من بين المفارقات الليبية أنه بالتزامن مع تناقل الفضائيات والمواقع الإخبارية الأنباء حول ملف النفط في البلاد، وحجم مداخيله وخسائره، في ظل إقفال موانئ النفط والمفاوضات بين العديد من الدول لإعادة فتحها، يطلق قطاع كبير من النشطاء دعوات للتظاهر والاحتجاج تحت مسمى "ثورة الفقراء".
على الرغم من إعلان قيادة مليشيات خليفة حفتر عن إعادة إنتاج النفط، الثلاثاء، إلا أن بعض المتجاوبين مع دعوات الاحتجاج علّقوا بأنهم لم يقرأوا الخبر إلا بعد إعلانه بساعات، لأن الكهرباء والاتصالات أصبحت تغيب ليوم كامل عن أغلب المناطق الليبية، ما أخّر اطلاعهم على هذا التطور، الذي يبدو متصلاً بزيارة مسؤولين أوروبيين إلى ليبيا، على رأسهم وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى طرابلس، بالتزامن مع اتصال أجراه السفير الألماني مع حفتر، قبل ساعات من إعلانه إعادة إنتاج وتصدير النفط.
وبات ملف النفط سبباً رئيساً في حالة الجمود السياسي التي تعانيها البلاد، والطريق الوحيد لإحداث اختراق في هذا الجمود، هو تحديداً من خلال الدعوة إلى "التوزيع العادل للثروة"، التي باتت على لسان كل متدخل إقليمي أو دولي في الملف الليبي كحل لأزمته، من دون تحديد بين من ستوزع الثروة! وزادت وتيرة هذا النداء بعد انتقال معركة السيطرة المتصلة بالأطراف الإقليمية والدولية من طرابلس إلى المنطقة الوسطى حيث حقول وموانئ النفط، وتعددت الأطراف المتنفذة إلى حد صعوبة تفكيك شبكة تحالفاتها ومصالحها. لكن السؤال هو ما السبب الذي دفع حفتر إلى الإعلان عن إعادة إنتاج وتصدير النفط؟ وما هي التوافقات التي جرت في الكواليس بين المتنفذين الكبار؟ وهل وصلت الأطراف إلى اتفاق على توزيع عادل للثروة؟
المقاربة الدولية لتوزيع الثروة التي سرّبتها وسائل إعلام، تحدثت عن خطة دولية لإدارة إيرادات النفط بعيداً عن البنك المركزي الليبي، وحفظها في حساب تابع للمؤسسة الوطنية للنفط في أحد البنوك العالمية، بينما تتولى لجنة دولية الإشراف على تسييل الأموال لتغطية نفقات الدولة الليبية. إذا كانت هذه المقاربة صحيحة، فإن مبدأ مقاسمة الثروة بين الليبيين فيه من المخاطر ما يهدد كيان البلاد، فليس الحديث عن توزيع الثروة بل عن إدارتها بعد توزيعها، في ظل عدم وجود ضامن لإدارة الإيرادات بـ"شكل عادل"، ما يفتح الباب على مصراعيه للصراع بين المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية في كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة، ويعني بشكل محدد توسع الصراع إلى عدة أطراف، خصوصاً في ظل شعور مناطق الأقاليم الليبية بالتهميش، وضرورة الحصول على نصيبهم من ثروات بلادهم.