كما كان إنساناً صالحاً، ويُحكى أنّ الناس كانوا يؤمنون بكراماته، وهو كان نابلسي الأصل، ويعتبر أحد أبرز علماء الدين في قطاع غزّة.
وصف المسجد
مسجد ابن عثمان هو ثاني أكبر مساجد مدينة غزّة بعد "المسجد العمري الكبير". له بوابتان غربيتان تُفتحان على ساحة كبيرة تتّسع لأكثر من خمسمئة شخص، تُحيط بالساحة أروقة وممرّات واسعة مكسوّة بالأقواس المملوكية والجدران السميكة من كافة النواحي، ما عدا الناحية الشرقية التي بُني فيها بيت واسع للصلاة، ترتفع فوقه قبّة كبيرة للمسجد تميّزه عن باقي مباني الحيّ.
فنون التصميم والعمارة والزخرفة والتراث نُقشت على جدران بيت الصلاة الذي يقابل المصلين عند دخولهم إلى المسجد، والذي عَلا سقفه وتزيّن بأشكال مميّزة من الأقواس والبنيان القديم، وقد تمّ ترميمه حديثاً على نفقة أهل الخير وروّاد المسجد.
ثلاثة أعمدة ضخمة جميلة التصميم ومربّعة الشكل حملت عدّة عقود فَصَلت بين أربعة إيوانات، تكوّن منها بيت الصلاة، لفّتها الأعمدة الجدرانية السميكة، أظهرت بيت الصلاة بمجموعة غرف فتحت على بعضها، في تصميم يدعو الزائر إلى التأمّل طويلاً في جمال المشهد.
ويلفت الناظر في هذا المسجد نمو نباتات خضراء بدون تعمّد بين جدرانه المائلة إلى الصفرة، بسبب القِدم، والخشنة الملمس التي ساعدت تلك الأعشاب على التمدّد والتسلّق، ما جعلها تبدو كزينة فريدة من صنع الخالق.
أما كلمة ايوان التي نضطر إلى تكرارها في الحديث عن الأبنية الاسلامية القديمة، فهي معلم معماري قديم، وهو عبارة عن غرفة لها ثلاثة جدران، أما جدارها الرابع فيكون مفتوحاً بأقواس كبيرة تطلّ على صحن المسجد أو فناء المنزل.
ومن معالم المسجد الصامدة "المتوضأ" المتميّز بأقواسه ومقاعده الرخامية البيضاء.
عن عمليات ترميم المسجد، يخبرنا إمامه الشيخ محمد المغني، أنّ المسجد تعرّض للهدم والخراب في الحروب القديمة، وتمّ ترميمه، كذلك تمّ ترميم المسجد قبل نحو 20 عاماً، وترميم بيت الصلاة قبل عشرة أعوام، وهو يحرص على ترميمه بشكل دوري، لأنّ سُمك جدرانه متر واحد، ما يجعلها عرضة للرطوبة التي تضرّ بها وبالأعمدة، مشيراً إلى أنّ النابلسي شهاب بن عثمان بنى المسجد قبل ما يزيد عن 600 عام على شكل مسجد مشابه تمّ بناؤه في مدينة الخليل بالضفة الغربية، للدلالة على ترابط المدن الفلسطينية.
وبيّن إمام المسجد أنّ مساحة الساحة الداخلية للمسجد هي 400 متر، ومساحة المسجد ألفا متر، مشيراً إلى أنّ الليوان الجنوبي في الجهة الغربية يحتوي على مقبرة، أو كما تُعرف عربياً "فستقية"، للمقاومين الذين جاؤوا للجهاد في فلسطين ضدّ الغزاة، وهي تعطي المسجد مكانة دينية وتاريخية متميّزة.
وتضمّ المقبرة رفاة نحو أربعين مقاتلاً، بينهم جنود أتراك، استشهدوا في الحروب الصليبية.
إلى جوار المقبرة، توجد غرفة فيها قبر الأمير سيف الدين يخلجا، لكنّ هذه المقابر لا تحظى باهتمام من قبل الزوّار، ربما لما لحرمة المقابر من مكانة لدى المسلمين.
أما المسنّ أبو هيثم سعود، الذي اعتاد ارتياد مسجد ابن عثمان منذ زمن، فيشير إلى أنّ المسجد وتوابعه من أبرز المعالم التراثية والأثرية في منطقة حي الشجاعية، والتي بنيت من الرمل والفخار، ومن أهمّ الشواهد على تاريخها والأحداث التي شهدتها على مرّ الأجيال وتعاقبها.
ويقول أبو هيثم، لـ"العربي الجديد"، إنّ بنيان المساجد الأثرية القديمة يتميّز بشكل لافت عن باقي المساجد، فقد تشابه بنيان مسجد ابن عثمان مع بنيان المسجد العمري الكبير، من ناحية الأقواس العالية والضخمة والاهتمام بالزخارف وسمك الجدران، ما يعدّ من مميّزات الفنّ الهندسي والمعماري في الحضارة الاسلامية.
ويوضح أنّ الأماكن التراثية، وفي مقدّمتها المساجد الأثرية، تُعتبر أهمّ الشواهد على الحضارة الفلسطينية والأصالة المتجذّرة، لافتاً إلى ضرورة اهتمام الجهات كافّة، وعلى رأسها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بترميم تلك المساجد والعناية بها.
وتعتبر مدينة "غزة القديمة" غنيّة بالأعيان التراثية والأثرية التي تعود لمئات وآلاف السنين، وتحوي المسجد العمري الكبير وحمام السمرة و"سباط العلمي" و"كنيسة بيرفيريوس" الملاصقة لجامع "كاتب ولاية".
يُعدّ جامع "ابن عثمان" من أكبر المساجد الأثرية في مدينة غزّة، ومن ميزاته مساحته الواسعة التي تستوعب نحو ألف وخمسمئة شخص، كما تتّسع باحته الخارجية للمزيد، وقد حافظ على رونقه رغم مرور الزمن.
بُني مسجد "ابن عثمان" في نهاية القرن الثامن الهجري، على مراحل متعدّدة من العصر المملوكي، بإشراف عدّة سلاطين كُتبت أسماؤهم على جدران المسجد. أمّا أبرز بُناة المسجد، وهو شهاب الدين أحمد بن عثمان، فلم يكتب اسمه على أيّ من الجدران بل سُمّي المسجد باسمه، لأنّه واظب على إصلاحه، كما كان إنساناً صالحاً، ويُحكى أنّ الناس كانوا يؤمنون بكراماته، وهو كان نابلسي الأصل، ويعتبر أحد أبرز علماء الدين في قطاع غزّة.
وصف المسجد
مسجد ابن عثمان هو ثاني أكبر مساجد مدينة غزّة بعد "المسجد العمري الكبير". له بوابتان غربيتان تُفتحان على ساحة كبيرة تتّسع لأكثر من خمسمئة شخص، تُحيط بالساحة أروقة وممرّات واسعة مكسوّة بالأقواس المملوكية والجدران السميكة من كافة النواحي، ما عدا الناحية الشرقية التي بُني فيها بيت واسع للصلاة، ترتفع فوقه قبّة كبيرة للمسجد تميّزه عن باقي مباني الحيّ.
فنون التصميم والعمارة والزخرفة والتراث نُقشت على جدران بيت الصلاة الذي يقابل المصلين عند دخولهم إلى المسجد، والذي عَلا سقفه وتزيّن بأشكال مميّزة من الأقواس والبنيان القديم، وقد تمّ ترميمه حديثاً على نفقة أهل الخير وروّاد المسجد.
ثلاثة أعمدة ضخمة جميلة التصميم ومربّعة الشكل حملت عدّة عقود فَصَلت بين أربعة إيوانات، تكوّن منها بيت الصلاة، لفّتها الأعمدة الجدرانية السميكة، أظهرت بيت الصلاة بمجموعة غرف فتحت على بعضها، في تصميم يدعو الزائر إلى التأمّل طويلاً في جمال المشهد.
(تصوير عبد الحكيم أبو رياش) | |
ويلفت الناظر في هذا المسجد نمو نباتات خضراء بدون تعمّد بين جدرانه المائلة إلى الصفرة، بسبب القِدم، والخشنة الملمس التي ساعدت تلك الأعشاب على التمدّد والتسلّق، ما جعلها تبدو كزينة فريدة من صنع الخالق.
أما كلمة ايوان التي نضطر إلى تكرارها في الحديث عن الأبنية الاسلامية القديمة، فهي معلم معماري قديم، وهو عبارة عن غرفة لها ثلاثة جدران، أما جدارها الرابع فيكون مفتوحاً بأقواس كبيرة تطلّ على صحن المسجد أو فناء المنزل.
ومن معالم المسجد الصامدة "المتوضأ" المتميّز بأقواسه ومقاعده الرخامية البيضاء.
عن عمليات ترميم المسجد، يخبرنا إمامه الشيخ محمد المغني، أنّ المسجد تعرّض للهدم والخراب في الحروب القديمة، وتمّ ترميمه، كذلك تمّ ترميم المسجد قبل نحو 20 عاماً، وترميم بيت الصلاة قبل عشرة أعوام، وهو يحرص على ترميمه بشكل دوري، لأنّ سُمك جدرانه متر واحد، ما يجعلها عرضة للرطوبة التي تضرّ بها وبالأعمدة، مشيراً إلى أنّ النابلسي شهاب بن عثمان بنى المسجد قبل ما يزيد عن 600 عام على شكل مسجد مشابه تمّ بناؤه في مدينة الخليل بالضفة الغربية، للدلالة على ترابط المدن الفلسطينية.
وبيّن إمام المسجد أنّ مساحة الساحة الداخلية للمسجد هي 400 متر، ومساحة المسجد ألفا متر، مشيراً إلى أنّ الليوان الجنوبي في الجهة الغربية يحتوي على مقبرة، أو كما تُعرف عربياً "فستقية"، للمقاومين الذين جاؤوا للجهاد في فلسطين ضدّ الغزاة، وهي تعطي المسجد مكانة دينية وتاريخية متميّزة.
وتضمّ المقبرة رفاة نحو أربعين مقاتلاً، بينهم جنود أتراك، استشهدوا في الحروب الصليبية.
إلى جوار المقبرة، توجد غرفة فيها قبر الأمير سيف الدين يخلجا، لكنّ هذه المقابر لا تحظى باهتمام من قبل الزوّار، ربما لما لحرمة المقابر من مكانة لدى المسلمين.
أما المسنّ أبو هيثم سعود، الذي اعتاد ارتياد مسجد ابن عثمان منذ زمن، فيشير إلى أنّ المسجد وتوابعه من أبرز المعالم التراثية والأثرية في منطقة حي الشجاعية، والتي بنيت من الرمل والفخار، ومن أهمّ الشواهد على تاريخها والأحداث التي شهدتها على مرّ الأجيال وتعاقبها.
ويقول أبو هيثم، لـ"العربي الجديد"، إنّ بنيان المساجد الأثرية القديمة يتميّز بشكل لافت عن باقي المساجد، فقد تشابه بنيان مسجد ابن عثمان مع بنيان المسجد العمري الكبير، من ناحية الأقواس العالية والضخمة والاهتمام بالزخارف وسمك الجدران، ما يعدّ من مميّزات الفنّ الهندسي والمعماري في الحضارة الاسلامية.
ويوضح أنّ الأماكن التراثية، وفي مقدّمتها المساجد الأثرية، تُعتبر أهمّ الشواهد على الحضارة الفلسطينية والأصالة المتجذّرة، لافتاً إلى ضرورة اهتمام الجهات كافّة، وعلى رأسها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بترميم تلك المساجد والعناية بها.
وتعتبر مدينة "غزة القديمة" غنيّة بالأعيان التراثية والأثرية التي تعود لمئات وآلاف السنين، وتحوي المسجد العمري الكبير وحمام السمرة و"سباط العلمي" و"كنيسة بيرفيريوس" الملاصقة لجامع "كاتب ولاية".
(تصوير عبد الحكيم أبو رياش) | |