17 نوفمبر 2024
ما بعد داعش: أسئلة اليوم التالي
تشهد هذه الفترة ازدياداً ملحوظاً في وتيرة الاستعدادات العسكرية الدولية والعراقية والسورية، في محاولة القضاء على تنظيم داعش عسكرياً، فيما تؤكّد مصادر دبلوماسية عربية أنّ هنالك رغبة أميركية شديدة في القضاء على التنظيم في مدينة الرقّة السورية، وتحجيمه تماماً في العراق. وتفيد التقارير الواردة من سورية بأنّ تدشين الحملة العسكرية الكردية، بدعم أميركي، وإسناد من قوات سورية الديمقراطية، للبدء بريف الرقّة الشمالي، وصولاً إلى إخراج التنظيم من الرقّة بالكامل، وهو السيناريو نفسه الذي يسعى إليه الروس في ريف دير الزور ضد التنظيم.
وعلى الساحة المجاورة، تمثل معركة الفلوجة التي تمّ حشد آلاف الجنود العراقيين ومليشيات الحشد الشعبي والعشائري لها، بدعم أميركي كبير، منعطفاً مهماً ومؤشراً كبيراً بشأن إدارة المعركة المقبلة في الموصل، بعدما تمكّنت القوات العراقية سابقاً من إخراج داعش من الرمادي ومن أغلب مناطق الأنبار العراقية.
هل هذا يعني أنّ داعش على وشك الانهيار والتلاشي؟ خسر التنظيم جزءاً كبيراً من الأراضي التي سيطر عليها في العامين 2013-2014، في سورية والعراق، وتحوّل من حالة الهجوم إلى الدفاع في أوقاتٍ كثيرة، وخسر أغلب قيادات الصف الأول التي عملت على التخطيط والإعداد لما وصل إليه من وضع عسكري، مكّنه من تحقيق نتائج قوية على أرض الواقع، وكان آخر هؤلاء أبو علي الأنباري، وقبله أبو مسلم التركماني، فضلاً عن حجي بكر وأبو عبد الرحمن البيلاوي. فوق هذا وذاك، فإنّ الهالة الرمزية، التي بدا عليها التنظيم في صعوده في العام 2014، وكأنّه محصّن من الضربات، لا يُهزم، يعتمد تكتيكاتٍ مرعبة من المفخخات والانتحاريين وخطاب الرعب، بدأت تتفكك شيئاً فشيئاً، وتظهر نقاط ضعفه أمام الخصوم الذين طوّروا استراتيجياتٍ لمواجهة تكتيكات داعش المفاجئة.
مع ذلك، من الضروري ألا نتوصل إلى نتيجة حتمية بأنّ زواله جرّاء الحملات العسكرية الراهنة بمثابة تحصيل حاصل، وأنّ المسألة هي مسألة وقت، فالتنظيم أظهر كفاءة وصموداً غريباً في مواجهة الحملات العسكرية ضده، بما يتجاوز ما عرفناه عن الجيوش العربية في المعارك السابقة، وحتى تنظيم القاعدة مع طالبان في الحرب الأفغانية عام 2002.
على الرغم من الضربات الجوية المستمرة اليومية، وعلى الرغم من حجم التسلّح الكبير، وانتشار ساحات مواجهات التنظيم بصورة غير طبيعية، من الرقّة إلى دير الزور إلى الأنبار، والفلوجة، وقبلها الرمادي وريف حلب، في مواجهة الجيشين، السوري والعراقي، والطائرات الأميركية والروسية والفصائل السنية الأخرى، والأكراد والحشد الشعبي، مع ذلك ما يزال موجوداً ويقاوم، ويعيد الإمساك بالمبادرة العسكرية في أحيانٍ أخرى، ويستعيد بعض المناطق التي أُخذت سابقاً منه.
ثمّ تبقى معركة مدينتي الرقة والموصل أكثر صعوية وتعقيداً مما سبق، فهنالك مئات الألوف من البشر الذين يخضعون لسلطة داعش، وقيادات التنظيم وعائلات المقاتلين وأبنائهم وآلاف من المقاتلين المتحصنين في المدينتين، ما يتطلب قواتٍ بريّةً كبيرة، خصوصاً في سورية، غير متوفرة إلى الآن، للقيام بهذه المهمة من حربٍ داخل المدن مع التنظيم. مع ذلك كلّه، دعونا نفترض جدلاً أنّ التنظيم خسر معقله في كل من الموصل والرقّة، فإنّ السؤال المهم: هو ما بعد داعش، على أكثر من صعيد.
الصعيد الأول هو اليوم التالي في كل من العراق وسورية. ففي العراق، إذا لم يكن هنالك حلول سياسية مقنعة وآفاق حقيقية للمجتمع السني، فإنّ الظروف التي أنتجت داعش كفيلةٌ بإعادة إنتاجها، أو ربما ما هو أكثر خطورة منها، بعد أعوام قليلة.
بالمناسبة، هذه الحالة نفسها التي مرّ بها العراق، بعد تأسيس "الصحوات العشائرية" السنية منذ العام 2007، وهي الصحوات التي أضعفت تنظيم الدولة الإسلامية حينها، وقامت بتحجيمه، ما أدى إلى تبخّره من أغلب الأراضي التي سيطر عليها هناك، وتحوّله إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ تعتمد حرب العصابات، قبل أن يستفيد التنظيم، مرّة أخرى، من انتكاسة العملية السياسية، وخيبة أمل السنة من العملية السياسية، بعدما سُرقت منهم نتائجها في انتخابات 2010، ثم الشعور بالإقصاء والظلم والاعتقالات. وقد ولدت كل تلك المشاعر الرغبة في الانتقام، وهي المشاعر التي عزف عليها تنظيم الدولة بذكاءٍ شديد، معتبراً نفسه حامي السنة في مواجهة الخصوم.
في المحصلة، إذا لم تكن هنالك آفاق في كل من العراق وسورية، مع اختلاف الحالة السورية التي تتوفر على بدائل سنية عسكرية قوية، وعادت المعادلة السياسية إلى ما كانت عليه قبل بروز داعش، فإنّ النتيجة ستكون شبيهة. أما في سورية، فإنّ غياب الآفاق السياسية يخدم، بالدرجة الأولى، داعش وجبهة النصرة، وإن كان الأول يتميز بأنّه أكثر قدرة على استقطاب الجيل الجديد من الجهاديين وأنصار السلفية الجهادية العالمية.
تلك قوانين، وليست فزّاعات، طالما أنّ المقدمات والشروط موجودة، فإنّ النتائج ستكون متشابهة، ذلك حصل أيضاً مع حركة طالبان في أفغانستان. في العراق، كلمة السرّ إدماج السنّة عبر نظام فيدرالي متوازن، ومنحهم إقليماً يعطيهم حقوقهم السياسية بصورة واضحة، ويُبعدهم قليلاً عن هيمنة القوى المرتبطة بإيران. وفي سورية خروج الأسد من الحكم، ما يزيل إحدى أكبر المعضلات التي تقف في وجه التفاهمات الدولية والإقليمية، ويعطي السنة شعوراً بالارتياح، وبأنّ تضحياتهم لم تذهب هباءً.
على الصعيد الثاني، فهو داخل تنظيم داعش نفسه، فهو تنظيم غير تقليدي، ليس مثل حالاتٍ سابقة، أصبح اليوم يتشكل من طبقاتٍ عديدة، من مقاتلين عراقيين من المجتمع، ولديهم عائلاتهم، والطبقة الثانية السوريون وعائلاتهم، والطبقة الثالثة القادمون من الخارج وعائلاتهم، من أوروبا والعالم العربي وآسيا الوسطى، فهنالك عشرات الآلاف من المقاتلين، ومعهم أطفال ونساء، وجيل جديد منذ أعوام وهو يلقّن عقيدة داعش وأفكاره وتعليماته. ماذا سيحدث لهؤلاء؟ هل سيُقتلون جميعاً؟ أمر غير متخيّل، سيتم اعتقالهم؟ وماذا بعد ذلك؛ إعادة الآلاف إلى دولهم مع الأطفال والنساء، ليحاكموا هناك؟ ثم ماذا بالنسبة للأطفال والنساء والجيل الجديد؟
من الضروري أن تنال مثل هذه الأسئلة اهتماماً وتفكيراً جديّاً، بعدما كان العالم الغربي مسكوناً بسؤال ما بعد الأسد، والخشية من اليوم التالي لرحيله.
وعلى الساحة المجاورة، تمثل معركة الفلوجة التي تمّ حشد آلاف الجنود العراقيين ومليشيات الحشد الشعبي والعشائري لها، بدعم أميركي كبير، منعطفاً مهماً ومؤشراً كبيراً بشأن إدارة المعركة المقبلة في الموصل، بعدما تمكّنت القوات العراقية سابقاً من إخراج داعش من الرمادي ومن أغلب مناطق الأنبار العراقية.
هل هذا يعني أنّ داعش على وشك الانهيار والتلاشي؟ خسر التنظيم جزءاً كبيراً من الأراضي التي سيطر عليها في العامين 2013-2014، في سورية والعراق، وتحوّل من حالة الهجوم إلى الدفاع في أوقاتٍ كثيرة، وخسر أغلب قيادات الصف الأول التي عملت على التخطيط والإعداد لما وصل إليه من وضع عسكري، مكّنه من تحقيق نتائج قوية على أرض الواقع، وكان آخر هؤلاء أبو علي الأنباري، وقبله أبو مسلم التركماني، فضلاً عن حجي بكر وأبو عبد الرحمن البيلاوي. فوق هذا وذاك، فإنّ الهالة الرمزية، التي بدا عليها التنظيم في صعوده في العام 2014، وكأنّه محصّن من الضربات، لا يُهزم، يعتمد تكتيكاتٍ مرعبة من المفخخات والانتحاريين وخطاب الرعب، بدأت تتفكك شيئاً فشيئاً، وتظهر نقاط ضعفه أمام الخصوم الذين طوّروا استراتيجياتٍ لمواجهة تكتيكات داعش المفاجئة.
مع ذلك، من الضروري ألا نتوصل إلى نتيجة حتمية بأنّ زواله جرّاء الحملات العسكرية الراهنة بمثابة تحصيل حاصل، وأنّ المسألة هي مسألة وقت، فالتنظيم أظهر كفاءة وصموداً غريباً في مواجهة الحملات العسكرية ضده، بما يتجاوز ما عرفناه عن الجيوش العربية في المعارك السابقة، وحتى تنظيم القاعدة مع طالبان في الحرب الأفغانية عام 2002.
على الرغم من الضربات الجوية المستمرة اليومية، وعلى الرغم من حجم التسلّح الكبير، وانتشار ساحات مواجهات التنظيم بصورة غير طبيعية، من الرقّة إلى دير الزور إلى الأنبار، والفلوجة، وقبلها الرمادي وريف حلب، في مواجهة الجيشين، السوري والعراقي، والطائرات الأميركية والروسية والفصائل السنية الأخرى، والأكراد والحشد الشعبي، مع ذلك ما يزال موجوداً ويقاوم، ويعيد الإمساك بالمبادرة العسكرية في أحيانٍ أخرى، ويستعيد بعض المناطق التي أُخذت سابقاً منه.
ثمّ تبقى معركة مدينتي الرقة والموصل أكثر صعوية وتعقيداً مما سبق، فهنالك مئات الألوف من البشر الذين يخضعون لسلطة داعش، وقيادات التنظيم وعائلات المقاتلين وأبنائهم وآلاف من المقاتلين المتحصنين في المدينتين، ما يتطلب قواتٍ بريّةً كبيرة، خصوصاً في سورية، غير متوفرة إلى الآن، للقيام بهذه المهمة من حربٍ داخل المدن مع التنظيم. مع ذلك كلّه، دعونا نفترض جدلاً أنّ التنظيم خسر معقله في كل من الموصل والرقّة، فإنّ السؤال المهم: هو ما بعد داعش، على أكثر من صعيد.
الصعيد الأول هو اليوم التالي في كل من العراق وسورية. ففي العراق، إذا لم يكن هنالك حلول سياسية مقنعة وآفاق حقيقية للمجتمع السني، فإنّ الظروف التي أنتجت داعش كفيلةٌ بإعادة إنتاجها، أو ربما ما هو أكثر خطورة منها، بعد أعوام قليلة.
بالمناسبة، هذه الحالة نفسها التي مرّ بها العراق، بعد تأسيس "الصحوات العشائرية" السنية منذ العام 2007، وهي الصحوات التي أضعفت تنظيم الدولة الإسلامية حينها، وقامت بتحجيمه، ما أدى إلى تبخّره من أغلب الأراضي التي سيطر عليها هناك، وتحوّله إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ تعتمد حرب العصابات، قبل أن يستفيد التنظيم، مرّة أخرى، من انتكاسة العملية السياسية، وخيبة أمل السنة من العملية السياسية، بعدما سُرقت منهم نتائجها في انتخابات 2010، ثم الشعور بالإقصاء والظلم والاعتقالات. وقد ولدت كل تلك المشاعر الرغبة في الانتقام، وهي المشاعر التي عزف عليها تنظيم الدولة بذكاءٍ شديد، معتبراً نفسه حامي السنة في مواجهة الخصوم.
في المحصلة، إذا لم تكن هنالك آفاق في كل من العراق وسورية، مع اختلاف الحالة السورية التي تتوفر على بدائل سنية عسكرية قوية، وعادت المعادلة السياسية إلى ما كانت عليه قبل بروز داعش، فإنّ النتيجة ستكون شبيهة. أما في سورية، فإنّ غياب الآفاق السياسية يخدم، بالدرجة الأولى، داعش وجبهة النصرة، وإن كان الأول يتميز بأنّه أكثر قدرة على استقطاب الجيل الجديد من الجهاديين وأنصار السلفية الجهادية العالمية.
تلك قوانين، وليست فزّاعات، طالما أنّ المقدمات والشروط موجودة، فإنّ النتائج ستكون متشابهة، ذلك حصل أيضاً مع حركة طالبان في أفغانستان. في العراق، كلمة السرّ إدماج السنّة عبر نظام فيدرالي متوازن، ومنحهم إقليماً يعطيهم حقوقهم السياسية بصورة واضحة، ويُبعدهم قليلاً عن هيمنة القوى المرتبطة بإيران. وفي سورية خروج الأسد من الحكم، ما يزيل إحدى أكبر المعضلات التي تقف في وجه التفاهمات الدولية والإقليمية، ويعطي السنة شعوراً بالارتياح، وبأنّ تضحياتهم لم تذهب هباءً.
على الصعيد الثاني، فهو داخل تنظيم داعش نفسه، فهو تنظيم غير تقليدي، ليس مثل حالاتٍ سابقة، أصبح اليوم يتشكل من طبقاتٍ عديدة، من مقاتلين عراقيين من المجتمع، ولديهم عائلاتهم، والطبقة الثانية السوريون وعائلاتهم، والطبقة الثالثة القادمون من الخارج وعائلاتهم، من أوروبا والعالم العربي وآسيا الوسطى، فهنالك عشرات الآلاف من المقاتلين، ومعهم أطفال ونساء، وجيل جديد منذ أعوام وهو يلقّن عقيدة داعش وأفكاره وتعليماته. ماذا سيحدث لهؤلاء؟ هل سيُقتلون جميعاً؟ أمر غير متخيّل، سيتم اعتقالهم؟ وماذا بعد ذلك؛ إعادة الآلاف إلى دولهم مع الأطفال والنساء، ليحاكموا هناك؟ ثم ماذا بالنسبة للأطفال والنساء والجيل الجديد؟
من الضروري أن تنال مثل هذه الأسئلة اهتماماً وتفكيراً جديّاً، بعدما كان العالم الغربي مسكوناً بسؤال ما بعد الأسد، والخشية من اليوم التالي لرحيله.