03 نوفمبر 2024
مرّ القانون وتضرّرت "النهضة"؟
أخيرا، مر في تونس قانون المصالحة، لكن الأجواء المتوترة التي حفت بالتصويت عليه في البرلمان جعلته لدى المراقبين أقرب إلى كونه خطوة إلى الوراء منه إلى اعتباره انتصارا للديمقراطية، كما فسّره الذين صوّتوا لصالحه، ودافعوا عنه باستماتةٍ إلى آخر لحظة.
لولا حركة النهضة، وتحديدا قيادتها، لما تمكّن حزب نداء تونس من تمرير المشروع الذي تقدّم به مؤسسه. لكن وفاء حركة النهضة بما تعهدت به لرئاسة الجمهورية ولنجله لم يكن أمرا سهلا، بل دفعت في مقابله ضريبة موجعة. انقسمت كتلتها البرلمانية، حيث لم يصوّت لصالح المشروع سوى 31 نائبا من مجموع نوابها الذين يبلغ عددهم 69. أما البقية فهناك من احتفظ بصوته، وفضل كثيرون منهم الغياب، على الرغم من أنهم كانوا باستمرار أكثر النواب انضباطا والتزاما بالحضور. ويعود ذلك إلى حساسية الملف، وعدم شعبيته لدى قطاعات واسعة من التونسيين، فهؤلاء ساد بينهم اقتناع بأن هذا القانون سيكون بمثابة إنقاذ آلاف المتورطين في ملفاتٍ تتعلق بالفساد في أثناء قيامهم بوظائفهم خلال مرحلة حكم بن علي. ولهذا اتهمت المعارضة الائتلاف الحاكم بتورّطه في تبييض هؤلاء المتهمين، وتشجيعهم على الاستمرار على النهج نفسه.
لم تجد قيادة "النهضة" خيارا آخر يصلح أن يكون بديلا. إذ سبق لزعيمها الشيخ راشد الغنوشي أن دعا بوضوح إلى تحقيق المصالحة، بدون اعتبار الهوية السياسية لمن تتم هذه المصالحة معهم، كما أنه بقي وفيا لتحالفه مع رئيس الجمهورية، وفضّل ألا يخذله في هذه المناسبة، على الرغم من أنه يتعرّض لحملة تشكيك في مصداقيته من أطراف لم تعد تؤمن بأي جدوى لمنطق التوافق مع حركة النهضة في هذه المرحلة. ولهذا اعتبر الغنوشي مرور القانون "إنقاذا لمنهج التوافق الذي يريد الاستئصاليون إسقاطه".
أصبح شيخ "النهضة" يعتقد أن على حركته أن تفوّت الفرصة على من يسميهم استئصاليين من دون أن يحدّد هويتهم. وأن الطريق إلى ضمان ذلك التشبث بصيغة التحالف القائمة مع "نداء تونس" مهما كان الثمن.
المشكلة الآن أن الرجل لم يعد مسموعا من جميع أبنائه. هناك من بدأ يتمرّد على وصاياه، وينزع نحو تشكيل معارضةٍ من داخل الحركة. وهي معارضةٌ مرشحة لكي تكبر، وتحدّ من درجات الانضباط التي كانت تميز الإسلاميين. كما أن هذه المعارضة الداخلية لا تتعلق فقط بتقديرات الشيخ واختياراته السياسية، ولكن أيضا معارضة لأسلوبه في إدارة شؤون الحركة. لقد بدأت الآراء تتباين بشأن تقدير المصلحة، وكيفية إدارة العلاقة مع اللاعبين السياسيين، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية. وكلما احتدّ هذا الخلاف، اعتقد الخصوم أن وحدة الحركة أصبحت مهدّدة، وهو ما يشجعهم على مزيد من ممارسة الضغط من أجل التوصل إلى انهيار الحركة، أو على الأقل رفع الهالة عنها، باعتبارها الحزب الوحيد الذي لم يشهد انشقاقاتٍ في صفوفه. ولهذا اعتبر بعضهم انسحاب أحد النهضويين من الكتلة البرلمانية للحركة بداية تفكك لهذا الكيان الحركي، إلى جانب وجود معطياتٍ عديدة تفيد بأن ذلك ليس سوى قرار فردي معزول، على الرغم من أنه مؤشر جاد على الإحساس بالضيق والتململ.
على الرغم من تعديلات أدخلت على مشروع قانون الباجي السبسي، وأفرغته من كثير من حمولته السابقة، وخصوصا إخراج رجال الأعمال الفاسدين من المنتفعين بهذا العفو، إلا أن الانطباع الذي بقي لدى كثيرين، بمن في ذلك وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمات حقوقية دولية، وحتى جهات رسمية غربية، أن في القانون قدرا من تمتيع مورّطين سابقين في قضايا فساد بالإفلات من العقاب.
بسبب ذلك، تُتهم حركة النهضة بأنها ساعدت على تبييض الفساد، وفق العبارة الشائعة. وهي تهمة ليس من اليسر أن يتحملها أعضاء حركة إسلامية، يستند خطابها على معايير أخلاقية.
ما حصل بمناسبة التصويت على هذا القانون ليس عرضيا وعاديا، بقدر ما يحمل، في طياته، مضاعفات مستقبلية قد تتجاوز "النهضة" لتشمل أيضا أطرافا أخرى، تنشط داخل الخارطة الحزبية الراهنة في تونس.
لولا حركة النهضة، وتحديدا قيادتها، لما تمكّن حزب نداء تونس من تمرير المشروع الذي تقدّم به مؤسسه. لكن وفاء حركة النهضة بما تعهدت به لرئاسة الجمهورية ولنجله لم يكن أمرا سهلا، بل دفعت في مقابله ضريبة موجعة. انقسمت كتلتها البرلمانية، حيث لم يصوّت لصالح المشروع سوى 31 نائبا من مجموع نوابها الذين يبلغ عددهم 69. أما البقية فهناك من احتفظ بصوته، وفضل كثيرون منهم الغياب، على الرغم من أنهم كانوا باستمرار أكثر النواب انضباطا والتزاما بالحضور. ويعود ذلك إلى حساسية الملف، وعدم شعبيته لدى قطاعات واسعة من التونسيين، فهؤلاء ساد بينهم اقتناع بأن هذا القانون سيكون بمثابة إنقاذ آلاف المتورطين في ملفاتٍ تتعلق بالفساد في أثناء قيامهم بوظائفهم خلال مرحلة حكم بن علي. ولهذا اتهمت المعارضة الائتلاف الحاكم بتورّطه في تبييض هؤلاء المتهمين، وتشجيعهم على الاستمرار على النهج نفسه.
لم تجد قيادة "النهضة" خيارا آخر يصلح أن يكون بديلا. إذ سبق لزعيمها الشيخ راشد الغنوشي أن دعا بوضوح إلى تحقيق المصالحة، بدون اعتبار الهوية السياسية لمن تتم هذه المصالحة معهم، كما أنه بقي وفيا لتحالفه مع رئيس الجمهورية، وفضّل ألا يخذله في هذه المناسبة، على الرغم من أنه يتعرّض لحملة تشكيك في مصداقيته من أطراف لم تعد تؤمن بأي جدوى لمنطق التوافق مع حركة النهضة في هذه المرحلة. ولهذا اعتبر الغنوشي مرور القانون "إنقاذا لمنهج التوافق الذي يريد الاستئصاليون إسقاطه".
أصبح شيخ "النهضة" يعتقد أن على حركته أن تفوّت الفرصة على من يسميهم استئصاليين من دون أن يحدّد هويتهم. وأن الطريق إلى ضمان ذلك التشبث بصيغة التحالف القائمة مع "نداء تونس" مهما كان الثمن.
المشكلة الآن أن الرجل لم يعد مسموعا من جميع أبنائه. هناك من بدأ يتمرّد على وصاياه، وينزع نحو تشكيل معارضةٍ من داخل الحركة. وهي معارضةٌ مرشحة لكي تكبر، وتحدّ من درجات الانضباط التي كانت تميز الإسلاميين. كما أن هذه المعارضة الداخلية لا تتعلق فقط بتقديرات الشيخ واختياراته السياسية، ولكن أيضا معارضة لأسلوبه في إدارة شؤون الحركة. لقد بدأت الآراء تتباين بشأن تقدير المصلحة، وكيفية إدارة العلاقة مع اللاعبين السياسيين، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية. وكلما احتدّ هذا الخلاف، اعتقد الخصوم أن وحدة الحركة أصبحت مهدّدة، وهو ما يشجعهم على مزيد من ممارسة الضغط من أجل التوصل إلى انهيار الحركة، أو على الأقل رفع الهالة عنها، باعتبارها الحزب الوحيد الذي لم يشهد انشقاقاتٍ في صفوفه. ولهذا اعتبر بعضهم انسحاب أحد النهضويين من الكتلة البرلمانية للحركة بداية تفكك لهذا الكيان الحركي، إلى جانب وجود معطياتٍ عديدة تفيد بأن ذلك ليس سوى قرار فردي معزول، على الرغم من أنه مؤشر جاد على الإحساس بالضيق والتململ.
على الرغم من تعديلات أدخلت على مشروع قانون الباجي السبسي، وأفرغته من كثير من حمولته السابقة، وخصوصا إخراج رجال الأعمال الفاسدين من المنتفعين بهذا العفو، إلا أن الانطباع الذي بقي لدى كثيرين، بمن في ذلك وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمات حقوقية دولية، وحتى جهات رسمية غربية، أن في القانون قدرا من تمتيع مورّطين سابقين في قضايا فساد بالإفلات من العقاب.
بسبب ذلك، تُتهم حركة النهضة بأنها ساعدت على تبييض الفساد، وفق العبارة الشائعة. وهي تهمة ليس من اليسر أن يتحملها أعضاء حركة إسلامية، يستند خطابها على معايير أخلاقية.
ما حصل بمناسبة التصويت على هذا القانون ليس عرضيا وعاديا، بقدر ما يحمل، في طياته، مضاعفات مستقبلية قد تتجاوز "النهضة" لتشمل أيضا أطرافا أخرى، تنشط داخل الخارطة الحزبية الراهنة في تونس.