في مسألة أشرف فياض
لا أعرف كيف يفلح الواحد منا في حفظ صحة عقله ورأسه، أبطمرهما في الرمال، والتغاضي عمّا يبلغه من أخبار، لا تتحدث إلا عن خرق القوانين، واستباحة أدنى الحقوق، وعلى رأسها حرية التعبير والمعتقد، أم بالشجب والتنديد، مع اليقين المسبق بأن هذا كله لن يؤدي إلى نتيجة؟
والتجاوزات والخروقات هذه لا تأتي من عصابات إرهابيين، أو من دول مارقة، نبتت ذات ليلة وتمدّدت، وإنما من أنظمةٍ معترف بها عالمياً، ويتم ترويجها على أنها رمز الاعتدال، في حين أنها تظهر من خلال ممارساتها أنها على نقيضه تماماً.
ثمة، الآن، شاب فلسطيني مولود في السعودية، يدعى أشرف فياض، متهم بالإساءة إلى الإسلام والردة، من خلال كتاباته كشاعر. تقول "هيومن رايتس ووتش" إن فياض اعتُقل، أولاً، في رمضان 2013، إثر نقاش حاد مع رجل في مقهى بشأن شعره، وقُدّمت شكوى لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تتهمه بأنه قد أساء إلى الإسلام. وتقول شقيقته الموجودة في غزة إنهم أطلقوا سراحه حينها، لعدم توفر أدلّة، وبالتالي لعدم وجود قضية. لكن، في بداية 2014، استدعي أشرف للتحقيق مجدداً، فحُكم عليه مبدئيّاً بأربع سنوات سجن مع 800 جلدة، لتورطه بعلاقات غير لائقة مع الجنس الآخر. الدليل؟ صور في هاتفه الجوال تظهره برفقة نساء في معرض فني!
إلا أن استئنافاً للحكم من النيابة العامة أدى، أخيراً، إلى إصدار حكم جديد بالإدانة، بتهمة "سبّ الذات الإلهية ودعوة صغار السن إلى الإلحاد"، مع فرض عقوبة الإعدام. أحكام الإعدام في السعودية تنفّذ عادة بقطع الرأس. يقال إنّ لفياض أملاً ضئيلاً، فبمقدوره أن يستأنف لدى أعلى محكمة سعودية خلال 30 يوماً. يقال، أيضاً، إن هناك ضغوطاً مورست، وعلاقات ومصالح سياسية تداخلت وتضافرت، لإصدار حكمٍ كهذا.
لكن، تبقى التهمة هي الردة والإساءة إلى الإسلام، كما بيّنهما التحقيق من كتابات الشاعر البالغ 35 عاماً، والذي نفى أن يكون قد تعرّض للذات الإلهية، قائلاً إن ما كتبه يحكي عن الوضع في فلسطين، وعن القضية الفلسطينية.
ثمّة الآن وراء عذابه الجسدي والنفسي عذاب إضافي، يصعب وصفه، لأنه كافكاوي بامتياز. خسارة الحياة عبثاً، مقارعة قمم من الظلامية والتعنت والجهل والتخلف، والوجود رغماً عنك في معركةٍ لا تملك فيها أي سلاح للدفاع عن نفسك.
لا أعرف قيمة أشرف فياض شاعراً. لا أريد حتى أن أعرفها الآن، لا أريد أن أعرف رأيه في الدين، وإن كان فعلا قد أساء إليه. أريد فقط أن أذكّر بحق كل شخص بالتعبير عن رأيه، بأن الشعر والأدب، إجمالاً، هو تفلّت وشكّ ودحض واعتراض. إنه لحظة مكثفة، ليست واقعية دائما، أو ذاتية أو شخصية. وأن أشرف، وفي أسوأ الأحوال، أي وإن كان ملحداً أو مرتداً، وهو ما لم يثبت، لا يستحق القتل، لأن من ينصّب نفسه مكان الإله، مفتياً بالموت والحياة، يسيء إلى القانون الإلهي والدنيوي على السواء، متحوّلاً إلى قاتلٍ يفوق المشكك والمرتد إساءة.
كان من عادة الملوك، حين يغضبهم أحد رعاياهم، اتخاذ القرار بنفيه إلى أقاصي البقاع، اتقاءً لشرّه. لم لا تتبنى المملكة السعودية وملكها مثل طرق المعاقبة هذه، فترحّل فياض بعيداً، تلغي إقامته، وتمنعه حتى من اللجوء الى البلدان التي لها مع المملكة مصالح، وهي عديدة.
أخيراً، المريع فعلاً ليس قرار الإعدام فحسب بحق شاب بريء، بل إن التعليقات المنهمرة على مختلف وسائل الاتصال الاجتماعي هي ما يجمّد الدماء في العروق، حيث تجري محاكمات مقتضبة موازية لأشرف فياض، يبرر أغلبها عقوبة القتل، ويدعو إليها، حتى ليتساءل من يقرأها في أي زمن انعدام رحمة ترانا نعيش، ومتى جفّت قلوب الناس، وامتلأت بكل تلك القسوة؟