كوميديا رئاسية في بلاد الرافدين

27 يوليو 2014

فؤاد معصوم يتحدث للصحافة بعد اختياره رئيساً (24 يوليو/أ.ف.ب)

+ الخط -

يذكّرنا الرئيس العراقي المنتخب من البرلمان، فؤاد معصوم، بنائب الرئيس العراقي الراحل أيام صدام حسين، محي الدين معروف، والذي جاء به رمزاً لمشاركة الأكراد في الحكم، ولو بصورة كاريكاتورية، حيث شاعت عنه نكتة بين العراقيين "قيل إن والد طالب شاب كردي قدم إلى بغداد، وذهب إلى مكتب محي الدين معروف، ليحل له مشكلة ابنه الذي جاء إلى بغداد لإكمال دراسته، طالباً منه إدخاله إلى القسم الداخلي المجاني في جامعة بغداد، وبعد "صفنة" عميقة، أجابه نائب الرئيس الكردي بجديّة ورزانة: هذي يُراد لها واسطة كبيرة. فذهب ذلك مثلاً: نائب الرئيس لا يحل ولا يربط، ويصلح لاستقبال الضيوف وتوديعهم". 
ومن هنا، يبدو المنظر الظاهري، لانتخاب الرئيس العراقي الحالي، فعلاً ديمقراطياً، يجب الاحفتاء به، مرّ على أسس سليمة. رائع أن نرى هذه السلاسة، غير أن لكل ما تمّ حساباته الطائفية والتحاصصية، وهذا ما يخرّب الصورة المرسومة التي يتجاهل العالم رؤيتها، عن قصد، إرضاءً للدول التي جرّت العراق إلى هذا المصير. كان من الرائع أن لا يعتمد هذا الاختيار على الولاء، بل على الكفاءة، بينما يتبجح المحللون الببغاوات على الشاشات الصغيرة: إن أزمة الحكم في طريقها إلى الحل، في انتخاب رئيسي البرلمان والجمهورية، ولم يبق سوى اختيار رئيس الوزراء، فيما ثلاثة أرباع مساحة العراق غير خاضعة للحكومة، بل تسيطر عليها العشائر وداعش والثوار والمجالس العسكرية والعصابات ومهربو البترول وغيرهم. لكردستان رئيس باعتبارها إقليماً، ولأصقاع العراق الأخرى حكامها الفعليون: الرمادي، الموصل، الفلوجة، تكريت، ومئات المدن والقرى. على من سيكون فؤاد معصوم الذي يفتقد الكاريزما، رئيساً؟ وهل يستطيع تجاهل أن المحاصصة القومية والطائفية هي التي ركبت على أجنحة الديمقراطية، ولا بد من تصديرها نموذجاً إلى الشرق الأوسط؟ 
فؤاد معصوم يعتلي سلم الرئاسة العراقية من دون احتفالات، أو مراسيم شعبية، كما تجري العادة في بلدان، مثل أميركا اللاتينية، على الرغم من أن اختياره ترافق مع شهر رمزي عراقي كبير، هو تموز، يمكن أن يكون مدخلاً لاحتفالات كبيرة في بلاد الرافدين، خصوصاً وأنه من الأقلية الكردية، ما يعزز فكرة الاحتفالات أكثر، فلم يخرج الكرد بدبكاتهم وأزياء نسائهم المزركشة، كما يفعلون في أعياد نوروز، ولم يفرح العرب بأناشيدهم ونواحهم. جاء الخبر بارداً مثلجاً على عكس حرارة شهر تموز القائظ، والجميع مشغول بأحداث أهم من انتخاب الرئيس! يا للعجب، هل هناك حدث أهم من اختيار رئيس جمهورية؟ عودة تموز إلى الحياة تشبه الاحتفال بقيامة المسيح، أو احتفال بعض الشعوب بالربيع وأعياد النوروز وعيد الشجرة أو عيد شم النسيم. لكن، ارتبطت احتفالات العراقيين بالحزن على عاشوراء وذكرى استشهاد الحسين، واحتفالات المسيحيين بالجمعة العظيم، بعد تفجير داعش مرقد النبي يونس في الموصل. وهكذا، تظهر عشتار لتعود إلى عالمنا مع زوجها الإله دموزي

الذي يُجبر العراقيين على الرحيل إلى العالم السفلي، بالتفجيرات والمفخخات. ومؤسف أن انتخاب الرئيس عندنا لا يرتبط بأي طقوس، مثل التي زخرت بها حضارة ما بين النهرين، وكأننا نعيش انفصاماً لا مثيل له عن ماضينا الذي نطرده من أرضنا كل يوم، ولم نعد نتذكر أي واحد من رموز حضارتنا، لا جلجامش ولا آشور بانيبال.
وفي الوقت نفسه، نذكر أن الملوك والرؤساء العراقيين عاشوا أساطير التراجيديا أكثر من غيرهم، فمن بين تسعة ملوك ورؤساء حكموا العراق، قُتل منهم ثمانية، ونجا واحد .. ولكل حكايته ومأساته. آخر الرؤساء العراقيين أصيب بلعنة الكرسي، وظل عالقاً به، ومتنقلاً عليه، كأنها عربة البابليين التي كانت تجر الملوك إلى مقابرهم، غير أن الخيول غير متوافرة الآن، فاستبدلت بالبشر الذين يقودون عربة الرئيس المعلول، جلال الطالباني، الرئيس العراقي السابق، عاد من مشفاه على عجل، لكي يتدخل في اختيار الرئيس الحالي من حزبه، بالهمس والإشارة، وكأنه يطمح أن يعيش عبر ظل وريثه.
ولا شك في أن ما يتمتع به الرئيس العراقي المنتخب من كفاءات ومواهب وقدرات ثقافية، تضعه في سلم راق من بين رؤساء الجمهوريات، لو قام انتخابه على أساس الهوية الوطنية العراقية. ومن هنا، ينبع اختلال القيم والمقاييس التي تجعل من هذا الانتخاب كرنفالاً كوميدياً بامتياز. وأن يتم اختيار رئيس من المكونات العراقية: كردي، تركماني، كلداني، آشوري، يزيدي، شبكي، أمر يبعث على السرور والبهجة، عندما يحدث على أساس الهوية الوطنية الديمقراطية، لا على أساس المحاصصة والطائفية والقومية التي أقرها أول حاكم مدني للعراق، بول بريمر، والذي اختفى بتسعة مليارات دولار وعشيقة عراقية. هنا، لا يفتخر العراقيون بدخولهم إلى أرقى الديمقراطيات في العالم.
ومعلوم أن الرئيس العراقي الجديد، فؤاد معصوم هورامي، من المقرّبين من سلفه جلال الطالباني، وهو سياسي كردي ليبرالي، كان أول رئيس مؤقت لمجلس النواب بعد سقوط نظام صدام حسين. بدأ حياته السياسية شيوعياً، ثم انضم إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وترأس كتلة التحالف الكردستاني في دورتين نيابيتين  2005- 2010. هل يشعر العراقيون بالانتماء إلى رئيس كردي بهذه المواصفات، أي بمواصفات المحاصصة القومية؟ وهل يستطيع هذا الأزهري (تخرج من جامعة الأزهر في 1975)، والأستاذ الجامعي، والمتحدر من أسرة متديّنة، أن يدير دفة سفينة تعصف بها الرياح من كل الجهات، ولو كان من دون صلاحيات؟ وهل يستطيع أن يدخل طالباً شاباً في قسم داخلي في جامعات بغداد؟ وهل سيزاول مهمات وظائفه في استقبال الضيوف وتوديعهم؟


 
 
 
 

 

3442CCAB-1913-4DB8-8A09-49D66768B42E
شاكر نوري

إعلامي وروائي ومترجم عراقي، يعمل في الصحافة منذ 1970. له ثماني روايات. يحمل البكالوريوس والماجستير في الأدب الأنجليزي والدكتوراه في السينما والمسرح من السوربون، أقام في باريس 27 عاماً. نال جائزة ابن بطوطة لأدب اليوميات.