10 نوفمبر 2024
قرار ترامب وبطيئو التعلّم
تتجاوز دلالات إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل حدود القضية الفلسطينية، جغرافياً وسياسياً ورمزياً وتاريخياً، لتصل إلى صلب الحالة الإقليمية بأسرها، ومستقبل النظام الرسمي العربي المترهّل أصلاً.
ما تبقى من النظام الرسمي العربي اليوم ما يزال يتخبّط في رؤيته وأجندته، وبالتالي سياساته، منذ الربيع العربي. ففي العام 2013، دعمت الدول العربية المحافظة الانقلاب العسكري في مصر، ودشّنت الثورة المضادة، بدعوى ممانعة قوى الإسلام السياسي السني المتحالفة مع المحور التركي- القطري من الوصول إلى الحكم، وتزاوجت هذه الأجندة مع الأحداث في سورية، وأجندة أخرى إيرانية مذهبية، تسعى إلى الهيمنة في المنطقة.
بينما كان النظام العربي يخسر المعركة تلو الأخرى، من سورية إلى اليمن إلى العراق، وتكسب إيران نقاط القوى، بدت علامات تحوّل كبيرة على مواقف الإدارة الأميركية السابقة، الرئيس باراك أوباما، تجاه إيران، وعقد مع الإيرانيين الاتفاقية النووية. ولاحقاً كشف الرجل في عقيدته السياسية وآرائه (كما حدث في مقالة جيفري غولد بيرغ Obama Doctrine) عن فلسفته تجاه العالم العربي الذي كان يراه يغرق في حالة من التفكّك والعجز والأزمات البنيوية الداخلية.
نظر النظام الرسمي العربي، عفواً ما تبقى منه، بغضب شديد تجاه أوباما، ووجدوا فيما كان يطرحه الرئيس الجديد دونالد ترامب هديةً ثمينة، وأرضية مشتركة صلبة بين الطرفين، ولنقل بأنّ ترامب فهم هذه العقلية (أو النفسية) جيّداً، وعزف على أنغامها، متحدثاً عن مواجهة النفوذ الإيراني، وتدشين تحالف عربي- أميركي- إسرائيلي في هذا السبيل، وعاد إلى واشنطن بعد أن عقد صفقات بمئات المليارات، على أمل أن يكون "المهدي المنتظر" المخلّص من "الولي الفقيه".
ظنّ العرب أنّ ترامب قادر على قلب الطاولة على التحالف الإيراني- الروسي، وأن يشكّل مخرجاً من المأزق الإقليمي والداخلي العربي، وتقاطعت رؤية الطرفين (العرب وترامب) تجاه الإسلام السياسي، عموماً، بوصف تلك القوى إرهابية ومتطرّفة، لا فرق بين من يشارك بالعملية السياسية أو يأخذ منحىً متطرفا عسكريا، واعتُبرت تركيا وقطر خصماً رئيساً لهذا التحالف "العربي- الترامبي- الإسرائيلي" المفترض.
في الأثناء، جرت عمليات إعادة هيكلة في بعض الدول، بما يتناسب مع الخط الجديد، وكان الحديث عن تطبيع عربي إسرائيلي خلف الأبواب المغلقة، وعن تحجيم القضية الفلسطينية، وعن صفقة القرن، وعن أولوية "الخطر الفارسي". وكان ذلك يسير في خطّ تصاعدي، قبل أن يصفع ترامب النظام العربي، ليوقظه من أحلام اليقظة تلك، فما قام به تجاه القدس كفيل وحده بتعزيز قوة إيران الإقليمية، بل و"داعش"، وإيجاد ديناميكية جديدة من ديناميكيات الفوضى والتطرّف والراديكالية في المنطقة.
كان من المفترض أن يفكّر العرب، قبل ذلك، بمصير علي عبدالله صالح، الرجل الذي راقص الأفاعي، وتقلّب، واختبأ الأعوام الماضية في أحضان الحوثيين. وعندما غمزه العرب، وقالوا له معنا ترامب، قرّر القفز إلى الجهة الأخرى، وقبل أن يصل إليها كُسرت رقبته.
ما حدث مع صالح في اليمن كان مهمّاً للتأمل، ولإعادة النظر في الفرضيات العربية تجاه ترامب، فماذا فعل إلى الآن في مواجهة النفوذ الإيراني؟ لا شيء، ولا يملك شيئاً أصلاً، لأنّ إيران اليوم بالفعل غدت قوة إقليمية، يمتلك أحد قادتها العسكريين، قاسم سليماني، الذي أرسل إليه مدير المخابرات الأميركية أخيرا (كما اعترف في منتدى ريغان للأمن القومي الأميركي في كاليفورنيا)، رسالة الشهر الماضي، لكن سليماني رفض أن يفتحها أصلاً، وقال إنّه لا يوجد حديث بينه وبين الأميركيين.
درس صالح، ودروس الربيع العربي، ودرس أوباما، ودرس قرار ترامب بخصوص القدس، كلها تعلّم من يعانون أشد صعوبات التعلّم، بأنّ لملمة الحالة الداخلية وإعادة بناء جسور المصالحة في الأوطان العربية، وفي النظام الإقليمي، ومكافحة الأمراض التي أرهقت النظام الرسمي العربي هي العلاج المفيد والناجع لإعادة بناء (وتصميم) نظام عربي جديد، قادر على مواجهة التحديات.
أظن، وأغلب الظنّ ليس إثما، أنّ قومنا لم يتعلّموا الدرس بعد.
ما تبقى من النظام الرسمي العربي اليوم ما يزال يتخبّط في رؤيته وأجندته، وبالتالي سياساته، منذ الربيع العربي. ففي العام 2013، دعمت الدول العربية المحافظة الانقلاب العسكري في مصر، ودشّنت الثورة المضادة، بدعوى ممانعة قوى الإسلام السياسي السني المتحالفة مع المحور التركي- القطري من الوصول إلى الحكم، وتزاوجت هذه الأجندة مع الأحداث في سورية، وأجندة أخرى إيرانية مذهبية، تسعى إلى الهيمنة في المنطقة.
بينما كان النظام العربي يخسر المعركة تلو الأخرى، من سورية إلى اليمن إلى العراق، وتكسب إيران نقاط القوى، بدت علامات تحوّل كبيرة على مواقف الإدارة الأميركية السابقة، الرئيس باراك أوباما، تجاه إيران، وعقد مع الإيرانيين الاتفاقية النووية. ولاحقاً كشف الرجل في عقيدته السياسية وآرائه (كما حدث في مقالة جيفري غولد بيرغ Obama Doctrine) عن فلسفته تجاه العالم العربي الذي كان يراه يغرق في حالة من التفكّك والعجز والأزمات البنيوية الداخلية.
نظر النظام الرسمي العربي، عفواً ما تبقى منه، بغضب شديد تجاه أوباما، ووجدوا فيما كان يطرحه الرئيس الجديد دونالد ترامب هديةً ثمينة، وأرضية مشتركة صلبة بين الطرفين، ولنقل بأنّ ترامب فهم هذه العقلية (أو النفسية) جيّداً، وعزف على أنغامها، متحدثاً عن مواجهة النفوذ الإيراني، وتدشين تحالف عربي- أميركي- إسرائيلي في هذا السبيل، وعاد إلى واشنطن بعد أن عقد صفقات بمئات المليارات، على أمل أن يكون "المهدي المنتظر" المخلّص من "الولي الفقيه".
ظنّ العرب أنّ ترامب قادر على قلب الطاولة على التحالف الإيراني- الروسي، وأن يشكّل مخرجاً من المأزق الإقليمي والداخلي العربي، وتقاطعت رؤية الطرفين (العرب وترامب) تجاه الإسلام السياسي، عموماً، بوصف تلك القوى إرهابية ومتطرّفة، لا فرق بين من يشارك بالعملية السياسية أو يأخذ منحىً متطرفا عسكريا، واعتُبرت تركيا وقطر خصماً رئيساً لهذا التحالف "العربي- الترامبي- الإسرائيلي" المفترض.
في الأثناء، جرت عمليات إعادة هيكلة في بعض الدول، بما يتناسب مع الخط الجديد، وكان الحديث عن تطبيع عربي إسرائيلي خلف الأبواب المغلقة، وعن تحجيم القضية الفلسطينية، وعن صفقة القرن، وعن أولوية "الخطر الفارسي". وكان ذلك يسير في خطّ تصاعدي، قبل أن يصفع ترامب النظام العربي، ليوقظه من أحلام اليقظة تلك، فما قام به تجاه القدس كفيل وحده بتعزيز قوة إيران الإقليمية، بل و"داعش"، وإيجاد ديناميكية جديدة من ديناميكيات الفوضى والتطرّف والراديكالية في المنطقة.
كان من المفترض أن يفكّر العرب، قبل ذلك، بمصير علي عبدالله صالح، الرجل الذي راقص الأفاعي، وتقلّب، واختبأ الأعوام الماضية في أحضان الحوثيين. وعندما غمزه العرب، وقالوا له معنا ترامب، قرّر القفز إلى الجهة الأخرى، وقبل أن يصل إليها كُسرت رقبته.
ما حدث مع صالح في اليمن كان مهمّاً للتأمل، ولإعادة النظر في الفرضيات العربية تجاه ترامب، فماذا فعل إلى الآن في مواجهة النفوذ الإيراني؟ لا شيء، ولا يملك شيئاً أصلاً، لأنّ إيران اليوم بالفعل غدت قوة إقليمية، يمتلك أحد قادتها العسكريين، قاسم سليماني، الذي أرسل إليه مدير المخابرات الأميركية أخيرا (كما اعترف في منتدى ريغان للأمن القومي الأميركي في كاليفورنيا)، رسالة الشهر الماضي، لكن سليماني رفض أن يفتحها أصلاً، وقال إنّه لا يوجد حديث بينه وبين الأميركيين.
درس صالح، ودروس الربيع العربي، ودرس أوباما، ودرس قرار ترامب بخصوص القدس، كلها تعلّم من يعانون أشد صعوبات التعلّم، بأنّ لملمة الحالة الداخلية وإعادة بناء جسور المصالحة في الأوطان العربية، وفي النظام الإقليمي، ومكافحة الأمراض التي أرهقت النظام الرسمي العربي هي العلاج المفيد والناجع لإعادة بناء (وتصميم) نظام عربي جديد، قادر على مواجهة التحديات.
أظن، وأغلب الظنّ ليس إثما، أنّ قومنا لم يتعلّموا الدرس بعد.