منذ انطلاقه قبل 16 عاماً، كان مؤتمر هرتسيليا أول خطوة في الانقلاب الثقافي السياسي في الأكاديمية الإسرائيلية، لجهة تعزيز وترسيخ نفوذ قوى اليمين الإسرائيلي، وذلك بعد الانقلاب السياسي الأول في إسرائيل الذي أطاح بحكم حزب العمل لمصلحة اليمين الإسرائيلي بقيادة مناحيم بيغن في العام 1977.
كان المؤتمر الأول خصص لموضوع "المناعة القومية لإسرائيل"، واتخذت فيه المسألة الديمغرافية وخطر "ضياع الأغلبية اليهودية" بين النهر والبحر حيّزاً محورياً. وتم وضع خطط تهدف للحد من احتمال حصول ثقل نوعي للحركات والأحزاب العربية في إسرائيل. ومر هذا المؤتمر بتقلبات كثيرة، بيد أنه مع مرور الوقت، وبعد أن اختاره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، عام 2005 منبراً لإعلان خطة الانسحاب من قطاع غزة، صار بمثابة المنصة الرئيسية لرصد التحولات، في حال حدوثها، أو التوجهات الرئيسية لصانعي القرار في إسرائيل.
ورسم معالم المؤتمر العام الماضي خطاب الرئيس الإسرائيلي، رؤبين ريفلين، وتباكيه على وهن الرابط الاجتماعي والوحدة في المجتمع الإسرائيلي، الذي قسمه ريفلين إلى أربعة قبائل أساسية اعتبر أنها تشكل "الكل الإسرائيلي" وهي: العلمانيون، المتدينون الصهاينة، الحريديم والعرب. وشدّد ريفلين في خطابه الدعائي آنذاك، على الاعتراف بالغبن الذي لحق بالعرب والشرقيين، مدعياً أن إسرائيل وطن الجميع، وأن هناك حاجة لوضع قواعد لبناء مجتمع أكثر تسامحاً، رغم أنه ينتمي إلى تيار الصهيونية التنقيحية، في اليمين الإسرائيلي التي رفعت لسنوات شعار "للأردن ضفتان، هذه لنا وتلك لنا أيضاً"، ناهيك عن إعلانه باستمرار عن رفض حل الدولتين، وكان من أبرز من رافقوا شارون في اقتحامه للمسجد الأقصى عام 2000.
لكن اللافت في مؤتمر هذا العام، الذي انطلق أمس الثلاثاء، هو موافقة "المعهد للسياسة والاستراتيجية" الذي ينسق مع المركز الأكاديمي متعدد المجالات، في هرتسيليا، على احتضان فكرة خطاب ريفلين وتشكيل لجنة أطلق عليها لجنة توجيه لإعداد أوراق المؤتمر تحت شعار "أمل إسرائيلي مشترك: رؤيا أم حلم"، بمشاركة عدد من الشخصيات العربية في اللجنة، وإفساح مجال لإدراج خطاب رئيس "القائمة المشتركة" النائب أيمن عودة، كخطاب أساسي أثناء مراسم افتتاح المؤتمر، وهو ما حصل أمس، وذلك انسجاماً مع الشعار الذي رفعه ريفلين بشأن الأمل المشترك بهوية إسرائيلية. لكن هذا الأمر قد يثير جدلاً في الشارع الفلسطيني، لاحتمالات كون الشعار المرفوع من ريفلين وتبنيه من قبل المعهد، يمثل مقدمة لتكريس هوية إسرائيلية جامعة جديدة، بما يعني نسج مبادرة وخطط "لأسرلة" الفلسطينيين في الداخل في حال إدخالهم تحت هذا الشعار المرفوع من أشد المتمسكين بأرض إسرائيل الكاملة، وهو رؤبين ريفلين.
ووفقاً للبرامج والأوراق التي تم إرفاقها، يتبيّن أن البحث في مسألة الأمل الإسرائيلي المشترك كانت المحور الأساسي في المؤتمر في يومه الأول، أمس الثلاثاء، إلى جانب تقارير وقراءات تتعلق بالأمن الإسرائيلي واستراتيجياته، والتحديات التي تواجهها دولة الاحتلال في ظل العاصفة التي يمر بها الشرق الأوسط والوطن العربي. وما يزيد من خطورة هذا المحور هو أن لجنة التوجيه التي شكلت لصياغة حلم الرئيس الإسرائيلي، شملت في صفوفها بعض الأكاديميين العرب من الداخل، وأبرزهم النائب السابق عن الجبهة والحزب الشيوعي، حنا سويد، الذي يرأس اليوم أيضاً مركز التخطيط البديل.
اقــرأ أيضاً
وتقر الورقة الرسمية للجنة التوجيه المذكورة أن هذه اللجنة والورقة المرفقة تهدف إلى الترويج ودعم فكرة "(الهوية) الإسرائيلية المشتركة" من خلال اللجنة التي تضم في صفوفها ممثلين عن "القبائل الأربعة"، وأنها اجتمعت لهذه الغاية عدة مرات واستمعت إلى آراء الخبراء والمندوبين لتشخيص وتحديد التحديات التي تطرحها رؤية الرئيس الإسرائيلي ريفلين لترجمة هذه الرؤية إلى خطوات عملية تقود إلى تحقيقها.
ويدعي ريفلين أن رؤيته تقوم على أربعة شروط أو نقاط أساسية لخلق هوية "إسرائيلية مشتركة"، هي: "ضمان المحافظة على هوية كل قطاع، والمسؤولية المشتركة، والإنصاف والمساواة، وبناء أمل إسرائيلي مشترك". وفي شرحها لهذه النقاط، تشير لجنة التوجيه في ورقتها إلى أن هذه الهوية المشتركة التي يقترحها ريفلين، تأتي عملياً لتستبدل خطاب التعددية الثقافية والقومية والذهاب نحو "الاندماج المدني، من دون أن يكون الهدف منها صياغة وصناعة "بوتقة صَهر". إلى ذلك، تتطلب الهوية المشتركة، ارتكازاً إلى مبدأ المساواة والإنصاف، وقف "اقتصار حمل العبء القومي، وبالأساس العسكري، عملياً، على أبناء التيار العلماني والتيار الديني الصهيوني، وتقاسم هذا العبء مع القبيلة العربية والحريديم أيضاً للوصول إلى (هوية) إسرائيلية جديدة لا يعني تنازل التيارين الصهيونيين العلماني والديني عن الحلم الصهيوني وإنما الوصول إلى مرحلة جديدة يضطر فيها أبناء البلاد إلى توصيف وتحديد أسطورة تكوين جديدة تكون مدماكاً إضافياً إلى المدماك الصهيوني".
وفي هذا السياق، تشكل مشاركة النائب عودة في المؤتمر تراجعاً كبيراً في العمل السياسي للفلسطينيين في الداخل، وليس واضحاً ماذا ستكون تداعياتها على هذا العمل وعلى التنسيق بين الأحزاب العربية. وألقى النائب عودة كلمة في الجلسة الافتتاحية طالب فيها بضمان المساواة للعرب في الداخل، وحل مشكلة المهجرين في الوطن، والاعتراف بالقرى العربية غير المعترف فيها في النقب، داعياً إلى ما سماها "مصالحة تاريخية" تشمل أيضاً الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت عام 48، وإلى اعتماد تسوية تقوم على حل الدولتين، من دون أن يتطرق إلى حملات التحريض ضد الفلسطينيين في الداخل، أو إلى شعار ريفلين بكون إسرائيل "دولة يهودية وديمقراطية". وعودة ليس أول نائب عربي يشارك في هذا المؤتمر، فقد سبق أن شارك قبله عضوا الكنيست، أحمد طيبي، ومحمد بركة.
تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر هرتسيليا سيخصص هذا العام أيضاً جلسات لاستعراض وضع إسرائيل الاستراتيجي، وسيلقي رئيس شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال، الجنرال هرتسل هليفي، كلمة في هذا الشأن، صباح اليوم الأربعاء، وأخرى سيلقيها البروفيسور عوزي أراد، إلى جانب مشاركة خاصة من وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، ووزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، ونائب وزير الخارجية الأميركي الحالي أنتوني بلينكين، والرئيس الإسرائيلي السابق، شيمون بيريز.
وقد أعلن رئيس المؤتمر، أريئيل رويخمان، أنه تم توجيه الدعوة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلا أنه لا يزال غير واضح بعد ما إذا كان سيشارك في المؤتمر. ومن المقرر أن يخصص المؤتمر أيضاً، اليوم الأربعاء، جلسة للتداعيات الإقليمية بعد الاتفاق النووي مع إيران، وأخرى للوضع في أوروبا في مسألة استيعاب اللاجئين الذين تدفقوا إلى القارة الأوروبية في العام الماضي، وتداعيات ذلك على تنامي مشاعر العنصرية والتطرف القومي فيها.
اقــرأ أيضاً
لكن اللافت في مؤتمر هذا العام، الذي انطلق أمس الثلاثاء، هو موافقة "المعهد للسياسة والاستراتيجية" الذي ينسق مع المركز الأكاديمي متعدد المجالات، في هرتسيليا، على احتضان فكرة خطاب ريفلين وتشكيل لجنة أطلق عليها لجنة توجيه لإعداد أوراق المؤتمر تحت شعار "أمل إسرائيلي مشترك: رؤيا أم حلم"، بمشاركة عدد من الشخصيات العربية في اللجنة، وإفساح مجال لإدراج خطاب رئيس "القائمة المشتركة" النائب أيمن عودة، كخطاب أساسي أثناء مراسم افتتاح المؤتمر، وهو ما حصل أمس، وذلك انسجاماً مع الشعار الذي رفعه ريفلين بشأن الأمل المشترك بهوية إسرائيلية. لكن هذا الأمر قد يثير جدلاً في الشارع الفلسطيني، لاحتمالات كون الشعار المرفوع من ريفلين وتبنيه من قبل المعهد، يمثل مقدمة لتكريس هوية إسرائيلية جامعة جديدة، بما يعني نسج مبادرة وخطط "لأسرلة" الفلسطينيين في الداخل في حال إدخالهم تحت هذا الشعار المرفوع من أشد المتمسكين بأرض إسرائيل الكاملة، وهو رؤبين ريفلين.
ووفقاً للبرامج والأوراق التي تم إرفاقها، يتبيّن أن البحث في مسألة الأمل الإسرائيلي المشترك كانت المحور الأساسي في المؤتمر في يومه الأول، أمس الثلاثاء، إلى جانب تقارير وقراءات تتعلق بالأمن الإسرائيلي واستراتيجياته، والتحديات التي تواجهها دولة الاحتلال في ظل العاصفة التي يمر بها الشرق الأوسط والوطن العربي. وما يزيد من خطورة هذا المحور هو أن لجنة التوجيه التي شكلت لصياغة حلم الرئيس الإسرائيلي، شملت في صفوفها بعض الأكاديميين العرب من الداخل، وأبرزهم النائب السابق عن الجبهة والحزب الشيوعي، حنا سويد، الذي يرأس اليوم أيضاً مركز التخطيط البديل.
وتقر الورقة الرسمية للجنة التوجيه المذكورة أن هذه اللجنة والورقة المرفقة تهدف إلى الترويج ودعم فكرة "(الهوية) الإسرائيلية المشتركة" من خلال اللجنة التي تضم في صفوفها ممثلين عن "القبائل الأربعة"، وأنها اجتمعت لهذه الغاية عدة مرات واستمعت إلى آراء الخبراء والمندوبين لتشخيص وتحديد التحديات التي تطرحها رؤية الرئيس الإسرائيلي ريفلين لترجمة هذه الرؤية إلى خطوات عملية تقود إلى تحقيقها.
ويدعي ريفلين أن رؤيته تقوم على أربعة شروط أو نقاط أساسية لخلق هوية "إسرائيلية مشتركة"، هي: "ضمان المحافظة على هوية كل قطاع، والمسؤولية المشتركة، والإنصاف والمساواة، وبناء أمل إسرائيلي مشترك". وفي شرحها لهذه النقاط، تشير لجنة التوجيه في ورقتها إلى أن هذه الهوية المشتركة التي يقترحها ريفلين، تأتي عملياً لتستبدل خطاب التعددية الثقافية والقومية والذهاب نحو "الاندماج المدني، من دون أن يكون الهدف منها صياغة وصناعة "بوتقة صَهر". إلى ذلك، تتطلب الهوية المشتركة، ارتكازاً إلى مبدأ المساواة والإنصاف، وقف "اقتصار حمل العبء القومي، وبالأساس العسكري، عملياً، على أبناء التيار العلماني والتيار الديني الصهيوني، وتقاسم هذا العبء مع القبيلة العربية والحريديم أيضاً للوصول إلى (هوية) إسرائيلية جديدة لا يعني تنازل التيارين الصهيونيين العلماني والديني عن الحلم الصهيوني وإنما الوصول إلى مرحلة جديدة يضطر فيها أبناء البلاد إلى توصيف وتحديد أسطورة تكوين جديدة تكون مدماكاً إضافياً إلى المدماك الصهيوني".
وفي هذا السياق، تشكل مشاركة النائب عودة في المؤتمر تراجعاً كبيراً في العمل السياسي للفلسطينيين في الداخل، وليس واضحاً ماذا ستكون تداعياتها على هذا العمل وعلى التنسيق بين الأحزاب العربية. وألقى النائب عودة كلمة في الجلسة الافتتاحية طالب فيها بضمان المساواة للعرب في الداخل، وحل مشكلة المهجرين في الوطن، والاعتراف بالقرى العربية غير المعترف فيها في النقب، داعياً إلى ما سماها "مصالحة تاريخية" تشمل أيضاً الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت عام 48، وإلى اعتماد تسوية تقوم على حل الدولتين، من دون أن يتطرق إلى حملات التحريض ضد الفلسطينيين في الداخل، أو إلى شعار ريفلين بكون إسرائيل "دولة يهودية وديمقراطية". وعودة ليس أول نائب عربي يشارك في هذا المؤتمر، فقد سبق أن شارك قبله عضوا الكنيست، أحمد طيبي، ومحمد بركة.
وقد أعلن رئيس المؤتمر، أريئيل رويخمان، أنه تم توجيه الدعوة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلا أنه لا يزال غير واضح بعد ما إذا كان سيشارك في المؤتمر. ومن المقرر أن يخصص المؤتمر أيضاً، اليوم الأربعاء، جلسة للتداعيات الإقليمية بعد الاتفاق النووي مع إيران، وأخرى للوضع في أوروبا في مسألة استيعاب اللاجئين الذين تدفقوا إلى القارة الأوروبية في العام الماضي، وتداعيات ذلك على تنامي مشاعر العنصرية والتطرف القومي فيها.