مترو صيني في عمّان

03 يونيو 2017
+ الخط -
ثمّة هذه الأيام خطة طموحة في العاصمة الأردنية عمّان، لبناء قطار أنفاق (مترو) بالتعاون مع الحكومة الصينية. تستهدف الخطة تطوير منظومة النقل العام في المدينة ذات الأربعة ملايين نسمة، بالتكامل مع خطة الباص السريع التي أعيد العمل بها بعد توقفها بضع سنوات. ومعروف أن الصين طوّرت، في الفترة الأخيرة، صناعتها في مجال القطارات، ووسائل النقل بشكل عام، حتى باتت من أهم مصادر صناعة القطارات الممتازة في العالم.
يفتح هذا المشروع على مجمل العلاقة الأردنية مع الصين، وهي علاقة لافتة، نظراً لأن الأردن دولة غير نفطية، فيما تبدي الصين في العادة اهتماماً كبيراً بالدول النفطية، لحاجة صناعاتها المتزايدة إلى النفط، وتآكل مواردها المحلية منه سنة بعد أخرى.
والواقع أن الاهتمام الأردني بالاقتراب من الصين بدأ قبل طرح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي تولى السلطة في 2013، خطته "الحزام والطريق"، لكنه زاد بعدها. والخطة هي المعروفة بمبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن الـ 21"، وتتناول علاقة الصين بالعالم، ودور الصين في عالم المستقبل، وتشمل حزاماً أرضياً يمتد من الصين، مروراً بآسيا الوسطى وروسيا وصولاً إلى أوروبا، وطريقاً بحرياً يمر عبر مضيق ملقا في جنوب شرق آسيا إلى الهند والشرق الأوسط وشرق أفريقيا.
ويعتقد الصينيون أن هذه الخطّة ستلعب دوراً مهما في ربط الأسواق الناشئة مع الدول التي تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة، وستزيد من ثم الاستثمارات العالمية فيها، فضلاً عن تعزيزها التكامل بين الصين والاقتصاد العالمي. أما بالنسبة لموقع العالم العربي فيها، فتسعى الصين إلى تمتين ما تسميه "التكامل الإنتاجي" مع الدول العربية، بمعنى أن تساهم المواد الخام والبنية التحتية العربية في مواصلة تقدّم القدرات الصناعية والتجارية الصينية، في مقابل أن تتزايد القدرات الإنتاجية العربية، من خلال نقل الخبرات الصناعية الصينية في عدد من المجالات إلى الدول العربية، مثل صناعة المنسوجات والصناعات الخفيفة.
ويبدو الأردن واحداً من الدول العربية التي تسعى إلى الاستفادة من التوجهات الصينية الجديدة، ومن ذلك تفكيره بإقامة مشروعات كبيرة، مثل إنشاء أنابيب نفط تربط بينه وبين مدينة البصرة العراقية، وإقامة خط سكك حديدية يربط بينه وبين الدول المجاورة ويمتد إلى جنوب أوروبا. كما يبدي الأردن اهتماماً بجذب الاستثمار الصيني في مجال الصناعة، وأبرز ما تحقّق في هذا المجال توقيعه سبع اتفاقيات مع الصين، خلال انعقاد دورة منتدى التعاون الاقتصادي العربي الصيني في مدينة ينتشوان الصينية، عاصمة مقاطعة نينشيا، في سبتمبر/ أيلول 2015، وهي الدورة التي كان الأردن فيها الدولة الضيف، وزار أعمالها الملك عبدالله الثاني بنفسه، حيث شملت تلك الاتفاقيات مجالات الطاقة والسكك الحديدية والاتصالات وتوليد الكهرباء بالطاقة المتجددة، وبقيمة إجمالية بلغت سبعة مليارات دولار أميركي.
بلغت الاستثمارات الصينية في الأردن حتى العام 2015 نحو 180 مليار دولار، فيما بلغ حجم الصادرات الأردنية إلى الصين خلال العام 2014 نحو 187 مليون دولار، مقابل واردات بقيمة 4,2 مليارات دولار، وهو ما يعكس –بالطبع- اختلالاً كبيراً في الميزان التجاري مع الصين التي تُصدّر كل شيء، إلى كل مكان في العالم!
ولا تقتصر العلاقة الأردنية الصينية على الجانب الاقتصادي، فثمة أيضاً علاقات ثقافية نشطة، تتبدى أساساً في انتشار تعلّم اللغة الصينية في الأردن: في المدارس والجامعات والمعاهد الاختيارية، ومن ذلك افتتاح معهد كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية، التابع لجامعة الشين ينغ، في أكاديمية طلال أبو غزالة في عمّان منذ العام 2008، هذا إلى جانب تدريس اللغة الصينية في الجامعة الأردنية، وعدد من المدارس الخاصة، ووجود مباحثات لبناء جامعة أردنية صينية على أطراف العاصمة. كذلك يشارك الأردن في إيفاد عدد من الطلبة للدراسة في الصين، إلى جانب التبادل النشط للوفود الثقافية والفنية بين الجانبين.
وعلى هذا، يندرج بناء المترو الصيني في عمّان، في إطار علاقة تتطوّر باستمرار، من الواجب الانتباه إلى تعميقها حضارياً واستراتيجياً، بينما تتجه الصين إلى مستقبلها.
دلالات
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.