10 نوفمبر 2024
ليس حلاً للهروب من "النهضة"
تتواتر في تونس المؤشرات الداعمة لاحتمال تأجيل الانتخابات البلدية المبرمجة يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وإذا ما استقر الرأي على ذلك، فإن الإعلان عنه سيكون بمثابة الضربة الموجعة لصورة تونس في الخارج. ليس الأمر بسيطاً أن تغيّر حكومة ما في بلد ديمقراطي مواعيدها الانتخابية، فمثل ذلك لا يحصل إلا لأسباب قاهرة جداً.
قدّمت الأحزاب المطالبة بالتأجيل عدة مبرّرات جدّية، بعضها قانوني وأخرى إدارية وسياسية. لكن ما لم تذكره هذه الأطراف أنها تجد نفسها، بعد سبع سنوات من الثورة، غير مهيأة لخوض الانتخابات البلدية والجهوية، نظراً لما تفرضه المشاركة من شروط تتجاوز كثيراً قدراتها التنظيمية والتعبوية والمالية. إذ يلاحظ أن معظم هذه الأحزاب لم تتمكّن، حتى الآن، من أن تصبح قادرةً على منافسة الإسلاميين في أي انتخابات ديمقراطية، على الرغم مما يتمتع به الجميع من سقفٍ عال من الحرية.
وإذا كانت القاعدة الانتخابية لحركة النهضة قد تقلصت بوضوح، نتيجة أخطاء جسيمة ارتكبتها خلال ممارستها الحكم، إلا أنها حافظت، على الرغم من ذلك، على تماسكها الداخلي، وقدرتها على الحضور الميداني، واستقطاب شرائح مهمة من المواطنين، في حين فشل منافسوها في تحقيق التوسع الجماهيري، كما فشلوا في حماية أحزابهم من الانقسام والتفكّك. وتعتبر تجربة حزب نداء تونس المثال الأبرز في هذا السياق، الحزب الذي تمكّن، في بداية تأسيسه، من تغيير المعادلة لصالح العلمانيين، عندما فاز بالمرتبة الأولى في أول انتخابات برلمانية ديمقراطية، لكنه سرعان ما وقع فريسة الصراع بين الكتل ومجموعات الضغط، متّخذاً من مسألة التحالف مع "النهضة" مبرّراً للتنازع والانقسام. وهكذا، فقد هذا الحزب بسرعة انتصاره التاريخي على الإسلاميين، ليجد نفسه في المرتبة الثانية برلمانياً. ومع كل صراع جديد، يتقلص حجمه، ويُصاب بمزيد من التشرذم. ولا يوجد الآن محلل سياسي موثوق في موضوعيته يستطيع أن يتنبأ بإمكانية أن يستعيد هذا الحزب عافيته، وأن يتحول من جديد الى مظلةٍ حزبيةٍ، تضم أبرز القوى المدنيّة.
ولعل الخطوة التي يجري الحديث عنها هذه الأيام، والتي تتمثل في ترشيح نجل رئيس الجمهورية لخوض الانتخابات الجزئية التي ستقع في دائرة ألمانيا، والتي يمكن أن تتنازل عنها حركة النهضة لصالح حليفها، وبذلك يفتح الباب أمام احتمال أن يصبح حافظ قايد السبسي رئيساً مقبلاً للبرلمان، بعد استقالة الرئيس الحالي، وهو سيناريو غريب، لكنه أصبح ممكناً، وقد تكون من تداعياته دخول الحزب في طورٍ جديد من الصراع والتآكل.
المؤكد أن حجم حركة النهضة لا يزال هاجساً مزعجاً لدى جميع الأطراف، داخلياً وخارجياً. لقد انتظرت هذه الأطراف حصول انقسامٍ عميقٍ من شأنه أن يُضعف هذا الجسم الكبير، لكن هذه التوقعات لم تتحقق، على الرغم من تعدّد الخلافات بين مكونات حركة النهضة. وما تخشاه حالياً هذه الأطراف أن تتمكّن الحركة من تثبيت أقدامها على الصعيد المحلي، وهو ما من شأنه أن يجعل منها منافساً صعباً خلال المحطتين المقبلتين، الانتخابات البرلمانية والرئاسية. عندها، ستقطع الطريق أمام طامحين كثيرين، وتصبح بفضل ذلك اللاعب الرئيسي والماسك القوي بأجهزة الدولة.
هذا السيناريو الكارثي، حسب اعتقاد المعارضة، تخشاه أيضاً حركة النهضة التي ليس من مصلحتها حالياً أن تتحمّل مسؤولية الحكم بمفردها، كما يسكن كثيرين من قادتها هاجسُ الظهور في حجم أكبر بكثير من حجم بقية الأحزاب. فهؤلاء، وفي مقدمتهم رئيس الحركة، يفترضون أنه لو حصل ذلك سيؤدي، بالضرورة، إلى تحرك قوى إقليمية ودولية، بالتعاون مع أطراف محلية، من أجل إطاحتهم وإعادتهم إلى مربع الحصار والملاحقة والإقصاء، فالوضع الدولي والإقليمي لا يسمح بأن يحكم الإسلاميون وحدهم بلداً، مثل تونس، ذا أهمية استراتيجية ورمزية. فما الحل؟.
يعتقد دبلوماسيين ومختصون في شؤون المنطقة غربيون حاورتهم أخيرا أن المشكل الرئيسي في تونس ليس الإسلاميين، وإنما في عجز خصومهم على بناء قطب سياسي واجتماعي، قادر على قيادة الدولة بشكل ديمقراطي، وبدون إقصاء حركة النهضة.
قدّمت الأحزاب المطالبة بالتأجيل عدة مبرّرات جدّية، بعضها قانوني وأخرى إدارية وسياسية. لكن ما لم تذكره هذه الأطراف أنها تجد نفسها، بعد سبع سنوات من الثورة، غير مهيأة لخوض الانتخابات البلدية والجهوية، نظراً لما تفرضه المشاركة من شروط تتجاوز كثيراً قدراتها التنظيمية والتعبوية والمالية. إذ يلاحظ أن معظم هذه الأحزاب لم تتمكّن، حتى الآن، من أن تصبح قادرةً على منافسة الإسلاميين في أي انتخابات ديمقراطية، على الرغم مما يتمتع به الجميع من سقفٍ عال من الحرية.
وإذا كانت القاعدة الانتخابية لحركة النهضة قد تقلصت بوضوح، نتيجة أخطاء جسيمة ارتكبتها خلال ممارستها الحكم، إلا أنها حافظت، على الرغم من ذلك، على تماسكها الداخلي، وقدرتها على الحضور الميداني، واستقطاب شرائح مهمة من المواطنين، في حين فشل منافسوها في تحقيق التوسع الجماهيري، كما فشلوا في حماية أحزابهم من الانقسام والتفكّك. وتعتبر تجربة حزب نداء تونس المثال الأبرز في هذا السياق، الحزب الذي تمكّن، في بداية تأسيسه، من تغيير المعادلة لصالح العلمانيين، عندما فاز بالمرتبة الأولى في أول انتخابات برلمانية ديمقراطية، لكنه سرعان ما وقع فريسة الصراع بين الكتل ومجموعات الضغط، متّخذاً من مسألة التحالف مع "النهضة" مبرّراً للتنازع والانقسام. وهكذا، فقد هذا الحزب بسرعة انتصاره التاريخي على الإسلاميين، ليجد نفسه في المرتبة الثانية برلمانياً. ومع كل صراع جديد، يتقلص حجمه، ويُصاب بمزيد من التشرذم. ولا يوجد الآن محلل سياسي موثوق في موضوعيته يستطيع أن يتنبأ بإمكانية أن يستعيد هذا الحزب عافيته، وأن يتحول من جديد الى مظلةٍ حزبيةٍ، تضم أبرز القوى المدنيّة.
ولعل الخطوة التي يجري الحديث عنها هذه الأيام، والتي تتمثل في ترشيح نجل رئيس الجمهورية لخوض الانتخابات الجزئية التي ستقع في دائرة ألمانيا، والتي يمكن أن تتنازل عنها حركة النهضة لصالح حليفها، وبذلك يفتح الباب أمام احتمال أن يصبح حافظ قايد السبسي رئيساً مقبلاً للبرلمان، بعد استقالة الرئيس الحالي، وهو سيناريو غريب، لكنه أصبح ممكناً، وقد تكون من تداعياته دخول الحزب في طورٍ جديد من الصراع والتآكل.
المؤكد أن حجم حركة النهضة لا يزال هاجساً مزعجاً لدى جميع الأطراف، داخلياً وخارجياً. لقد انتظرت هذه الأطراف حصول انقسامٍ عميقٍ من شأنه أن يُضعف هذا الجسم الكبير، لكن هذه التوقعات لم تتحقق، على الرغم من تعدّد الخلافات بين مكونات حركة النهضة. وما تخشاه حالياً هذه الأطراف أن تتمكّن الحركة من تثبيت أقدامها على الصعيد المحلي، وهو ما من شأنه أن يجعل منها منافساً صعباً خلال المحطتين المقبلتين، الانتخابات البرلمانية والرئاسية. عندها، ستقطع الطريق أمام طامحين كثيرين، وتصبح بفضل ذلك اللاعب الرئيسي والماسك القوي بأجهزة الدولة.
هذا السيناريو الكارثي، حسب اعتقاد المعارضة، تخشاه أيضاً حركة النهضة التي ليس من مصلحتها حالياً أن تتحمّل مسؤولية الحكم بمفردها، كما يسكن كثيرين من قادتها هاجسُ الظهور في حجم أكبر بكثير من حجم بقية الأحزاب. فهؤلاء، وفي مقدمتهم رئيس الحركة، يفترضون أنه لو حصل ذلك سيؤدي، بالضرورة، إلى تحرك قوى إقليمية ودولية، بالتعاون مع أطراف محلية، من أجل إطاحتهم وإعادتهم إلى مربع الحصار والملاحقة والإقصاء، فالوضع الدولي والإقليمي لا يسمح بأن يحكم الإسلاميون وحدهم بلداً، مثل تونس، ذا أهمية استراتيجية ورمزية. فما الحل؟.
يعتقد دبلوماسيين ومختصون في شؤون المنطقة غربيون حاورتهم أخيرا أن المشكل الرئيسي في تونس ليس الإسلاميين، وإنما في عجز خصومهم على بناء قطب سياسي واجتماعي، قادر على قيادة الدولة بشكل ديمقراطي، وبدون إقصاء حركة النهضة.