.. عن استهداف عمرو حمزاوي

10 مايو 2014

عمرو حمزاوي في مؤتمر صحافي بالقاهرة (ديسمبر 2012 أ.ف.ب)

+ الخط -
ضقت ذرعاً بالاستيقاظ منهكاً، بمشاهد اللامعقول، تطاردني عبر الوسائط الإعلامية، باستمرار التخوين والتشويه، لإصراري على الدفاع عن قناعاتي، ومن ثم التغريد خارج السرب... هذه الكلمات المقتضبة، للكاتب والمثقف المصري، الدكتور عمرو حمزاوي، ربما كانت أقرب وأصدق دلالة على أوضاع الإعلام المصري، وما وصل إليه من درك سحيق في التضييق على أصحاب الأقلام الحرة.
فحمزاوي، اليوم، أحد أهم الغائبين عن الفضائيات المصرية (وآخرين)، وكان باستمرار معلقاً سياسياً، ذو أسلوب عميق في توصيف الأوضاع السياسية والثورية في مصر، بمنهجية نقدية متماسكة، ورؤية دقيقة للواقع المصري، بعيداً عن التوصيفات الشعبوية لما يطلبه المذيعون، وينجذب إليه المشاهدون في هذه الأيام.
يكشف غياب حمزاوي عن مأزق حقيقي للإعلام المذكور، ويضعنا أمام خطورة موجة الردح الراهنة في هذا الإعلام، حيال خصوم السلطة المصرية اليوم (الإخوان المسلمون مثلاً). وليس هذا فحسب، بل يؤشر، أيضاً، إلى نوايا واضحة لتغييب الأصوات الحرة وذات المصداقية. ومع اتهامات وأكاذيب وأخبار ملفقة طالت الكاتب المعروف، في فبركات صحافية لتشويه حياته الخاصة، سيبدو الأمر أكثر وضوحاً من مجرد نوايا، ليصل إلى استهداف واضح لذوي الأقلام الحرة والناقدة لتغوّل السلطة المصرية على الحريات.
لن يصمت حمزاوي وزملاؤه حيال واجب دفع ثمن استقلال الموقف وأمانة الكلمة والقيام بالمسؤولية الأخلاقية ضد التزييف الذي يحدث في مصر اليوم.
ولو سألنا مثلاً: لماذا يجري ذلك التعتيم والتشويه ضد عمرو حمزاوي وأمثاله، ربما كانت الإجابة أن من الأسباب قدرة الرجل على فضح تناقضات نظام عبد الفتاح السيسي في قضايا تشغل المصريين، من موقع الحرية والمعرفة، وهو موقف سيكشف تناقضات السلطة في ادعائها حماية الفكر والحرية، ضمن استراتيجيتها التي تروّج تناقضاً بينها كسلطة "مستنيرة" وبين "ظلامية " خصومها.
ظهور أمثال حمزاوي في المجال العام عبر القنوات والفضائيات، سيفضح هذه المعادلة ويكشف عن الحقيقة التي يحاول النظام المصري تمريرها. وهو نظام يدرك قواعد اللعبة الإعلامية، ويعيد توظيف أدوات قمعٍ ناعمة، بالأبواق الشعبوية لمذيعي الفضائيات، من أمثال لميس الحديدي وإبراهيم عيسى، ما بدا واضحاً في اللقاء التلفزيوني للسيسي، وقد اختار الأخير له لميس الحديدي وإبراهيم عيسى. وهو باختياره وتحديده أمثال هؤلاء المذيعين، للإطلالة على الشعب المصري، يضمر انحيازاً واضحاً إلى جانب تلك المكارثية الإعلامية، وبالتالي، يفصح بهذا الخيار عن كثير ممّا هو بين السطور في خطابه السياسي وسياساته المقبلة.
تزامن ذلك مع التوقيف "الناعم"، أيضاً، لـ"البرنامج" الذي يقدمه باسم يوسف، بعدما تحوّل صاحب البرنامج إلى شخصية مؤثرة في الشارع المصري. وكذلك مع حظر ومصادرة ممتلكات حركة 6 أبريل، بتهم تذكّر بأيام نظام حسني مبارك.
تؤشر الساحة الإعلامية المصرية، اليوم، إلى سقوطٍ مشين، واصطفافٍ بائس لنخبة إعلامية وثقافية فقدت اتّساقها الأخلاقي، ليس فقط بانحيازها إلى جانب السلطة، وإنما، أيضاً، لوعيها المسطح بالتحولات الكبيرة لثورة 25 يناير، والصيرورات التي ستحكم منطقها في المستقبل.
وقناعتنا أن الرهان الأكبر للتحولات الثورية في مصر سيتكشف عن مفاعيل واستحقاقات مستقبلية لصالحها لا محالة. لأن بنية المسار الثوري ستتجلى في محطات ومطبات سياسية، لا بد أن تجد لها استجابة وشروطاً تعيد إنتاج الحالة الثورية بالضرورة.
فأمام مجموعة استحقاقات مؤجلة وملحّة، سيتحدد هامش المناورة للسيسي، بعد فوزه في انتخابات الرئاسة، وستنفجر التناقضات نتيجة عودة ملامح نظام مبارك على رافعة إقليمية، خارجياً، ومنظومة كتلة تحالف الفساد المتحكّمة في الاقتصاد، داخلياً.
لا يتصل القمع الإعلامي، إذن، بخصوم السلطة المصرية فحسب، بل هو قمع يطال أصحاب الأقلام الحرة والمواقف الأخلاقية، عمرو حمزاوي وآخرين، لاشتغالهم على تشريح وفضح تناقضات واقع السلطة المصرية في التضييق على أي "هامش للديموقراطية" في مصر، بحسب عنوان كتاب لعمرو حمزاوي، يصدر قريباً.