عاد الأردنيون إلى الشارع من جديد، بعد نصف عام من الإطاحة بحكومة هاني الملقي، وبعد أن وجدوا أنّ حكومة عمر الرزاز لم تختلف كثيراً عن سابقتها، في ظلّ بروز مشاريع قوانين وقرارات حكومية متشابهة، وحتى أشدّ قسوة، خصوصاً بعدما جرى تجميل قانون الضريبة فقط، فيما لم يتغيّر الكثير في جوهره، علماً أنه كان أحد الأسباب الرئيسية التي فجّرت الاحتجاجات السابقة التي اندلعت في شهر يونيو/حزيران الماضي. ويبدو أن الحكومة بدأت تستشعر خطر الاحتجاجات المستجدة، فكانت أولى استجاباتها، أمس الأحد، مع إعلانها أنها ستسحب مشروع القانون المعدّل لقانون الجرائم الإلكترونية الذي أحالته الحكومة السابقة إلى مجلس النواب، وذلك بناء على طلب من رئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة. وطالب الطراونة، الحكومة، في تصريح صحافي، أمس، بضرورة إعادة النظر في موقفها من مشروع هذا القانون، خصوصاً في ظلّ الانتقادات الشعبية له، قائلاً إنّ "الحكومة مطالَبة اليوم بسحب القانون، وإعادة الحوار حول مضامينه، ومدى تعارضه مع مبدأ الحريات العامة المصانة دستورياً". وشدّد على "أهمية فتح حوار قانوني اجتماعي تربوي للوصول إلى تشريعات وطنية إصلاحية"، مؤكداً أنّه "لا يمكن، بحال من الأحوال، تجاهل حالة الرفض الشعبي للقانون".
ومع قدوم الرزاز، استبشر الأردنيون خيراً به، رغم أنه جاء وفق النهج ذاته للإدارة السياسية للدولة وليس بخيار الشعب، فيما بقيت وعوده إلى اليوم مجرّد تعهّدات بلا تنفيذ، لدرجة اعتبار البعض تصريحات الرجل وتغريداته مجرّد "خداع وكلام للاستهلاك"، بحسب ما يقولون. وتتلخّص مطالب المحتجين اليوم، في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، وحلّ مجلس النواب، وإلغاء مجلس الأعيان، وهي مطالب تتواءم مع مطالب "المبادرة الوطنية"، ولكن تحملها اليوم أيضاً صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي كـ"أحرار الأردن"، و"اللجنة الوطنية الشعبية". وقد أضيف إلى مطالب "المبادرة"، الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم الناشط السياسي المعارض، سعد العلاوين، الذي اعتقلته السلطات في أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي.
وحاولت الحكومة الأردنية برئاسة الرزاز سحب البساط من تحت أقدام المحتجين، بخفض أسعار المشتقات النفطية، خصوصاً البنزين بنسبة 9 في المائة، والإفراج عن ثلاثة معتقلين سياسيين هم: كميل الزعبي وخالد فاخوري وصبري المشاعلة.
بدورها، تبرأت العديد من الجهات، ومنها "مجلس النقابات المهنية"، من هذه الاحتجاجات، وأعلن رئيس مجلس النقباء نقيب أطباء الأسنان، الدكتور إبراهيم الطراونة، عدم المشاركة في الاعتصامات، وهو الموقف ذاته الذي أعلن عنه النائب قيس زيادين، الذي أكّد أن حزب "التحالف المدني" (تحت التأسيس) والذي يعدّ زيادين أبرز شخصياته، لم يتخذ قراراً بالمشاركة في "اعتصام الرابع" (نسبة إلى الدوار الرابع بعمان حيث تجري الاحتجاجات). ويتطابق ذلك أيضاً مع موقف رئيس "الاتحاد العام لنقابات العمال"، مازن المعايطة، الذي قال إنّ الاتحاد والنقابات العمالية المنضوية تحت مظلته، لن تشارك في اعتصام الدوار الرابع، في وقت اتخذت الأحزاب الوسطية موقفاً مناهضاً لهذه الاحتجاجات أيضاً.
من جهتها، أكّدت الحكومة، في بيان لها، يوم الجمعة الماضي، أنّها تحترم حرية التعبير عن الرأي والاحتجاج السلمي على السياسات الحكومية، وتعتبره حقاً دستورياً للمواطنين، مشدّدةً على التزامها بحماية هذا الحق وحماية المحتجين. لكنّها أضافت أنّ "الحقّ في الاحتجاج لا يعني مخالفة القانون والاعتداء على حرية الآخرين وتعطيل مصالحهم من خلال إغلاق الطريق العام أو إيقاع الضرر بالمنشآت العامة".
وتبع هذا الإعلان الحكومي، شكوى من إدارة مستشفى الأردن، السبت الماضي، من إعاقة المعتصمين لحركة سيارات الإسعاف أثناء دخولها إلى أقسام الطوارئ في المستشفى. كما قالت إنّ الاعتصامات "تشكّل إقلاقاً لراحة المرضى وتعيق وصول الأطباء والكوادر التمريضية والفنية إلى عملها ووفق دوامها".
وكانت الاحتجاجات الماضية ساهمت في تحصيل دعم مالي للأردن، خصوصاً عبر القمة التي عقدت في مكة بالسعودية في يونيو الماضي، حيث حصلت عمان على حزمة مساعدات، من السعودية والإمارات والكويت، بقيمة 2.5 مليار دولار، فيما أثيرت الكثير من الأسئلة وقتها عن الهدف الحقيقي الذي تبتغيه الرياض أو المقابل الذي تريده لهذا الدعم الذي أتى بعد اشتعال الاحتجاجات الشعبية ضدّ الحكومة. أمّا اليوم، فلا يتوقّع أن تساهم الاحتجاجات المتجددة في حصول الأردن على أي مساعدات دولية، بل يوماً بعد يوم تزداد الضغوط عليه، خصوصاً من أجل إنفاذ "صفقة القرن".
وتهدد أي احتجاجات كبيرة وواسعة، استقرار النظام السياسي في الأردن، في وقت ترتبط طموحات أغلبية المحتجين بتغيير النهج، خصوصاً في ما يتعلّق بتداول المناصب السياسية والوصول إلى حكومات منتخبة. فالمحتجون يقولون إنّ الحلول لمواجهة المصاعب الاقتصادية تبقى قاصرة بدون وجود إصلاح سياسي حقيقي.
وفي السياق، قال نائب الأمين العام لحزب "الشراكة والإنقاذ الأردني"، الشيخ سالم الفلاحات، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "سقف مطالب اعتصام الرابع الحالي هو الإصلاح السياسي العام، وهو أساس جميع الإصلاحات بكاملها، ولا سيما تلبية المطالب الشعبية اليومية الملحّة، ومنها محاسبة الفاسدين، واسترجاع الأموال المنهوبة، ورفض قانون الضريبة، ورفض مشروع قانون الجرائم الإلكترونية".
وأوضح الفلاحات أنه "بالرغم من الجهود الشعبية السابقة، والتي توّجتها الاعتصامات برحيل حكومة الملقي وطاقمها، إلا أنّ الحكومة الحالية جاءت بنصف طاقم حكومة الملقي السابقة، ولم تفِ بالتزاماتها، ولم تتقدّم أي خطوة إلى الأمام". وأكّد أنّ "الإصلاح السياسي مرتبط بالوصول إلى حكومة منتخبة، وهذا يتطلّب قانون أحزاب عصريا وقانون انتخاب ديمقراطيا حقيقيا، كما لا بد من معالجة مشكلة البطالة المتفشية بشكل كبير بين الشباب".
وحول سلمية التظاهرات وعدم تسجيل أي صدامات بين الأمن والمتظاهرين، قال الفلاحات إنّ "الأهم من العلاقات الاجتماعية بين الأمن والمتظاهرين، هو إنقاذ الوطن من المديونية والبطالة وتفشّي الفساد"، موضحاً أنّ المشاركين في الاعتصامات الحالية "يمثّلون الشعب الأردني بجميع فئاته، وهم من مختلف المحافظات، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، يتّحدون معاً، ولا يمكن نسب المشاركين لجهة محددة"، لافتاً إلى تأييد حزبه ومشاركته في الاعتصامات الحالية.
وتابع الفلاحات "أشاهد ما يحدث حالياً في فرنسا من قبل أصحاب السترات الصفراء، ضد رفع سعر المحروقات، واستجابة الحكومة لمطالبهم، وأقول هكذا هي الشعوب، ويجب على الحكومات الاستجابة للشعوب، من دون اتهامات بالعمالة والمؤامرة وإلقاء التهم على جهات خارجية، فالشعوب تدافع عن حقوقها".
من جهته، قال المحامي تيسير المحاسنة العبادي، وهو من الناشطين الذين شاركوا في الاعتصامات ضد حكومة الملقي ويشارك اليوم في الاحتجاجات على سياسة حكومة الرزاز، إنّ "إحساس المواطنين بفقدان الأفق السياسي والاقتصادي غرس حالة من الإحباط في نفوسهم، مما دفعهم إلى النزول مجدداً إلى الشارع". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المطالب تتركّز على إيجاد حلّ جذري لتغيير النهج العام في التعاطي مع القضايا الوطنية، وعدم استمرار واستنساخ التجارب الفاشلة، لغايات كسب الوقت، فالمطالب في مجملها انعكاس لاحتقان الشارع، بعد أن تمت محاصرته بقوانين وقرارات طاولت قوت يومه وكرامته".
وتابع العبادي بالقول "إن غياب مؤسسات التمثيل الشعبي كالبرلمان، وعدم القيام بدورها الأساسي، تسبب في فقدان الثقة فيها أيضاً، وهو ما زاد من دافع المواطنين للتحرّك والمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها، بدون انتظار أي جهة للعب دور الوسيط"، موضحاً أنّ هذا الحراك "يقوم به أفراد المجتمع بفئاته المختلفة، من جهات شبابية وناشطين غير مؤدلجين أو مؤطرين بأحزاب ومرجعيات نقابية، وهو ينطلق من رحم واقع مشبع باليأس والإحباط التراكمي نتيجة عدم تلقيه أي إجراء رسمي من الحكومة أو المرجعيات القيادية تلبي طموحه". وأشار العبادي إلى أنّ "أسباب الخروج إلى الشارع متعددة، فهناك فئات لديها مطالب خدمية متعددة كالعفو العام، أو معالجة موضوع البطالة، فيما فئات أخرى لديها سقوف سياسية وإصلاحية".
وأضاف الناشط أنّ "حكومة عمر الرزاز استنسخت حلول حكومة الملقي والحكومات السابقة، ولم تقدّم جديدا، في ظلّ ارتهان البلد، في قرارته السياسية والاقتصاديةأ إلى مرجعيات خارجية، منها صندوق النقد والبنك الدولي، والحصار الاقتصادي الإقليمي، والابتزاز السياسي الدولي المرتبط بصفقة القرن، وهي بالأساس قرار دولي لتصفية القضية الفلسطينية على حساب التراب الوطني الأردني". وأكّد أنّ "هذه الحكومة لم تقنع الشارع بأي جديد تقدمه، ولم تحقّق الحد الأدنى من طموح المواطنين، ولم تعالج القضايا التي يواجهها المواطن بشكل مباشر، كالفقر والبطالة والنمو الاقتصادي".
بدوره، حذّر الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي"، مراد العضايلة، في تصريح له أخيراً، من أنّ "استمرار سياسة الحكومة في تجاهل مطالب القوى السياسية والشعبية المتعلقة بتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي، والمحاربة الفاعلة والجادة للفساد، ووقف التعدي على جيب المواطن وحرياته التي كفلها له الدستور، ستزيد من حالة الاحتقان الشعبي والتأزّم الداخلي الذي يعيشه الوطن في مختلف المجالات، رغم ما تتطلبه المرحلة الحالية من تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات".