31 أكتوبر 2017
ماذا يريد عباس من غزة؟
لا يوجد منطق سياسي يسوّغ رفض حركة حماس مطالبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتسليم حكومته مقاليد الأمور في قطاع غزة، وحل اللجنة التي شكلتها لإدارة شؤون القطاع، حتى وإن جاءت هذه المطالبة على شكل إنذار، مهّد له قراره غير المسبوق بتقليص رواتب موظفي السلطة من الغزيين. كان يجدر بالحركة أن تتعاطى مع إنذار عباس باعتباره فرصة للتدليل للجمهور الفلسطيني على أنها أوفت بما عليها من استحقاقاتٍ، لإنهاء حالة الانقسام الداخلي، وأدت ما عليها لنزع الذرائع التي تتمترس خلفها كل الأطراف التي تشارك في حصار القطاع. صحيح أن من حق "حماس" أن تتخوف أن تكون مطالبة عباس هذه مقدمة لطرح مطالب تعجيزية أخرى، تتعلق بتفكيك بنى المقاومة ونزع سلاحها وتجفيف منابعها، تحت شعار "سلطة واحدة سلاح واحد"، وإيجاد بيئة سياسية وأمنية في القطاع تشبه السائدة في الضفة الغربية، والقائمة على تقديس التعاون الأمني. ولكن صحيح أيضا أن عباس يعي تماماً أن هناك إجماعاً جماهيرياً وفصائلياً فلسطينياً على ألا ترتبط أية إجراءات بإنهاء حالة الانقسام الداخلي بالمس بالمقاومة في القطاع وسلاحها، ولا سيما أن إسرائيل لا تخفي مخططاتها لاستهدافها. من هنا، فإن أية مطالبة بالمسّ ببنية المقاومة وسلاحها في القطاع سيتم النظر إليها مؤشراً على عدم جدّية عباس.
لكن، في تقدير كاتب هذه السطور أن استعادة المسؤولية عن قطاع غزة هي آخر ما يعني عباس، حيث إنه، كما يروي مقرّبوه، يفزع من أن يستيقظ يوما ويجد نفسه مسؤولا أمام إسرائيل عن تبعات أي عمل عسكري تُقدم عليه الفصائل الفلسطينية أو مجموعات السلفية الجهادية العاملة في القطاع، تماما كما تتحمل "حماس" تبعات هذه الأعمال حاليا. كان عباس متأكدا من أن حركة حماس سترفض مطالبه، فتشبث بها لكي يبرر الإجراءات التصعيدية. من هنا، فقد أهدرت "حماس" فرصة لإحراج عباس، والتدليل على عدم جديته، وعلى أن إجراءاته أخيراً لا ترمي إلى إنهاء الانقسام الداخلي، بل لتحقيق أهدافٍ تتعلق بحساباتٍ أخرى لقيادة السلطة، فعباس المسكون بهاجس الخوف من فقدان الشرعية الدولية معني أن يمهد للقائه
المرتقب مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مطلع مايو/ أيار المقبل، بسلسلة من الإجراءات، تدلل على استعداده للإسهام في حرب ترامب على "الإرهاب". من هنا، كان ضمن الإجراءات الأخيرة التي أقدم عليها المسّ بمخصصات الأسرى في سجون الاحتلال وعوائلهم، استباقاً لمطالبة أميركية رسمية بهذا الخصوص، حيث كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية أن ترامب، بناء على طلب رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، سيطلب من عباس وقف المخصصات التي تدفعها السلطة لعوائل الأسرى والشهداء والجرحى الذين أصيبوا في مواجهات مع الاحتلال، بزعم أن هذا سلوك يوفر بيئة مناسبة لتنامي "الإرهاب". إلى ذلك، يرمي عباس في هذه الإجراءات إلى التدليل للأطراف الدولية أنه يبذل كل ما في وسعه من أجل استعادة السلطة صفتها التمثيلية في قطاع غزة. كما تهدف إجراءاته وتصعيده ضد غزة إلى التخفيف من أعباء الأزمة المالية التي تواجهها السلطة، والناجمة عن تراجع وفاء المانحين بالتزاماتهم تجاهها. وحسب منطق عباس، إن كان هناك ثمّة إجراءات تقشفية يتوجب القيام بها لتقليص تأثير هذه الأزمة، فمن الأفضل أن تتحملها غزة وحدها، بزعم أن أغلبية موظفي السلطة في القطاع مستنكفون عن العمل. ولا حاجة للتذكير بأن عباس هو الذي طلب من هؤلاء الموظفين الاستنكاف عن العمل، والبقاء في بيوتهم بعيد سيطرة حماس على مقاليد الأمور في القطاع، في صيف 2007، بهدف الإثقال على الحركة وإفشالها. لكن، أهم مسوّغ للإجراءات التصعيدية ضد غزة ليس موجهاً لحركة حماس بالأساس، بل إلى خصم عباس اللدود محمد دحلان، فعباس يرقب بقلق كبير تحركات المذكور بالتعاون والتنسيق مع نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، والهادفة إلى الاستحواذ على تأييد حركة فتح في قطاع غزة، وضمن ذلك عقد المؤتمرات التي ينظمها دحلان في أوقات متقاربة في مصر، وتشارك فيها شخصيات حزبية ونقابية وإعلامية من قطاع غزة. ومما يدل على أن هذا الاعتبار أحد الاعتبارات المركزية التي دفعت عباس إلى الإقدام على خطواته التصعيدية ضد القطاع حقيقة أن ضمن الشروط التي قدمها بعض مقربي عباس لحركة حماس للتراجع عن الإجراءات المعلنة أخيرا هو أن تلتزم الحركة بعدم السماح لمقربي دحلان بالعمل وحرية الحركة.
لا يبرّر ما تقدم أن يقدم عباس على هذا السلوك ضد قطاع واسع من شعبه، ويواصل تصدير الأزمات إلى قطاع غزة، ليفاقم المعاناة التي يكابدها حوالي مليوني فلسطيني، يقطنون في بقعة جغرافية، هي الأكثر اكتظاظاً في العالم، فاستنفاره لضمان مواصلة تمتعه بالشرعية الدولية وخلافه السياسي مع حماس وصراع النفوذ مع دحلان لا يبرر هذا كله إجراءاته القاسية التي أدت فوراً إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية سوءاً.
ليست إجراءات عباس موجهة ضد غزة، بل ضد فلسطين، الشعب والقضية، حتى لو تذرّع بالانقسام الداخلي لتسويغها، فعباس يكافئ إسرائيل على تعاظم وتيرة الاستيطان والتهويد بتكثيف التعاون الأمني معها، والالتزام بعدم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمقاضاتها على جرائمها. من هنا، يمثل الاصطفاف إلى جانب عباس، تحت أية مسوغات، طعنة نجلاء في خاصرة الشعب الفلسطيني وقضيته.
لكن، في تقدير كاتب هذه السطور أن استعادة المسؤولية عن قطاع غزة هي آخر ما يعني عباس، حيث إنه، كما يروي مقرّبوه، يفزع من أن يستيقظ يوما ويجد نفسه مسؤولا أمام إسرائيل عن تبعات أي عمل عسكري تُقدم عليه الفصائل الفلسطينية أو مجموعات السلفية الجهادية العاملة في القطاع، تماما كما تتحمل "حماس" تبعات هذه الأعمال حاليا. كان عباس متأكدا من أن حركة حماس سترفض مطالبه، فتشبث بها لكي يبرر الإجراءات التصعيدية. من هنا، فقد أهدرت "حماس" فرصة لإحراج عباس، والتدليل على عدم جديته، وعلى أن إجراءاته أخيراً لا ترمي إلى إنهاء الانقسام الداخلي، بل لتحقيق أهدافٍ تتعلق بحساباتٍ أخرى لقيادة السلطة، فعباس المسكون بهاجس الخوف من فقدان الشرعية الدولية معني أن يمهد للقائه
لا يبرّر ما تقدم أن يقدم عباس على هذا السلوك ضد قطاع واسع من شعبه، ويواصل تصدير الأزمات إلى قطاع غزة، ليفاقم المعاناة التي يكابدها حوالي مليوني فلسطيني، يقطنون في بقعة جغرافية، هي الأكثر اكتظاظاً في العالم، فاستنفاره لضمان مواصلة تمتعه بالشرعية الدولية وخلافه السياسي مع حماس وصراع النفوذ مع دحلان لا يبرر هذا كله إجراءاته القاسية التي أدت فوراً إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية سوءاً.
ليست إجراءات عباس موجهة ضد غزة، بل ضد فلسطين، الشعب والقضية، حتى لو تذرّع بالانقسام الداخلي لتسويغها، فعباس يكافئ إسرائيل على تعاظم وتيرة الاستيطان والتهويد بتكثيف التعاون الأمني معها، والالتزام بعدم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمقاضاتها على جرائمها. من هنا، يمثل الاصطفاف إلى جانب عباس، تحت أية مسوغات، طعنة نجلاء في خاصرة الشعب الفلسطيني وقضيته.