فلسطينيو لبنان والنأي بالنفس
لا يمكن لأحد أن يفصل المخيمات الفلسطينية في لبنان عن عمقها اللبناني، حتى كل القوانين العنصرية التي أقرتها الحكومات المتعاقبة لم تفلح في جعل المخيمات جزرا أمنية منعزلة. ولا حتى التحريض الإعلامي المستمر على اللاجئين.
وحدها الحرب الأهلية المنتظرة جعلت اللاجئ الفلسطيني في لبنان يعود ليشارك في صناعة المشهد من جديد، ربما لأن أحداً لا يستطيع أن ينسى دورهم في معارك سبعينيات القرن الماضي وما تلاها، وربما لأن أحداً لم يستطع، حتى اليوم، القضاء على البندقية الفلسطينية في لبنان. لكن، هل سيتذكر الفلسطيني أنه كان الخاسر الوحيد بعد انتهاء الحرب!
إذا دخلت النار داراً، فإنها لا تميز بين غرفة وأخرى، كذا هي حال لبنان، لا توجد منطقة فيه بعيدة عن الحرب الباردة بين طوائفه الأساسية، حتى المخيمات الفلسطينية نالت نصيبها من اللهب، على الرغم من أنها حاولت إغلاق الأبواب أمام هذه النار الباردة، لكن الريح العاصفة التي هبت من الجارة سورية، دفعت النيران إلى أن تتسلل بهدوء إلى أزقة المخيمات، وبات كل طرف لبناني يحاول اجتذاب اللاجئين إلى محوره، بكلام معسول ووعود ذهبية، اعتاد الفلسطينيون على سماعها في كل مرة، ولم يتحقق منها شيء حتى اليوم.
لكن، إن وقعت الحرب حقاً، إلى أي طرف ستنحاز البندقية الفلسطينية؟ قد يكون هذا سؤال قطبي النزاع في لبنان، السنة والشيعة. لكن، قبل أن يجيب الفلسطيني، عليه تذكر أمر ما. يروي ممثل فصيل فلسطيني أساسي في لبنان أن فصيله طالب، في زيارته فؤاد السنيورة رئيس الكتلة البرلمانية لتيار المستقبل، خلال توليه منصب رئاسة الوزراء، بإعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم، فأجاب السنيورة بكل بساطة "نحن كسنّة مع الفلسطينيين، لكن لا يمكن أن نتجاوز حليفنا المسيحي سمير جعجع"، طبعا هي الإجابة نفسها التي قالها رئيس المجلس السياسي لحزب الله، إبراهيم أمين السيد: "كمقاومة إسلامية، نحن مع فلسطين وأهلها، لكن لا يمكننا تجاوز التفاهمات مع حليفنا المسيحي ميشيل عون".
هؤلاء أنفسهم من يرفضون إعطاء الفلسطيني أبسط حقوقه يستغلون عدداً من أبناء المخيمات في معاركهم الداخلية، فلم يعد خافياً على أحد ما يقوم به حزب الله من تجنيد لشبان فلسطينيين ضمن "سرايا المقاومة"، بذريعة الاستعداد لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي، ويتقاضون لقاء ذلك مبلغ 500 دولار شهريا، عدا عن السلاح وامتيازات أمنية، لكن الهدف الأساس هو الزج بهم في معارك مع خصومه في لبنان، تماماً كما حصل في معركة عبرا بين الجيش اللبناني وجماعة الشيخ أحمد الأسير في يونيو/ حزيران العام الماضي، والتي شارك فيها الحزب والسرايا مستغلين عناصر فلسطينية.
أيضاً، ليس تيار المستقبل بريئا من التهمة، فالحاضنة الشعبية للمستقبل في بيروت، الطريق الجديدة، دافع عنها وحماها في أحداث 7 أيار 2008، شبان فلسطينيون يقيمون في الحي، أو قدموا من مخيم شاتيلا المجاور، وجميعهم من الطبقة الفقيرة، ولا يحظون بأي مساعدة من التيار الذي يستغل بنادقهم كل مرة!
حتى ذاك الفريق الفلسطيني الذي استطاع إطفاء نار الفتنة يوماً في صيدا، أي القوى الإسلامية في مخيم عين الحلوة، عندما توسطت في حل اعتصام الشيخ الأسير، واستطاعت تجنيب المدينة الفتنة قدر المستطاع، ثم تدخلت في تهدئة الأمور في مناطق لبنانية، ومنها طرابلس، وبتفويض وغطاء من وزير الداخلية حينها، مروان شربل، وتنسيق مع المدير العام للأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، لم تنل أي إنصاف، بل إن قيادات القوى الإسلامية وعناصرها لا يزالون مطلوبين للقضاء اللبناني، حين حولتهم أجهزة أمنية حينها "شماعة" لإنجازاتها الوهمية في مكافحة الإرهاب، لاسترضاء النظام السوري.
إلا أن شيئاً وحيداً قد يجعل الفلسطيني ينخرط في الأحداث، هو الشعور المشترك بالمظلومية، ولعله السبب نفسه الذي جعل أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية ينضمون إلى صفوف الثورة، بعدما شاهدوا ظلم النظام السوري وجرائمه، والتي لا تقل أبداً عما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، فلا يمكن لفلسطيني عرف معنى اللجوء والظلم والاضطهاد أن يقف يوماً إلى جانب ظالم، وإن فعل غير ذلك، ينسلخ عن شجرة الزيتون التي لا تنبت إلا أحراراً، وعن الكوفية التي لا يرتديها إلا الثوار.