لماذا لا يدافع رموز "الإخوان" عن الشعراوي؟

08 نوفمبر 2019
+ الخط -
تردّدت كثيرا في ساحات التواصل الاجتماعي المشادّة بين المهاجمين والناقدين لتعليقات المذيعة المصرية، أسما الشريف، عن الشيخ محمد متولي الشعراوي، والتي تقول في أحدها إن فكره "مليء بالتطرّف"، و"كلامه لا يستوعبه عقلي"، ووصلت المشادات إلى مجلس الشعب المصري، بينما تصدر اسم المذيعة قوائم الكلمات الأكثر بحثًا من مصر خلال يومين. ولكن جموع المؤيدين والمهاجمين الذين شاركوا في المشادات ليس من بينهم من ينتسبون إلى التيارين الأهم في الساحة الإسلامية في مصر في العقود الأخيرة، الإخوان المسلمين والسلفيين، فمن ناحيةٍ يري السلفيون الشعراوي مبتدعًا لا يجوز اتباع أفكاره، لتأييده التوسل وزيارة الأضرحة وغيرها من الأمور التي يعتبرها الوهابيون "شركية"، لا صلة لها بالتوحيد "النقي" الذي جاء به محمد بن عبد الوهاب. ومن ناحيةٍ أخرى، يفاصل الخطاب الإخواني بين الإسلام والتدين الرسمي والجماهيري الذي يعد الشيخ الشعراوي من أبرز رموزه، فلإن التدين الرسمي كان ممثلاً في مؤسسة الأزهر والإفتاء والتعليم الديني الأزهري، وكان التدين الجماهيري ممثلاً في المشايخ والدعاة الذين تعتمدهم السلطات، مثل الشيخ الشعراوي ورموز المشايخ الأزهريين غير المنتمين للمؤسسة الدينية رسميا، فإن الخطاب الإخواني يرى أن تدين "الجماهير" أو "العوام" ناقصًا، يعوقه ويفت في أصله ركن "العمل" الذي يقصد به العمل السياسي الموجه إلى خدمة مشروع "الدولة الإسلامية". 
تضم ثوابت المرشد الأسبق للإخوان المسلمين مصطفي مشهور (توفي في العام 2002)، في
الفكر الإخواني، كما يظهر في كتابه "تساؤلات على طريق الدعوة"، ضرورة أن يسعى كل مسلم إلى إنشاء "الدولة الإسلامية"، باعتبارها "مسؤوليته"، وليست مسؤولية ولاة الأمر، ومن ثم كل نشاط لا ينتهي إلى هذا الهدف هو على أفضل تقدير مقبول. لهذا، لا نعجب إذا ألحق "الإخوان" ذكر الشعراوي بـ "غفر الله له"، فالعقيدة التي رسختها أدبيات الجماعة في الستينيات، بعد مقتل مؤسس الجماعة، حسن البنا، ترتكز أساسًا على ضرورة التزام كل مسلم بمحض الإسلام، وأن يعمل على توجيه نشاطه وأعماله وفكره وحياته لإنشاء الدولة المزعومة وتكوين "نواتها الصلبة" من خلال التزام "تنظيمي" (وسرّي) بالجماعة، وهي عقيدة للتنظيم ترى أيضا الانتماء للمؤسسات الدينية الصوفية، كالطرق والتكايا، والعلمية كمؤسسات الإفتاء والتعليم الديني التخصصي، انتماءً منقوصًا، لابد أن يتمّمه التزام تنظيمي نحو "الجماعة"، وإلا فهو منبوذ على أفضل الأحوال.
وباعتبار أدبيات مشهور وسعيد حوى، فإن تنظيم الجماعة هو الآلية الوحيدة التي يمكن للمسلم من خلالها تحقيق التزامه ومسؤوليته بإنشاء الدولة الإسلامية، ولا يكون في وسعه الاستقالة من هذا التنظيم إذا "اختير" له والتقطه قادة الجماعة، وقبلت بإنقاذه من غياهب "الجهل" ونقص الدين. لهذا لا يشفع للشعراوي أن يكون أستاذا في التفسير، بارعًا في التواصل مع الجماهير، في شرح الآيات وتراكيب اللغة والمعنى في القرآن الكريم، لكي يكون "كاملاً"، فسوف يظل "ذنبه" الذي لا يغتفر عدم الانضمام للتنظيم.
والحقيقة أن الشعراوي لم يكن عضوًا في تنظيم الإخوان المسلمين، لا سيما نسخة الستينيات والسبعينيات التي أعقبت خروج بعض القيادات من السجون، ولكنه كان عظيم المحبة لحسن البنا وأسرته. وكان مثل رموز دينية وعلمية كثيرة، يرى البنا رمزًا وطنيًا ودينياً لا يجوز لتنظيمٍ
 ضيق الأفق والآفاق أن يحتكره، خصوصًا إذا عدنا إلى مطلع هذه الحركة في حياته.
لم تكن "حركة" الإخوان المسلمين حكرًا على أبناء المدينة ولا القرى، ولا الإسلاميين أو القوميين او اليساريين، كان فيها ومنها رموز كثيرة ناشطة في السياسة والفكر والأدب، ما يجعلها أقرب إلى حركة تحرير وإحياء وطني منها إلى حركة إسلامية ناشئة، خصوصا أن البنا أثقلها بالممارسة والعمل السياسي، بدلا من سن الحدود الفكرية والأيديولوجية وصكّها.
لم يمهل الوقت ولا التاريخ حسن البنا ليصك الحدود الفكرية بدقة، كي تسد "حركة" الإخوان السبل، وتضيقها على الأفراد. ولكن اللاحقين فعلوا ببراعة مبهرة. والآن صار النهر كثير الروافد والمساعي سجنًا ضيقًا يصك الحدود، لا بالفكر والأيديولوجيا فقط، بل بـ "الولاء الشخصي" للقيادات القائمة. فإذا وصلت "الإخوان" إلى قيادة بالولاء "الشخصي"، فلا عجب أن تتنكر للشيخ محمد متولي الشعراوي، فهو "ناقص" الإيمان بنظرها على كل حال، حتي لو كان عبارة الوصل مع ملايين، وعبارة الوصل بين تدين "التنظيم" وتدين "الدولة"... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
دلالات
سناء االبنا
سناء االبنا
سناء البنا
كاتبة وباحثة مصرية في الاجتماع السياسي
سناء البنا