الحصار لم ينته بعد..
الحصار مستمر، وإن اختفت فعاليات التضامن في الداخل الفلسطيني والشتات، وإن امتلأت جيوب تجار الحصار، فلم تمتلئ بطون أطفال مخيم اليرموك بعد، حتى نازحو المخيم لم يعودوا إليه، ولا يزالون نازحين من بلد هم أساساً لاجئون فيه.
حكاية المخيم أسهب كثيرون في روايتها، منهم من أصاب الحق، ومنهم من برر الحصار. لكنْ، قليلون يعيشونها لحظة بلحظة، هؤلاء أبطالها الحقيقيون، يصارعون الزمن بحثاً عن رغيف خبز منع عنهم، حتى بات ثمن الرغيف يساوي رصاصة، تماماً كما حصل يوماً في مخيم تل الزعتر عام 1976، حين حاصرته مليشيات اليمين المسيحي اللبناني، بتحالف مع من يحاصرهم اليوم، وقطعت عنه كل الطرق، إلا الذي يوصل إلى الجنة.
وإن كان اليرموك متن الحكاية، فإن فصولاً أخرى تكتب في مخيم خان الشيح، المجاور الذي تُزرع أرضه براميل متفجرة، تسقطها مروحيات سوداء من السماء، أما مخيم حندرات في حلب، فتارة هو بيد النظام وأخرى يستعيده الثوار، وبين هذه وتلك، أرواح تزهق، وبيوت تدمر، وبقايا من وطن محتل تتنقل مع أبنائه، حيث ينزحون.
انتهى العدوان الإسرائيلي على غزة، وبدلاً من أربعة مليارات دولار، المبلغ المقدر لإعمار القطاع، حصد مؤتمر المانحين في القاهرة خمسة مليارات ونصف مليار، أي أن مشكلة غزة قد تدخل مرحلة الحل. وبكلمة أخرى، جاء دور "اليرموك"، مبادرات التحييد التي فشلت كلها كانت بسبب ضعف الفصائل الفلسطينية، وتشرذم موقفها، وأحياناً لمشاركتها في الأحداث، فهل ستعطى الأولوية، اليوم، لليرموك، وأخواته من المخيمات الفلسطينية في سورية، لحقن دماء أبنائها.
لكن، حتى لا نلقي كل اللوم على الفصائل الفلسطينية، فأبناء هذه المخيمات يحملون الوزر أيضاً، لصمت فعاليات عن المطالبة بفك الحصار عنهم، وتوقفت قوافل إغاثتهم عن الوصول إليهم، أو لربما استبدلوها بقوارب الموت التي تنقلهم إلى أوروبا، حيث لا نظام شقيق يقتل، ولا أخ يحاصر، ولا حتى بلدان لجوء تتكلم العربية، أيلامون على هذا كله، ويحملون وزره؟!
وكأن الجميع تخلى عنك يا يرموك، طائعاً أو مرغماً.
هي دائرة متكاملة من الظلم والظلم المضاد، لا متسع فيها للكلام، فكلما مر يوم، اقتربت روح في اليرموك من لقاء ربها، ولينتقل معها كل مرة قليل ما تبقى فينا من كرامة، فإما أن ننتقل جميعاً، كفلسطينيين، إلى دائرة الحل، أو أن نرضى بأن نفنى بصمت، بعيداً عن الوطن.