18 أكتوبر 2024
عن الحملة على اللاجئين في لبنان
تعالت أخيرا في لبنان أصوات تطالب بترحيل اللاجئين السوريين، وحتى إيجاد حلّ "لوجود اللاجئين الفلسطينيين"، وحمّلتهم أزمات لبنان الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الأمنية، في حملة تبدو مبرمجة، وفي تصرّف ينمّ عن عنصرية دفينة، تحت عنوان أنّ لبنان لم يعد يحتمل وجود اللاجئين على أراضيه. وقد بدأها "التيار الوطني الحر"، عندما راح يحمّل اللاجئين معظم أزمات لبنان، وراح يحرّض عليهم إعلامياً، ويحاصرهم بقوانين وإجراءات اتخذت على مستوى الدولة، وكان له شركاء في اتخاذها. وقد دفع اللاجئون ثمن هذه الإجراءات والحملات، فتمّ طرد بعضهم من بلدات لبنانية كثيرة لإشكالات بسيطة. وتمّ التضييق عليهم بدعوى منافسة اللبناني في أعمال وأشغال كثيرة. وتمّت شيطنتهم من خلال التوقيفات التي تحصل بحقهم لأبسط المخالفات، فيتم سجنهم بتهم الإرهاب، وتتم مصادرة أموالهم وممتلكاتهم المتواضعة، أو تتلف عمدا بحجة عدم قانونيتها. وتمّ أيضاً استغلالهم، أحيانا كثيرة، من دون دفع أجور ومستحقات لهم على أعمال يقومون بها. وفضلاً عن ذلك كله، فُرضت عليهم ضرائب لا يحتملها حتى اللبناني. وقد جرى ذلك كله ويجري تحت عنوان أن اللاجئين السوريين في لبنان تسبّبوا بأزمات كبيرة، يعاني منها اللبناني. وقد تعرّض اللاجئون الفلسطينون سابقاً إلى الحملة نفسها، والإجراءات نفسها، ويعانون اليوم من ظلم اجتماعي كبير، إذ لا يتمتّع اللاجئ الفلسطيني في لبنان بحقوق الإنسان العادية، لا سيما حق تملك مسكن أو فرصة عمل لائقة ومحترمة.
بلغت الحملة على اللاجئين أن استدعى رئيس الجمهورية سفراء الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وطلب منهم العمل مع دولهم لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. كما حمل بطريرك الموارنة في لبنان مسألة اللجوء في معظم رحلاته وسفراته الخارجية، محمّلاً اللاجئين أزمات البلد. والحقيقة أن المسبب الرئيسي لأزمة اللاجئين، وأزمة لبنان من اللجوء (كما يظنّ بعضهم) هو من دفع السوريين إلى ترك بيوتهم ومدنهم قسراً بفعل المدفع والقتل والاعتقال
والتصفية والاعتداء على الأعراض. فكيف يُطلب من هؤلاء الذين فرّوا بأنفسهم من الموت والاعتقال العودة إلى المكان الذي لا يأمنون فيه على أرواحهم وأطفالهم وأعراضهم، وقد سمع العالم كله تهديد الضابط الذي توعدهم بالذبح حال عودتهم؟ وهل من الحكمة والضمير إعادة هؤلاء إلى المسالخ البشرية؟ والسؤال الأبرز أساساً: من قال إن هؤلاء مسؤولون عن كل أزمات اللبنانيين؟
هل يعلم الذين يطالبون بترحيل اللاجئين أن جزءاً كبيراً من الدورة الاقتصادية اللبنانية يعتمد اليوم على الأموال التي تدخل إليها باسم اللاجئين من الأمم المتحدة في غياب العون الخليجي الذي كان يسهم برفد تلك الدورة بشيء من المال، بعد تعثّر القطاع السياحي في البلد؟ هل يعلم هؤلاء أن جزءاً كبيراً من عمل المستشفيات والمدارس والسوق الغذائية يتحرّك بفضل الأموال التي تصرف فيه باسم اللاجئين؟ أم يريد هؤلاء أن نذكّرهم بالفضيحة التي كشفها وزير التربية والتعليم، مروان حمادة، عن سرقة جزء من أموال اللاجئين المخصصة للمدارس في القطاع الرسمي، ثمّ تبخّرت، ولا يدري أحد أين صارت وصُرفت؟ وربما يكون الأمر نفسه حاصلا في القطاع الصحي وسواه؟ وهل يعلم هؤلاء حجم الأموال التي ترسل إلى اللاجئين عن طريق الجمعيات غير الحكومية، والتي تنفق كلها في السوق اللبنانية؟ هل يعمل هؤلاء أن ذوي اللاجئين الفلسطينيين في الخارج يرفدون الدورة الاقتصادية المحلية سنوياً بملياري دولار ترسل إلى أهلهم في مخيمات لبنان؟ أسئلة كثيرة توجّه إلى الذين ضاقوا ذرعاً باللاجئين، وراحوا يحرّضون عليهم ويحملونهم مسؤولية أزمات البلد.
أزمات البلد الحقيقية، أيها السادة، هي في حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وإداراتها، والمحمي من القوى الممسكة بتلابيب القرار اللبناني. سبب الأزمات منطق المحاصصة والهدر والمحسوبية، وكأن البلد شركة كل شريك يريد أن يربح منها ما يستطيع قبل إعلان إفلاسها! سبب الأزمات الروح العنصرية الطائفية البغيضة التي تميّز بين لاجئ ولاجئ، وبين حق وحق، وحتى بين مواطن ومواطن. وهذا ليس مجرد اتهام، بل ما راقبه وتابعه الرأي العام اللبناني في جلسة مجلس النواب قبل أيام، عندما تبادل المسؤولون وممثلوهم الاتهامات بالهدر والفساد وغيرهما، فكفى عنصريةً، وقليلاً من المسؤولية التي تعالج الأزمات بروح الجدّية، بعيداً عن منطق الكيدية التاريخية المشبعة بالكراهية والبغض.
بلغت الحملة على اللاجئين أن استدعى رئيس الجمهورية سفراء الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وطلب منهم العمل مع دولهم لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. كما حمل بطريرك الموارنة في لبنان مسألة اللجوء في معظم رحلاته وسفراته الخارجية، محمّلاً اللاجئين أزمات البلد. والحقيقة أن المسبب الرئيسي لأزمة اللاجئين، وأزمة لبنان من اللجوء (كما يظنّ بعضهم) هو من دفع السوريين إلى ترك بيوتهم ومدنهم قسراً بفعل المدفع والقتل والاعتقال
هل يعلم الذين يطالبون بترحيل اللاجئين أن جزءاً كبيراً من الدورة الاقتصادية اللبنانية يعتمد اليوم على الأموال التي تدخل إليها باسم اللاجئين من الأمم المتحدة في غياب العون الخليجي الذي كان يسهم برفد تلك الدورة بشيء من المال، بعد تعثّر القطاع السياحي في البلد؟ هل يعلم هؤلاء أن جزءاً كبيراً من عمل المستشفيات والمدارس والسوق الغذائية يتحرّك بفضل الأموال التي تصرف فيه باسم اللاجئين؟ أم يريد هؤلاء أن نذكّرهم بالفضيحة التي كشفها وزير التربية والتعليم، مروان حمادة، عن سرقة جزء من أموال اللاجئين المخصصة للمدارس في القطاع الرسمي، ثمّ تبخّرت، ولا يدري أحد أين صارت وصُرفت؟ وربما يكون الأمر نفسه حاصلا في القطاع الصحي وسواه؟ وهل يعلم هؤلاء حجم الأموال التي ترسل إلى اللاجئين عن طريق الجمعيات غير الحكومية، والتي تنفق كلها في السوق اللبنانية؟ هل يعمل هؤلاء أن ذوي اللاجئين الفلسطينيين في الخارج يرفدون الدورة الاقتصادية المحلية سنوياً بملياري دولار ترسل إلى أهلهم في مخيمات لبنان؟ أسئلة كثيرة توجّه إلى الذين ضاقوا ذرعاً باللاجئين، وراحوا يحرّضون عليهم ويحملونهم مسؤولية أزمات البلد.
أزمات البلد الحقيقية، أيها السادة، هي في حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وإداراتها، والمحمي من القوى الممسكة بتلابيب القرار اللبناني. سبب الأزمات منطق المحاصصة والهدر والمحسوبية، وكأن البلد شركة كل شريك يريد أن يربح منها ما يستطيع قبل إعلان إفلاسها! سبب الأزمات الروح العنصرية الطائفية البغيضة التي تميّز بين لاجئ ولاجئ، وبين حق وحق، وحتى بين مواطن ومواطن. وهذا ليس مجرد اتهام، بل ما راقبه وتابعه الرأي العام اللبناني في جلسة مجلس النواب قبل أيام، عندما تبادل المسؤولون وممثلوهم الاتهامات بالهدر والفساد وغيرهما، فكفى عنصريةً، وقليلاً من المسؤولية التي تعالج الأزمات بروح الجدّية، بعيداً عن منطق الكيدية التاريخية المشبعة بالكراهية والبغض.