يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى صب المزيد من الزيت على نار الحرب التجارية المشتعلة بين بلاده وبين الصين، وذلك عبر إقناع مجلس الاحتياط الفيدرالي (أي البنك المركزي الأميركي) بتسخير السياسة النقدية التي يديرها لخدمة ترامب في كسب هذه الحرب.
ودعا ترامب، مساء الثلاثاء، مجلس الاحتياط، إلى العودة إلى سياسة "التيسير الكمي"، وضخ دولارات في السوق الأميركي، وكذلك خفض سعر الفائدة على الدولار، كما فعل في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وفي حال خفض الفائدة الأميركية، فإن الصين ستكون في مقدمة المتضررين، إذ تمتلك أكبر احتياطي من النقد الأجنبي في العالم يقدر بنحو 3.095 تريليونات دولار، في إبريل/نيسان الماضي. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من 2019، ارتفعت احتياطيات الصين بمقدار 22.24 مليار دولار، بعدما تراجعت 67.24 مليار دولار في 2018.
وتستثمر الصين معظم احتياطياتها من النقد الأجنبي في الأسواق الأميركية، خاصة في أدوات الدين الحكومية كالسندات وأذون الخزانة، كما تستثمر جزءا منه في سندات الخزانة الصادرة عن حكومة مجموعة السبع الكبرى، وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا.
ويراهن ترامب على كسب الحرب التجارية الحالية، وإجبار الاقتصاد الصيني على التراجع في حجم الصادرات والنمو الاقتصادي، وربما وضع المزيد من العقبات أمام مبادرة "الحزام والطريق" التي تواجه متاعب حالياً.
ويعول ترامب كثيراً على محاصرة الصين اقتصادياً وتجارياً، خلال الفترة المقبلة، حتى يتمكن من دخول الانتخابات الرئاسية في عام 2020 بأكثر من انتصار اقتصادي ومالي. ويرى أنه في حال اتخاذ البنك المركزي الأميركي مثل هذه الخطوات، فإن بلاده ستكسب الحرب التجارية بسهولة.
وتشير توقعات إلى أن حجم النمو الاقتصادي الصيني قد ينزلق إلى تحت 6.7% خلال العام الجاري. وفي تغريدة جديدة، دافع ترامب عن حربه التجارية ضد الصين، قائلاً إنها نموذج للمفاوضات الأميركية مع الدول الأخرى.
وقال في سلسلة تغريدات على موقع "تويتر"، مساء الثلاثاء: "نحن في وضع أفضل بكثير حالياً من أي اتفاق كنا سنبرمه، بقية الدول مستعدة للتفاوض معنا، لأنهم لا يريدون لهذا أن يحدث معهم"، في إشارة إلى الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الصيني.
وعن مكاسب الولايات المتحدة من فرض الرسوم الجمركية الجديدة على الصين، قال إن البلاد ستجني مليارات الدولارات، إضافة إلى عودة الوظائف إليها، مشيراً إلى أن الرسوم ساهمت في إعادة ازدهار صناعة الصلب في الولايات المتحدة، بعد أن تم إغراق أسواقها بالصلب القادم من الصين ودول أخرى.
كما حث ترامب على تشجيع الصناعة داخل الولايات المتحدة، وقال إن "الصين تشتري أقل بكثير من الولايات المتحدة، مقارنة بما تقوم واشنطن بشرائه من بكين. اصنع منتجاتك في الداخل ولن تكون هناك أي رسوم".
وأضاف أنه يمكن للشركات الأميركية الاستيراد من دول أخرى لا تفرض الولايات المتحدة رسوماً على منتجاتها، عوضاً عن الاستيراد من الصين، متفاخرا بأن الاقتصاد الأميركي بات أكبر بكثير من العملاق الصيني.
ويقدّر حجم الاقتصاد الأميركي، أي إجمالي الناتج المحلي، بنحو 20 تريليون دولار تقريباً، مقارنة بالاقتصاد الصيني الذي يقدر حجمه بنحو 11.5 تريليون دولار. واعتبر الرئيس الأميركي أن الدول الأخرى طامعة في بلاده، وقال إن الولايات المتحدة مثل "الحصالة" التي يحاول الجميع سلبها والحصول على مزايا منها، لكنه أكد أن هذا لن يحدث بعد الآن.
وجاءت سلسلة التغريدات وسط قلق يجتاح الأسواق العالمية، ولا سيما الأميركية، في ظل تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن، إذ أعلنت الصين، الإثنين، عزمها على فرض رسوم جديدة على بضائع أميركية بقيمة 60 مليار دولار، رداً على زيادة إدارة ترامب الرسوم على منتجات صينية بقيمة 200 مليار دولار.
ويشكك اقتصاديون في الثقة المفرطة التي يتعامل بها ترامب مع الصين في قضايا النزاع التجاري، وكأنه بات متأكدا من الفوز بسبب تراجع الاقتصاد الصيني.
ووفقاً لحسابات الصندوق، فإن رفع الرسوم على إجمالي المستوردات الأميركية من الصين سيخفض النمو الاقتصادي الصيني بنسبة 0.55%، وهي نسبة ضئيلة. كما أن مثل هذا الإجراء سيجعل الشركات الصينية تدخل إلى السوق الأميركي من بوابات دول أخرى مثل إندونيسيا وفيتنام وكمبوديا وبنغلادش. وهي دول تقع تحت مظلة مشاريع "الحزام والطريق".
وعلى صعيد جلب وظائف جديدة لأميركا، سبق أن نصح ستيف جوبس، مؤسس شركة أبل، الرئيس باراك أوباما، بأن التشدد في النزاع التجاري مع الصين لن يخدم مسألة الوظائف في أميركا. ويرى اقتصاديون أن معدل البطالة في أميركا في أدنى مستوياته، وليس هدفاً اقتصادياً في الوقت الراهن.
وتمكن الاقتصاد الأميركي من النمو بمعدل فاق 3% خلال العام الماضي، من دون أن يعاني من أي تهديد تضخمي، كما شهدت أسواق المال الأميركية أكبر ارتفاع لها في التاريخ القريب، وحققت الشركات المالية الكبرى أرباحاً متميزة بسبب قانون الضرائب الذي أقره ترامب، وإلغاء قوانين دود فرانك التي أقرها الرئيس السابق باراك أوباما لتنظيم عمل البنوك وتقليل خسائر المستثمرين في أوقات الأزمات المالية.