فرنسا ظالمة أم مظلومة ؟!

28 يناير 2015
حذرت سماحة الإسلام من الفئات التي تنتفع بالدين(أ.ف.ب)
+ الخط -

تابعنا خلال الأيام الماضية ردود الفعل حول حادثة فرنسا، والتي يحاول الإعلام الغربي إلصاقها قسرا بالإسلام والمسلمين بأسلوب سينمائي رخيص ومستهلك جداً. يٌقال إن التاريخ مفتاح كُل لغز، والتاريخ الفرنسي دموي وحافل مع الإسلام والمسلمين وحتى غيرهم. ففرنسا كدولة استعمارية استحلت العديد من البلاد العربية في القرن الماضي تحت مسميات متعددة، كالاستعمار والانتداب والاحتلال وخلافه من مصطلحات سياسية كان الحل في نهاية معناها (الاستقلال).

فهي التي اجتاحت مصر في أوائل القرن التاسع عشر، وقتلت الآلاف من المصريين، وأحرقت قرى كاملة على ساكنيها، ودكت القاهرة بالمدافع!

ومن ينسى الجزائر، بلد المليون شهيد، وتونس الخضراء، والمغرب الكبير والشام بأقطابه، حيث عملت فرنسا على نهب خيرات تلك الدول، وحاولت ترهيباً تغيير اللغة والهوية فيها، ولكن الشعوب أذاقت فرنسا من مُرّ الكأس حتى خرجت وإن لم تتركهم بشكل كامل، فهي تعتبر نفسها وصية عليهم وتتدخل من خلال بعض أزلامها في الشؤون الداخلية لهم.

وفي العصر الحديث، كانت لفرنسا سطوة جديدة، فهي من دعمت وشاركت في المذابح الجماعية ضد المسلمين في أفريقيا الوسطى، وهي من قادت الحرب الدولية في مالي بحجة الإرهاب، وقصفت بالطائرات هذا الشعب، وأسقطت منه الآلاف ولم تفرق بين صغار أو كبار ونساء أو رجال!

وهي من تستنزف ثروات عدد من الدول الأفريقية تحت مسمى اتحادات وهمية، كاتحاد الدول الفرانكفونية وغيرها!

وهي التي تعد العدة للدخول إلى ليبيا بهذه الحجة أيضا، ولا تخفى على أحد العنصرية الرهيبة عند قطاع من الفرنسيين ضد العرب والمسلمين.

ما حدث في فرنسا يحدث يوميا في كثير من دول العالم، ومن مختلف الأديان، ولا يختص به دين، بل على العكس يعتبر الدين الإسلامي أحد أكثر الأديان تشددا في مسألة قتل النفس مهما كان دينها!

هذا ليس تبريراً بقدر ما هو توصيف لواقع في عالم يدعي المثالية ويصنع لها عالما خاصاً!

وما يدعو للسخرية أكثر تلك المسيرة المليونية التي تصدرها رئيس وزراء الكيان الصهيوني (نتنياهو). ولعل مربط الفرس في توقيت وتوصيف الحادثة، القرار الأخير للبرلمان الفرنسي بالاعتراف بفلسطين كدولة، وهو ما يمثل ضربة موجعة للكيان الصهيوني.

أورد أحد المغردين في التويتر مقطع فيديو لمجموعة من الإعلاميين الفرنسيين يتناقشون حول الأديان والحضارات، فيقول أحدهم ( لماذا الإسلام دائما محط اهتمام؟). فيجيب المفكر نفسه قائلاً: "الإسلام هو بمثابة المرآة، التي تكشف حقيقة الغرب الذي يعيش مرحلة التدمير الذاتي النهائية، فالخوف الذي يشعر به الغرب حيال مستقبل حضارتهم تحول إلى خوف من الإرهاب، فالغياب التام للدين لديهم وحتى الإيمان بالله الذي تم تشويه صورته بسبب الغلوّ الديني".

ويواصل قائلاً: "أنا أجد أن قضية (النقاب) مثلاً ذات دلالة على ما يحاول الغربيون إخفاءه ووضعه تحت القناع، ففي الحقيقة هم أيضا لهم أقنعة يختبئون وراءها كلهم، ويضعون (نقاباً) على عقولهم، وكأن الإسلام بالنسبة للإنسان الغربي صورة كاريكاتورية لكل الأضرار التي يعاني منها!".

مما لا شك فيه أن هناك تخوفاً أوروبياً من انتشار الإسلام، والمخيف بالنسبة لهم هو تحول العديد من أبناء شعوبهم للدين الإسلامي، بعد أن كانت كتلة المسلمين تتركز في المهاجرين الذين فتحت أوروبا لهم الأبواب، وكانت لهم الحظوة في تطوير بلدانهم.

وعندما نتكلم عن الإسلام في أوروبا، فنحن نتكلم عن أرقام تقارب، وفقًا لآخر إحصائية من عام 2010، حوالى 44 مليون نسمة، أي ما يُشكل حوالى 6% من إجمالي سكان أوروبا، وهذه الأرقام وفقا لإحصائية قام بها معهد بيو في كل أوروبا، وتستثني هذه الإحصائية تركيا، ويبلغ عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي حوالى 16 مليوناً، وهو ما يشكل نسبة تقدر بـ 3.2% من إجمالي عدد السكان.

وعلى الجانب الآخر، هناك من يسيء للإسلام بفهم خاطئ وتشدد لم يكن في منهج النبوة، وتصرفات من سفك للدماء باسم الإسلام، وأمثال هؤلاء يكونون سبباً أو عذراً لكي يُساء للإسلام بفعلهم، رغم أن سماحة الإسلام حذرت من هذه الفئات، التي تنتفع باسم الدين وتشوه صورته، فالإسلام انتشر بخلق حامليه.

ولعل من أهم الدروس والعبر التي نستخلصها من حادثة فرنسا أن أوروبا العنصرية ما زالت حاضرة، وأن التطور العلمي والحضاري فيها لم يمحُ ولن يمحو حساسيتهم وكرههم لكل نفس إسلامي.

هي مبادئ ثابتة لم توضع عبثاً، وهي أمور لا تحتمل التغاضي عنها، ولعل ما نراه من خنوع وتسليم تام من معظم الدول العربية والإسلامية لهم له تبعاته، التي تطفح على السطح حيناً فآخر.

هي ليست دعوة للعداء، أو لعدم الاستفادة من تطورهم، أو عدم إيجاد أرضية للتعاون المشترك، بل هي تنبيه لأمر حتمي، لا بد من إدراكه بأنهم في نهاية المطاف كما تم ذكرهم في دستور رب العالمين.

يقول الفاروق عمر، رضي الله عنه (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله). ديننا الإسلامي وضع لنا منهج حياة ورسم لنا طريق النجاح، ولكننا نحيد عنه دوماً، فمتى ما سِرْنا عليه سيرجع الإسلام عزيزا كما كان وما زال!


*البحرين