يشهد الملف الليبي المتأزم، الواقف على تخوم معركة قد تندلع في أي وقت وسط خلافات سياسية عميقة متعددة الأطراف، ولادة تحالف وشيك بين أطراف إقليمية عربية ومتوسطية، بعد انتهاء زيارة مكثفة إلى أنقرة أجراها ممثلون لـ"حكومة الوفاق" أخيراً.
وأنهى وزير الداخلية بـ"حكومة الوفاق" فتحي باشاغا، ووكيل وزارة الدفاع صلاح النمروش، مساء أمس الثلاثاء، زيارةً إلى العاصمة التركية عقد خلالها اجتماعات ضمّت وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ونظيره القطري خالد العطية، ووزير الداخلية المالطي بويرون كاميلاري.
وبحسب تقارير إعلامية، فإنّ باشاغا بحث برفقة النمروش مع آكار والعطية المستجدات على الساحة الليبية وسبل تعزيز تعاون ثلاثي في مجالات الدفاع والأمن، والشراكة الاستراتيجية بين البلدان الثلاثة التي جمعها التعاون على حماية حقوق شعوبها والدفاع عن أمنها القومي ومواجهة مشاريع الدول الداعمة للانقلابيين.
وبحسب وكالة الأنباء الليبية، فإن الجانب الليبي ناقش أيضاً في تركيا تنفيذ باقي الخطوات في الاتفاق الأمني الموقع بين الحكومة التركية و"حكومة الوفاق"، من دون الإفصاح عن تلك الخطوات، "من أجل الاستعداد لعمل عسكري محتمل قد يفتح الطريق لاسترداد سرت، واستكمال بسط سيطرة "حكومة الوفاق" على كامل التراب الليبي"، بالإضافة لتذليل "العقبات التي تواجه تطبيق بعض بنود الاتفاقية، والخطوات التي ينبغي القيام بها في إطارها".
ولا يبدو أن الشق الآخر من الاتفاقات الموقعة بين طرابلس وأنقرة بعيد عن تلك اللقاءات، فقد احتضنت أنقرة أيضاً لقاءً ثلاثياً آخر جمع آكار بباشاغا ووزير الداخلية المالطي بويرون كاميلاري، من دون الإعلان عن مضمونه، لكن استقبال آكار للوزيرين الليبي والمالطي استقبالاً عسكرياً في ساحة وزارة الدفاع التركية، له دلالاته بحسب الصحافية الليبية نجاح الترهوني.
وترى الترهوني، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن اللقاءات التي احتضنتها أنقرة تشير إلى ولادة حلف جديد موسع يضم الدوحة وفاليتا، إضافة لأنقرة وطرابلس، في مواجهة تصعيد سياسي وعسكري في الملف الليبي، معتبرة أن هذا الحلف الجديد قد يغير كثيراً من الموازين على الصعيدين العسكري والسياسي.
وبحسب مصادر ليبية مقربة من "حكومة الوفاق"، فإن الجانب الليبي الممثل بباشاغا والنمروش، ناقش جوانب تتعلق بالبنود المشتركة في الاتفاقين البحري والأمني الموقعين بين طرابلس وأنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وإمكانية أن تكون تلك البنود أساساً لعملية عسكرية لاسترداد مدينة سرت.
وتتوفر سرت على أهمية استراتيجية بالنسبة للحليف التركي لطرابلس، بسبب إشرافها على البحر المتوسط الذي حدّد الاتفاق البحري الموقع بين طرابلس وأنقرة حدوده الجديدة المتصلة بمواقع الطاقة في مياه المتوسط، في وقت يسمح الاتفاق الأمني لأنقرة بدعم قوات "الوفاق" لاسترداد المدينة.
وتلفت الترهوني الى أن وجود الدوحة في هذا الحلف المرتقب ليس جديداً، بسبب موقفها المعروف بمعارضة الحركات الانقلابية في بلدان الربيع العربي، لكن الجديد يتمثل في إمكانية استفادة أنقرة وطرابلس من موقع الجزيرة المالطية عسكرياً واستراتيجياً إذا اما انضمت لحلفهما، مشيرة إلى أن الموقف المالطي من عملية "إيريني" الأوروبية قد يدعم هذا الاتجاه.
لكن الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، لا يرى أن أنقرة وطرابلس تبحثان عن مواقع عسكرية جديدة، فعملية سرت ليست بحاجة لعملية بحرية تنطلق من مواقع من جزيرة مالطا مثلاً، والقواعد الجوية والبرية متاخمة وقريبة من المدينة. بل يرى الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحلف الجديد، في حال تكونه، سيكون له ثقل سياسي وأهمية في التأثير على عواصم كبرى ذات أهمية في الملف الليبي، قائلاً إن "الأزمة الليبية أخيراً انتهت عند حدود سرت عسكرياً، وانتقلت إلى كواليس السياسة، والدوحة، بما لها من نفوذ سياسي في عواصم كبرى يمكن أن تضيف ثقلاً سياسياً لجانب الحكومة في طرابلس".
ويتابع الناشط السياسي حديثه بالقول إن "مالطا هي أولى دول الاتحاد الأوروبي التي خرقت الاتفاق في مهمة "إيريني"، وكونها دولة مواجهة للشواطئ الليبية التي تستهدفها "إيريني" فإن رفضها للعملية يعني أثراً كبيراً في إضعافها، ومواجهة جهود فرنسية داخل الاتحاد الأوروبي لحشد القوة للدفع بها مجدداً"، موضحاً أن "عملية إيريني تدفع بها فرنسا لعرقلة وصول الإمدادات العسكرية التركية لطرابلس، كما أن وجود مالطا في حلف يضم أنقرة وطرابلس يمكن أن يعزز جهود ترسيم الحدود المائية في البحر المتوسط وفقاً للاتفاق البحري الموقع بين "الوفاق" والحكومة التركية".
ويرى الأطرش أن ملامح الحلف الجديد تشير الى أن أنقرة، العاصمة الأبرز في الملف الليبي، تتجه لبناء ثقل سياسي لدعم حلفها مع طرابلس، يمكنه اختراق مواقف أوروبية وعواصم غربية كبرى.