05 نوفمبر 2024
لماذا تأخرت الديمقراطية العربية؟
يحاجج المثقف والمفكر السوري المعارض، برهان غليون، في مقالته "هل أخطأ المثقفون في فهم الشعوب الغارقة في الجهل والطائفية" (المنشور في "العربي الجديد" (12/3/2018) عن أنّ ما نراه من حروب داخلية عربية، وتفشٍّ للطائفية والصراعات العرقية والدينية (وهو يركز على المشهد السوري) ليس نتيجة للربيع العربي والثورات الشعبية السلمية العربية التي انطلقت، تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والتخلص من الأنظمة الفاسدة الدكتاتورية، بل هو نتيجة سياسات تلك الأنظمة التي أوصلت المجتمعات إلى هذا المستنقع.
المناظرة السابقة (كما لخصتها بلغتي وكلماتي) على درجة كبيرة من الأهمية اليوم في اللحظة التاريخية العربية الراهنة، وفي الاشتباك مع حالة "الشك" التي ضربت أفكار المجتمع العربي وشرائحه، بعدما تحولت الآمال والطموحات بالدخول في الزمن الديمقراطي إلى النقيض تماماً، وأصبح الحلم كابوساً تحياه المجتمعات والشعوب التي مزّقتها الأزمات والحروب الداخلية.
من حيث المبدأ، لا نملك الاختلاف مع برهان غليون، فهذه الأنظمة أو العصابات الحاكمة العربية (بعبارةٍ أدق) جررّت علينا الويلات، والشعوب هي ضحية لأزمنة الاستبداد وسياساته، والثورة المضادة التي دشنتها الأنظمة ضد محاولات الانعتاق من تلك المرحلة. مع ذلك، من الضروري ألا نغلق الباب أمام طرح أسئلة جوهرية وحقيقية عن خريطة الطريق العربية المطلوبة للخروج من الأزمة التاريخية الخطيرة الراهنة، وألا نستسلم للأجوبة السهلة المعلبة الواثقة بأنّ الديمقراطية هي الحل، وهي كذلك، كأفضل اختراع بشري سياسي، لكن السؤال هو بشأن الطريق المؤدية إلى الديمقراطية ومفهوم الديمقراطية نفسه، ومتلازمة الديمقراطية من شروط ثقافية واجتماعية واقتصادية.
في ظنّي أنّ أحد الكتب المهمة والضرورية اليوم للنقاش، ابتداءً، في محاولة استكشاف معالم الطريق المطلوبة، هو كتاب المفكر السياسي الأميركي، فرنسيس فوكوياما "النظام السياسي والانحطاط السياسي (Political Order and Political Decay)، الذي نقله منتدى العلاقات الدولية والعربية في الدوحة إلى العربية، فهو يناقش صلب هذه المسألة، أي لماذا تنجح الديمقراطية في مجتمعات وتتعثر في أخرى، ولماذا تكون الديمقراطية نظاماً ناجعاً وفعالاً في دول والعكس في دول أخرى؟
هذا الكتاب وهو، كما يذكر فوكوياما نفسه، استكمال وتوسيع لكتاب صموئيل هنتنغتون "الأنظمة السياسية في مجتمعات متغيرة"، الذي كُتب قبل عقود، يأخذنا في جولة طويلة وعميقة في التاريخ المقارن، بين المجتمعات والدول، وأسباب الاختلاف بينها في الأوضاع السياسية، ومراحل تطوّرها، ويقدم فرضياتٍ مهمة بشأن الأنظمة السياسية المقارنة.
يضع فوكوياما ثلاثة عوامل رئيسة لتمايز الدول والمجتمعات، وهي الدولة ومؤسساتها وقوتها، وحكم القانون، وأخيراً المساءلة الشعبية للسلطة، ويقدم نماذج متنوعة ومتعددة على فشل التجربة الديمقراطية في دول عديدة، ونجاحها في دول أخرى، ويصل بنا إلى أهمية التزاوج بين العوامل الثلاثة السابقة في تحديد كفاءة المجتمعات والدول.
من المهم في العالم العربي، وتحديداً في إدراك وخطاب القوى والمثقفين الإصلاحيين، أن نقرأ في الكتاب خريطة الطريق المطلوبة لكل مجتمع يريد أن يصل إلى التطور السياسي والاقتصادي والثقافي، وأن ندرك أنّ حرق المراحل التاريخية غير ممكن في الوصول إلى الأنظمة الديمقراطية التعددية التي نريد، فالديمقراطية عملية تاريخية معقدة، وليست لحظة خاطفة.
لم يأتِ المؤلف بقوله ذلك بجديد، وربما المدرسة الإصلاحية العربية في بداية القرن العشرين وصلت إلى هذه النتيجة مبكراً، والنظريات التي تربط الديمقراطية بالعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية تحدثت عن ذلك، لكن الكتاب، في اللحظة الراهنة على الأقل، يمنحنا إضاءات مهمة وضرورية على الأنظمة السياسية المقارنة، والدرس التاريخي المرتبط بما نمر به في العالم العربي، ويعيد توجيه تفكير النخب الإصلاحية نحو أسئلةٍ جوهريةٍ ومناقشات أكثر عمقاً نحو محاولة التفكير مرّة أخرى بالعوامل والشروط الرئيسة المفترض أن تكون رافعة للنظام الديمقراطي.
لا يوجد أسوأ من الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، وهي أساس البلاء، لكن مواجهة هذه الأنظمة لا تقف عند حدود إسقاطها أو مواجهتها السياسية، بل من الضروري أن تكون لدى الشعوب رؤية للمستقبل، وما يحمله من منعرجات وتحديات وصعوبات، قبل تحقيق الديمقراطية الموعودة.
المناظرة السابقة (كما لخصتها بلغتي وكلماتي) على درجة كبيرة من الأهمية اليوم في اللحظة التاريخية العربية الراهنة، وفي الاشتباك مع حالة "الشك" التي ضربت أفكار المجتمع العربي وشرائحه، بعدما تحولت الآمال والطموحات بالدخول في الزمن الديمقراطي إلى النقيض تماماً، وأصبح الحلم كابوساً تحياه المجتمعات والشعوب التي مزّقتها الأزمات والحروب الداخلية.
من حيث المبدأ، لا نملك الاختلاف مع برهان غليون، فهذه الأنظمة أو العصابات الحاكمة العربية (بعبارةٍ أدق) جررّت علينا الويلات، والشعوب هي ضحية لأزمنة الاستبداد وسياساته، والثورة المضادة التي دشنتها الأنظمة ضد محاولات الانعتاق من تلك المرحلة. مع ذلك، من الضروري ألا نغلق الباب أمام طرح أسئلة جوهرية وحقيقية عن خريطة الطريق العربية المطلوبة للخروج من الأزمة التاريخية الخطيرة الراهنة، وألا نستسلم للأجوبة السهلة المعلبة الواثقة بأنّ الديمقراطية هي الحل، وهي كذلك، كأفضل اختراع بشري سياسي، لكن السؤال هو بشأن الطريق المؤدية إلى الديمقراطية ومفهوم الديمقراطية نفسه، ومتلازمة الديمقراطية من شروط ثقافية واجتماعية واقتصادية.
في ظنّي أنّ أحد الكتب المهمة والضرورية اليوم للنقاش، ابتداءً، في محاولة استكشاف معالم الطريق المطلوبة، هو كتاب المفكر السياسي الأميركي، فرنسيس فوكوياما "النظام السياسي والانحطاط السياسي (Political Order and Political Decay)، الذي نقله منتدى العلاقات الدولية والعربية في الدوحة إلى العربية، فهو يناقش صلب هذه المسألة، أي لماذا تنجح الديمقراطية في مجتمعات وتتعثر في أخرى، ولماذا تكون الديمقراطية نظاماً ناجعاً وفعالاً في دول والعكس في دول أخرى؟
هذا الكتاب وهو، كما يذكر فوكوياما نفسه، استكمال وتوسيع لكتاب صموئيل هنتنغتون "الأنظمة السياسية في مجتمعات متغيرة"، الذي كُتب قبل عقود، يأخذنا في جولة طويلة وعميقة في التاريخ المقارن، بين المجتمعات والدول، وأسباب الاختلاف بينها في الأوضاع السياسية، ومراحل تطوّرها، ويقدم فرضياتٍ مهمة بشأن الأنظمة السياسية المقارنة.
يضع فوكوياما ثلاثة عوامل رئيسة لتمايز الدول والمجتمعات، وهي الدولة ومؤسساتها وقوتها، وحكم القانون، وأخيراً المساءلة الشعبية للسلطة، ويقدم نماذج متنوعة ومتعددة على فشل التجربة الديمقراطية في دول عديدة، ونجاحها في دول أخرى، ويصل بنا إلى أهمية التزاوج بين العوامل الثلاثة السابقة في تحديد كفاءة المجتمعات والدول.
من المهم في العالم العربي، وتحديداً في إدراك وخطاب القوى والمثقفين الإصلاحيين، أن نقرأ في الكتاب خريطة الطريق المطلوبة لكل مجتمع يريد أن يصل إلى التطور السياسي والاقتصادي والثقافي، وأن ندرك أنّ حرق المراحل التاريخية غير ممكن في الوصول إلى الأنظمة الديمقراطية التعددية التي نريد، فالديمقراطية عملية تاريخية معقدة، وليست لحظة خاطفة.
لم يأتِ المؤلف بقوله ذلك بجديد، وربما المدرسة الإصلاحية العربية في بداية القرن العشرين وصلت إلى هذه النتيجة مبكراً، والنظريات التي تربط الديمقراطية بالعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية تحدثت عن ذلك، لكن الكتاب، في اللحظة الراهنة على الأقل، يمنحنا إضاءات مهمة وضرورية على الأنظمة السياسية المقارنة، والدرس التاريخي المرتبط بما نمر به في العالم العربي، ويعيد توجيه تفكير النخب الإصلاحية نحو أسئلةٍ جوهريةٍ ومناقشات أكثر عمقاً نحو محاولة التفكير مرّة أخرى بالعوامل والشروط الرئيسة المفترض أن تكون رافعة للنظام الديمقراطي.
لا يوجد أسوأ من الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، وهي أساس البلاء، لكن مواجهة هذه الأنظمة لا تقف عند حدود إسقاطها أو مواجهتها السياسية، بل من الضروري أن تكون لدى الشعوب رؤية للمستقبل، وما يحمله من منعرجات وتحديات وصعوبات، قبل تحقيق الديمقراطية الموعودة.