استمع إلى الملخص
- بدأ عليوي رحلته النضالية في عام 1988، حيث قضى 15 عاماً في سجون الاحتلال واعتُقل في سجون السلطة الفلسطينية. كان من أوائل المنضمين لحركة حماس وشارك في الانتفاضة الأولى.
- عُرف بروحه المرحة وخدمته للشهيد أحمد ياسين، حيث كان طاهياً ماهراً داخل السجن، ودفع ثمناً باهظاً لنشاطاته الدعوية والتنظيمية.
بعد معاناة شديدة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، استشهد الأسير سميح عليوي (61 عاماً) من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، ليعلن ذلك رسمياً صباح أمس الجمعة، تاركاً وراءه إرثاً من النضال استمر نحو 36 عاماً، كان خلالها خادماً للشهيد أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس خلال عدة محطات من الاعتقال في سجون الاحتلال.
معاناة مع المرض قبل الاستشهاد
قبل نحو أسبوع، دخل سميح عليوي في وضع صحي حرج، حيث نقل إلى المستشفى فاقداً الوعي، وهو ما أبلغهم به أحد الأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال الإسرائيلي وسلمهم "بنطالاً وقميصاً" كان يرتديهما سميح، في إشارة فهم منها أنه يشعر بدنو أجله.
ولم يُخف الأسير المحرر عن العائلة أن سميح شارف على الموت، بعدما انتشر السرطان في جسده وماطلت إدارة السجون في علاجه، حيث لم تسمح بإرساله إلى المستشفى إلا قبل مدة وجيزة جداً، وأنه فقد ما لا يقل عن أربعين كيلو من وزنه، وبات أشبه بهيكل عظمي، رغم أنه كان يتمتع بصحة جيدة، ووزنه يزيد على 110 كيلو قبل اعتقاله في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
يقول معتصم عليوي، نجل الشهيد سميح، لـ"العربي الجديد": "كغيرنا من ذوي الأسرى، لا توجد أي وسيلة للاطمئنان على والدنا، فالزيارات متوقفة تماماً، وحتى زيارات المحامين صعبة، والمؤسسات الدولية غائبة تماماً، ولم يبق أمامنا إلا ما يصلنا عنه من أسرى محررين، ومنهم الأسير الذي أحضر بعضاً من ملابسه، لذلك كان لدينا استعداد نفسي لسماع الخبر الذي وصلنا أمس الجمعة، هذه الشهادة هي النهاية التي كان يسعى لها أبي منذ عقود، فمن سار في هذا الدرب لا بد أن ينالها، والحمد لله على كل حال".
حياة سميح عليوي المليئة بالنضال
بدأت رحلة سميح عليوي مع الاعتقال عام 1988، لتسرق من عمره ما لا يقل عن 15 عاماً متفرقة، وكذلك تعرض للاعتقال في سجون السلطة الفلسطينية عدة مرات، وصلت مجتمعة إلى أربع سنوات. في هذا السياق، يقول معتصم: "ولدت وكان والدي أسيراً، لكنني أذكر عندما كنت طفلاً عام 1996 مشهد دخوله البيت بعد الإفراج عنه من أحد الاعتقالات، حيث حملني وقبلني كما فعل مع إخواني. كانت تلك أول مرة أرى ملامحه جيداً، لكنه سرعان ما غاب مجدداً في سجون الاحتلال الإسرائيلي".
كان الشهيد سميح عليوي عصامياً، فقد توفي والده في صغره، لينخرط في سوق العمل ليعيل أمه وعائلته. ومع انطلاقة حركة حماس عام 1987، كان سميح من أوائل اللاحقين بركبها، فهو متدين منذ صغره، ومعروف عنه ارتياد المساجد. وتزامن ذلك مع اندلاع الانتفاضة الأولى، فنشط في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وذاع صيته نظراً إلى جرأته وإقدامه، ما جعله هدفاً للملاحقة والاعتقالات.
يعلق معتصم على ذلك بالقول: "نحن لا نعرف عنه إلا القليل، وما كان يصلنا فهو من الناس خاصة الذين كان يرافقونه في العمل الجهادي والمقاومة وفي السجون، منهم عرفنا عن صبره وجلده وقدرته الفائقة على قلب المحنة إلى منحة، وكيف كان يحول الحزن إلى فرح رغم الألم". ويتابع معتصم: "منذ إعلان استشهاده وأنا أسمع قصصاً كثيرة عن أبي، الذي كان يصر على إبعاد البيت عن تلك الأحداث، ولا يتحدث أمامنا إلا بشؤون العائلة والعمل".
صاحب الفكاهة والقلب المبتسم
الناشط في شؤون الأسرى والأسير المحرر فؤاد الخفش الذي رافق الشهيد في رحلات اعتقال طويلة، يقول في حديثه مع "العربي الجديد": "هناك أشخاص بمجرد ذكرهم أو الجلوس معهم تتحول الجلسة والمكان وكل شيء إلى فرح وسرور، تذكرهم وتبتسم، لهم أسلوب خاص في الحديث وظلّ خفيف قليلون من يشاركونهم هذه الخفّة والدماثة، وأنا على يقين أن من يعرفون الشهيد سميح عليوي (أبا محمد) سواء كانوا في السجون أو خارجها سيبتسمون ويضحكون وسيتذكرون الكثير من المواقف والأحداث التي قام بها سميح، والتي كان لها دور كبير في إدخال السرور على قلب الإنسان وخلق حالة من الراحة والاطمئنان حتى في أصعب الأوقات".
ويضيف الخفش، "كان سميح يؤمن أنه يجب ألّا تأسر نفسك مرتين، مرة بيد السجان ومرة تحت سيف الحزن والضيق، فسميح عليوي التاجر الذي تحمّل ما تنوء الجبال عن حمله، هو أحد هؤلاء الذي يحولون المكان إلى جو من المرح بظله الخفيف". وفي وقت يتهرب الأسرى من أصعب المهام داخل السجن وهو تحضير الطعام وإعادة تجهيزه، كان عليوي خادماً لهم، فهو طاه وطباخ محترف، وأقرب ما يكون طعامه لطعام الإنسان في بيته، كما يؤكد الخفش. وفي محاولة للعودة بذاكرته، يستذكر الخفش كيف انطلقت في إحدى المرات صفارة إنذار الحريق في سجن مجدو واستنفر الحراس، ليتبين لاحقاً أن السبب كان احتراق وجبة كان يعدها الشهيد عليوي، ليعم الضحك بين الأسرى جميعاً على ذلك الموقف.
خادم الشهيد أحمد ياسين
كانت حركة حماس تخصص أسيرين في كل فترة لخدمة مؤسسها الشهيد الشيخ الشهيد أحمد ياسين، خلال اعتقاله في سجون الاحتلال قبل الإفراج عنه عام 1997، فوقع الاختيار على الشهيد عليوي، حيث أمضى عاماً كاملاً في الغرفة ذاتها. وفي لقاء صحافي سابق للشهيد عليوي، وصف تلك الفترة بأنها أجمل أيام حياته، حيث تعلم من الشهيد ياسين الصبر والحكمة والتواضع. وقال عليوي حينها: "تشرفت بأن أعيش مع الشيخ الشهيد أحمد ياسين، كنت أعد له الطعام الشهي ويحدثني بأجمل الكلام ويخفف عني بدلاً من أن أخفف عنه.
ويقول أحد قادة حركة حماس الذي طلب عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الشهيد سميح هو حكاية من فلسطين لجيل قديم تربى على الصدق والعمل دون مقابل، وهو تقي ورع يقوم الليل، وكثير الذكر لله لا ينسى الشهداء ويتحدث عنهم، يحب أهل بيته ويتحدث عن أولاده وعن صفاتهم". ويضيف: "كان سميح يدفع من جيبه لكل عمل دعوي أو تنظيمي، ولقاء هذا دفع ثمناً باهظاً، فقد لاحقه الاحتلال في عمله ولقمة عيشه وأغلق متجر الذهب الذي يملكه وصادر كل محتوياته، ما تسبب له بخسائر فادحة أعادته لنقطة الصفر، لكنه قابل ذلك بالرضى والاحتساب". ويشير إلى أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية كررت الأمر ذاته مع عليوي، فإضافة إلى اعتقاله عدة مرات، صادرت أيضاً مركبته وأمواله وأغلقت محله، وكان ذلك أول مرة عام 2008 ثم في 2012، لكنه أيضاً قابل ذلك بالطريقة ذاتها.