يستعدّ عدد من ممثلي المدن والولايات والشركات الأميركية لتقديم خطّة إلى الأمم المتّحدة، تتعهّد بالوفاء لأهداف الولايات المتّحدة فيما يتعلّق بانبعاثات الغاز في الدفيئات، بموجب اتفاقية باريس المناخية، متحدّين بذلك قرار الرئيس دونالد ترامب، أمس الخميس، بالانسحاب من الاتفاق.
وفي تقرير لها اليوم الجمعة، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إلى أن تلك المجموعة، التي لم تحدّد اسمها، وتضمّ حتى الآن ثلاثين عمدة مدينة، وثلاثة حكام ولايات، وأكثر من 80 رئيس جامعة، وأكثر من 100 شركة، تتفاوض حاليًّا مع الأمم المتحدة لقبول طلبها جنبًا إلى جنب مع مساهمات الدول الأخرى في اتفاقية باريس للمناخ.
وقال عمدة مدينة نيويورك السابق، مايكل بلومبيرغ، الذي ينسّق هذا المجهود حاليًّا، إن مجموعة المدن والشركات تلك يمكنها من خلال مضاعفة جهودها المناخية أن تحقق، بل وتتجاوز، تعهّد إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئات، التي تفاقم من مشكلة الاحتباس الحراري في الكوكب، بنسبة 26% بحلول العام 2025، مقارنة بمستوياتها في عام 2005.
لكن من غير الواضح حتّى الآن، بحسب ما تنقل "نيويورك تايمز" عن المسؤولة السابقة في الأمم المتّحدة لشؤون المناخ، كريستينا فيغيريز، ما إذا كان ممكنًا تحقيق هذا الطلب، على اعتبار أنه لا توجد حاليًّا آلية رسمية لضم الكيانات، وليس الدول، إلى اتفاقية المناخ العالمية.
غير أن فيغيرس، التي وصفت قرار ترامب بأنه "ميلودراما سياسية"، عادت وأكّدت على أن الحكومة الأميركية لا تزال مطالبة بتقديم تقاريرها حول انبعاثاتها الغازية للأمم المتّحدة، نظرًا لأن الانسحاب الرسمي لن يتحقّق لسنوات عديدة مقبلة.
وبالتوازي مع ذلك، كان كل من حاكم واشنطن، جاي إنسلي، وحاكم نيويورك، أندرو كومو، وحاكم كاليفورنيا، جيري بروان، وكلّهم من الحزب الديمقراطي، قد أعلنوا أمس الخميس أنّهم بدؤوا تحالفًا منفصلًا للولايات المتمسّكة باتفاق باريس.
ولا يتوقّع مراقبون ومتخصّصون في موضوع المناخ أن يكون هذا الانسحاب ذا فاعلية عمليّة على أرض الواقع في الوقت الراهن، وعلى المقلب الآخر، لا يتوقّع خبراء اقتصاديّون أن يكون هذا الخيار مجزيًا من الناحية الاقتصاديّة كذلك، بل ربّما تكون له ارتدادات عكسيّة على الشركات الكبرى التي أراد ترامب "حمايتها".
عطفًا على ما سبق، يشرح السيد أور، وهو عميد كلية السياسة العامة في جامعة ميرلاند، للصحيفة الأميركية، أن الولايات المتّحدة الآن في منتصف الطريق نحو الهدف الموضوع من أجل خفض الانبعاثات الغازية بحلول عام 2025. وفيما يتعلّق بالتخفيضات المتبقّية، فيمكن للحكومة أن تؤثّر على نصف الانبعاثات تقريبًا عبر فرض قوانين مثل "معايير الأميال الغازية للمركبات".
لكن في رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريس، يعبّر السيد بلومبيرغ، وهو المبعوث الأممي المعني بالمناخ، عن ثقته بأن "الفاعلين غير الدوليين" قادرون على تحقيق أهداف العام 2025 وحدهم.
ويفصّل تقرير الصحيفة عدّة وسائل يمكن للمدن والولايات من خلالها الحد من انبعاثات الغازات السامة، ومن ضمنها، مثلًا، التفاوض حول عقود مع المرافق المحليّة لتزويد كميات أكبر من الطاقة المتجددة، وبناء برامج نقل سريع، ومشاريع بنى تحتية أخرى، مثل تطوير معالجة مياه الصرف الصحي. وعلى نحو مماثل، يمكن للشركات أن تتخذ تدابير مثل شراء الطاقة المتجددة لمكاتبها ومصانعها، أو التأكّد من أن دوائر الإنتاج الخاصة بها صديقة للبيئة.
وتضيف الصحيفة أن كبريات الشركات الأميركية ظلّت "تتوسّل" من أجل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ، وهو ما يرى فيه مسؤولون تنفيذيون ومحلّلون بعض الفوائد الملموسة، غير أن تلك الفوائد سيقابلها الكثير من ردود الفعل العكسية.
وبمعزل عن ذلك، ستظلّ الشركات متعدّدة الجنسيات بحاجة إلى اتباع قوانين أكثر صرامة للانبعاثات الغازية، كما هي معتمدة في الدول الأخرى، بغض النظر عن موقع مقرّاتها الرئيسية. شركات صناعة السيارات الكبرى، مثل "فورد موتورز" و"جينرال موتورز"، على سبيل المثال، ستظلّ بحاجة إلى بناء السيارات التي تلبّي معايير صارمة للاقتصاد في الوقود، والحدّ من الانبعاثات، كما هو معتمد في الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وغيرها.
وإضافة إلى ما ذُكر، ستواجه الشركات الأميركية الأخرى أيضًا غضب المستثمرين العالميين، كما تبيّن الصحيفة، وذلك بسبب التخلّي عن اتفاق ذي شعبية عالمية، سيكون بوسع المستثمرين، مثلًا، شراء سيارات "الرينو" بدلًا من "الشيفروليه"، أو "الريبوك" بدلًا من "النايك".
(العربي الجديد)