في الطريق إلى قطر 2022

13 فبراير 2018
+ الخط -
مع اقتراب بطولة كأس العالم لكرة القدم، صيف العام الجاري في روسيا، وتشارك فيها أربعة منتخبات عربية (مصر، تونس، المغرب والسعودية)، بانتظار إقامة البطولة المقبلة في قطر، العام 2022، يمكن أن نتذكّر أبعاداً أخرى لكرة القدم، سوى المنافسة الرياضية والاعتزاز الوطني الذي يوفره التأهل للمونديال، وتنظيمه، والفوز بلقبه، منها أبعاد إنسانية الطابع، هي، في الحقيقة، المعنى النبيل للرياضة، والدافع الأولي لتأسيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على يد الفرنسي جول ريميه في العام 1904.
من ذلك أن الاتحاد الدولي لكرة القدم ظل يرفع شعار "قل لا للعنصرية"، فيما كانت الوقائع على مدار سنوات "كأس العالم" تعكس حالاً آخر، لا تتفق وذلك الشعار. فقد بدا غير مرةٍ أن بين الرياضيين والحكام والقائمين على الإعلام الرياضي من لا ينسجمون مع ذلك الشعار، ولا مع نُبل فكرة التنافس الرياضي؛ فظهرت العنصرية أحياناً من ثنايا أقوالهم وتصرفاتهم.
في مونديال إسبانيا 1982، ويومها لم تكن كرة أفريقيا السمراء قد حققت النجاح الذي نعرفه اليوم، طرد أحد الحكام لاعباً من منتخب الكاميرون بطريقةٍ بدت عنصرية؛ فقد رفع الحكم البطاقة الحمراء في وجه اللاعب بعصبية، وشيء من الاشمئزاز، وأشار بيده الأخرى إلى خارج الملعب صائحاً فيه "آوْت"، وكأن بشرة اللاعب السوداء تمنع عنه تلقي معاملةٍ لائقة مثل باقي اللاعبين في الملعب.
وخلال مونديال ألمانيا 2006، كتبت مجلة رياضية خليجية إن معلقاً ألمانياً اتّبع سياقاً ساخراً في تعليقه على مباراة الفريقين، السعودي والتونسي، في الدور الأول من البطولة؛ إذ قال إنها بمثابة مباراة من الدرجة الثالثة في الدوري الألماني. وعلق مستهزئاً على تسديدةٍ عالية لأحد اللاعبين السعوديين بقوله: إنها "أعلى تسديدة في المونديال". وذلك على الرغم من أن المباراة يومها شهدت حداً معقولاً من المنافسة، وسُجّلت فيها أربعة أهداف، وكانت أفضل من مباريات أخرى لفرق أوروبية لم يعلق أحد عليها بمثل تلك الطريقة الساخرة. لكن.. ما العمل إذا كان ثمة دافع عنصري وراء تلك التعليقات التي أخذت في حسبانها أكثر من أي شيء آخر، أن المتبارين عرب من العالم الثالث؟
تعرّض العرب والمسلمون من دون شك لتجليات العنصرية منذ أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، وباتوا أكثر تأثراً بها من كل الأجناس والأديان الأخرى. اليوم، ولأن المونديال يوفر فضاءً للاحتكاك بين الأعراق والأديان، يمكن أن يتعرّض فريقٌ ما، أو لاعبٌ ما، أو مدرّبٌ ما، لنقد عنصري في الملعب، أو عبر الإعلام الرياضي، أو حتى في شوارع المدينة التي تقام المباريات فيها، من جمهور خصومه. اكتسب الأفارقة خبرة في هذا المجال، وباتوا قادرين ليس فقط على مقاومتها، بل أيضاً على إثبات تهافتها ودونيتها، من خلال تحقيق نجاحاتٍ ونتائج كبرى في الملعب، ألجمت العنصرية والعنصريين. وليس ثمّة وسيلة لتعزيز صورة المنطقة الجغرافية التي جاء منها الفريق المشارك، خلال أيام المونديال، إلا بتحقيق النتائج الرياضية البارزة، ما يعني أن التأهل للمونديال لا بد أن ينطوي على رسالةٍ إنسانية، يتطلب إنجازها تحقيق نجاحاتٍ مضاعفة، فالمونديال حدثٌ رئيسٌ يجذب أنظار العالم، ولكل فيه مداخلاته.
هذا يعني أن الأمل بأن تحقق المنتخبات العربية المتأهلة إنجازات مهمة في البطولة المقبلة، ليس مسألة تتعلق بالاعتزاز الوطني والقومي وحسب، بل بالمكانة العالمية لشعوبها أيضاً. التأهل بحد ذاته ليس كافياً إلا بالمعنى الرياضي، أما بالمعنى الإنساني، فثمّة حاجة لتحقيق نتائج تدفع على التقدير والإعجاب، كما فعلت منتخبات أفريقيا السمراء خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، وذلك في طريقنا إلى الفرصة الذهبية التي سيتيحها مونديال قطر، لتقديم صورة حضارية عن العرب أمام العالم، يستمر تأثيرها على الضد من العنصرية والعنصريين سنوات طويلة تالية، باعتباره المرة الأولى التي تستضيف فيها دولة عربية هذا الحدث الرياضي الأبرز، في أكثر الألعاب الرياضية انتشاراً وشعبية في العالم، وأكثرها علاقة بالمال والسياسة والشهرة، منذ انطلاقته في 1930.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.