مان راي.. ثياب وأقنعة في معرض استعادي

06 يونيو 2020
مان راي تحت صورته لشفتي لي ميلر
+ الخط -

طيلة مشواره، سعى الفنان الأميركي مان راي (1890-1976) إلى المغامرة في الرسم والتصوير الفوتوغرافي والبوسترات وصناعة الأفلام وحتى في كتابة الشعر، لكنه حين كان يُسأل عن تصنيف نفسه كان يقول إنه رسام فوق وقبل كل شيء آخر، وقد امتدت أعماله الغرائبية بالعموم بين مدارس مختلفة من التكعيبية إلى المستقبلية والدادائية، ولكن الأكثر بروزًا وشهرة من أعماله تنتمي إلى السريالية التي كان جزءاً منها في العصر الذهبي للفنون في باريس، حيث انتقل هو وفنانين أميركيين آخرين إلى العيش فيها.

وغالباً ما التفت مؤرخو الفن إلى النهج الطليعي لمان راي (اسمه الحقيقي إيمانويل رادنيتسكي)، متجاهلين أنه ولمدة عشرين عامًا من حياته المهنية، بين عامي 1920 و1940، كان يكسب قوته بالكامل تقريبًا من التصوير الفوتوغرافي للأزياء، وأنه وضع هذا النوع شكلاً جديداً اقترب فيه من الفن وأبعده عن التجارية، رافضاً الابتعاد عن طموحاته الفنية، بغض النظر عن الشكل الذي اتخذته هذه الطموحات في تصوير أزياء أو رسم لوحات.

يستعيد "متحف لوكسمبورغ للفنون" في باريس، تجربة راي في تصوير الأزياء بوصفها تجربة فنية طليعية في معرض انطلق مطلع الشهر الجاري ويستمر حتى كانون الثاني/ يناير 2021، حيث يستكشف المعرض الجوانب الرئيسية لعمل راي في تصوير الأزياء وتأثيره الدائم على هذا الوسط.

دخل مان راي مجال تصوير الأزياء لتمويل فنه التجريبي، فحين انتقل من نيويورك إلى باريس في عام 1921، شرع في التعاون مع أبرز مصممي الأزياء هناك مثل "شانيل"، و"شياباريللي، و"لانفان"، و"فيونيه" و"بواريه"، واستخدم العائد لتمويل الاستوديو الخاص به.

سرعان ما أصبح ينظر إلى صور راي هذه بوصفها أعمال فنية، فلم يكن أحد الفوتوغرافيين قبله قد تجرأ على إدخال أساليب فنية تجريبية على صور الأزياء، لكن راي فعلها، واشتهر بعد صورة لعارضة في ثوب بواريه البراق، ثم صوّر أخرى إلى جانب عمل للنحات الروماني قسطنطين برانكوزي، وكانت هذه الصورة التي جعلته يجمع بين الفن والموضة كما قال في إحدى مقابلاته.

من جهة أخرى، وجد راي في التصوير الفوتوغرافي للأزياء طريقة مهمة لنشر أفكاره الفنية، ولحسن الحظ، كان عالم دور الأزياء الموضة سعيدًا بنهجه السريالي، وحدث وأن اكتشف أثناء عمله هذا تقنية "التصوير الشعاعي"، عندما شغيل الضوء عن طريق الخطأ في غرفته المظلمة في باريس، مما خلق التباين الدرامي للضوء والظلام، وهي ميزة ستصبح جزءًا لا يتجزأ من العديد من أعماله المستقبلية.

وسرعان ما اعتمدت المجلات هذه التقنية وأحدثت صيحة في عالم التصوير الفني والتجاري على حد سواء، وحين التقط صورة فنية سريالية للعارضة والصحافية أيضاً لي ميلر، أصبحت هذه الصورة خلفية افتتاحية لأشهر عروض الأزياء عام 1929.

وإن كانت بعض صور الموضة والجمال التي التقطها راي قد كانت دعائية وقتها، فهي اليوم تعد من الأيقونات في الفن السريالي، مثل صورة قناع إليزابيث أردن للعلاج الكهربائي للوجه، التي استخدام فيها تقنيات جديدة لابتكار تأثيرات بصرية مثيرة، مثل استخدامه المتكرر للضوء المزدوج.

عندما وصلت الحرب العالمية الثانية إلى باريس في عام 1940، انتقل راي إلى العيش في هوليوود، حيث قرر التخلي عن تصوير الأزياء خوفًا من أن سمعته التجارية كانت تتفوق على سمعته كفنان.

مع ذلك، ظل فخورًا بصوره في عالم الأزياء، ويقال إنه كان يجوب أميركا خلال سنوات الحرب بحثًا عن الإصدارات السابقة من المجلات التي نشرت فيها صوره ليؤرشفها، حيث كان يفرض على الفنان أن يرسل كل النسخ التي يملكها من الصورة إلى الناشر، لذلك لم يكن لدى راي أرشيف حين ترك باريس، وها هي صوره اليوم التي سعى دائما لأرشفتها والحصول حتى ولو على عن نسخ مطبوعة منها، تعرض في "متحف لوكسمبورغ".

المساهمون