04 مايو 2017
سلطة الإرهاب.. زمن دائري للعنف
الجرائم الإرهابية التي ضربت، ولا تزال، أوروبا وأميركا والشرق الأوسط؛ إذ تبدو نشاطاً عابراً لتنظيم داعش والذئاب المنفردة، هي، في دلالةٍ أخرى، تعبير عن مأزقٍ كبير لعالمٍ لم يعد كما كان، منذ انفجار ثورة المعلوماتية والاتصال نهاية القرن الماضي، فالمأزق، في دلالته المتصلة بالظاهرة الإرهابية، جزء من تصميم العنف المرتدّ على سياسات منطق القوة في المصالح الغربية، من ناحية، ومواضعات القانون الدولي الذي هو أكثر القوانين هشاشةً وانتهاكاً من ناحيةٍ أخرى. فالإرهاب الذي بدا واضحاً، اليوم، في قدرته اللامتناهية على الاستمرار في ضرب مدن الغرب المفتوحة، مستثمراً سهولة الحياة في العالم الصناعي، ومستنداً إلى شبكةٍ من ردود فعلٍ تداخلت فيها جملة من الأسباب والأحداث؛ سيظل أشبه بسلطةٍ ميكانيكيةٍ متلازمةٍ مع قوانين العنف والعنف المضاد، تضع العالم كله أمام ظاهرةٍ تكاد تكون إحدى الحتميات المصاحبة لثورة المعلوماتية والاتصال.
من جهة ثانية، تضخ خطابات التسييس الديني والأدلجة السياسوية (وهي خطابات متعدّدة الوجهة والمكان، وليست مخصوصةً بطرف واحد من أطراف العالم، كما يتوهم بعضهم) تسعيراً متجدداً للظاهرة الإرهابية، سواء لجهة الخطاب الإرهابي ذي النزعة الإسلاموية، أو لجهة الخطاب الذي تكرّسه قوانين العنف الحديث المضمرة في سياسات القوى الغربية الكبرى ومصالحها، والمولدة ردود فعل إرهابية من "داعش" و"القاعدة" عبر تلك الجرائم العنيفة والعمياء في وجه ناموس القوة والنفوذ في السياسات الخارجية للقوى الكبرى.
هكذا، حيال استعصاء وعيٍ تبسيطيٍّ ومفككٍّ لداعش والقاعدة، وعاجزٍ، في الوقت نفسه، عن تفسير (لا تبرير) ناموس القوة الذي كرّسته سلطة الوعي المادي للعالم الحديث؛ تغيب قوانين العقل، فتصبح تلك الحوادث الإرهابية المتجدّدة نتيجة حصرية لسببين أساسيين؛ الأيدولوجيا الإرهابية العمياء لخطاب حركاتٍ، مثل "داعش" و"القاعدة"، أو الجنون (كما بدا الأمر في حال مرتكب مجزرة ميونخ). أصبح العالم، وفق هذين الحدين القائمين على خطابي القوة والجنون، رهينة مفاعيل الإرهاب المتجدّدة، فيما أصبح الأبرياء ضحايا عالمٍ لا يعدهم إلا بالمزيد. استحالة زوال الإرهاب عن العالم، وفق ذلك التصميم الأعمى للقوة والجنون، هي ما تجعل من الإرهاب سلطةً مطلقةً محايثة للقوانين والقواعد التي يتمثلها منطق القوة في سياسات العالم.
لذا لم يكن من المصادفة أن تمتنع الحلول العقلانية امتناعاً، فيما يظلّ منطق القوة في العالم، ذلك المستند إلى الداروينية السياسية، الناموس الذي يعجز العقل المادي الحديث عن تجاوزه حيال مسألة تدبير العنف، فيما يستغلّ الإرهاب الداعشي مفاعيل منطق القوة هذا في تبرير جرائمه الإرهابية، ليس ضد غير المسلمين فحسب، وإنما ضد المسلمين كذلك، على النحو الذي يؤكّد ذلك الوعي المفكّك للدواعش، والمنجذب إلى العنف، بسينيكيةٍ تتولد باستمرار، كلما ازدادت قوة العنف الموجهة ضدها!
وإذا ما بدا التعاطف الإنساني من العالم مع ضحايا الإرهاب، في الغرب أكثر منه حساسيةً
واكتراثاً، مع ضحايا الإرهاب في العالم الإسلامي، فإن ما يغيِّب ذلك الشعور بسويّةٍ مماثلةٍ حيال ضحايا الإرهاب نفسه في العالم الإسلامي (وهم الأكثر عدداً) هو تشويش دالة الانتماء الواحد (للضحية والجلاد) من ناحية، وبفعل أجنداتٍ إعلاميةٍ عالميةٍ، يبدو معها ذلك الانتماء الواحد بين الجلاد والضحية، كما لو أنه بذاته كافٍ لاستثناء ضحايا الإرهاب المسلمين من تعاطف العالم.
لن ينتهي الإرهاب في العالم، لأنه أصبح تصميماً معولماً للعنف، وسيستمر مديداً في ظل خطابي منطق القوة المادية والجنون الداعشي، فيما سيدفع الضحايا الأبرياء، والمدنيون من مسلمين وغير مسلمين، ثمناً باهظاً من الأرواح والدماء.
ثمّة إمكاناتٌ أوليةٌ للنظر في استراتيجياتٍ معرفيةٍ، يمكن أن تساهم في تسكين العنف الإرهابي ومواجهته؛ لكنها ستظل بلا طائلٍ، طالما ظلّ ذلك الناموس الأعمى لمنطق القوة محرّكاً أساسياً لمصالح الغرب في رؤيته المادية للعالم. وطالما ظلّ الوعي المفكك للإرهابيين، من الدواعش وغيرهم، هو ردّ الفعل العشوائي بالحماس الديني على ذلك الناموس.
لهذا، يمكن القول: المأزق العالمي للإرهاب، والذي سرّعت من مفاعيله ثورة المعلوماتية والاتصال، ربما كان حافزاً لنظر كثيرين من عقلاء العالم، للوصول إلى قناعةٍ جادةٍ بنهاية دورة النظام العالمي لمبدأ القوة المادية الذي ظلت تنتهجه القوى الكبرى معياراً للمصلحة والصراع. ذلك أن أقل ما تؤشر عليه ديناميات العنف الإرهابي، كسلطةٍ مجنونةٍ ومحايثةٍ لمبدأ القوة المطلق في الصراع الدولي، هو تجدّد زمن دائري مديد للعنف؛ زمن لا يملك أحدٌ القدرة على إنهائه؛ لأن ذلك الوعي المفكّك لإرهابيين لديهم استعداد مقدّس على قتل أنفسهم، في كل مكان وزمان، أعقد بكثير من كل الأسباب العقلانية التي أنهت الحرب العالمية الثانية.
من جهة ثانية، تضخ خطابات التسييس الديني والأدلجة السياسوية (وهي خطابات متعدّدة الوجهة والمكان، وليست مخصوصةً بطرف واحد من أطراف العالم، كما يتوهم بعضهم) تسعيراً متجدداً للظاهرة الإرهابية، سواء لجهة الخطاب الإرهابي ذي النزعة الإسلاموية، أو لجهة الخطاب الذي تكرّسه قوانين العنف الحديث المضمرة في سياسات القوى الغربية الكبرى ومصالحها، والمولدة ردود فعل إرهابية من "داعش" و"القاعدة" عبر تلك الجرائم العنيفة والعمياء في وجه ناموس القوة والنفوذ في السياسات الخارجية للقوى الكبرى.
هكذا، حيال استعصاء وعيٍ تبسيطيٍّ ومفككٍّ لداعش والقاعدة، وعاجزٍ، في الوقت نفسه، عن تفسير (لا تبرير) ناموس القوة الذي كرّسته سلطة الوعي المادي للعالم الحديث؛ تغيب قوانين العقل، فتصبح تلك الحوادث الإرهابية المتجدّدة نتيجة حصرية لسببين أساسيين؛ الأيدولوجيا الإرهابية العمياء لخطاب حركاتٍ، مثل "داعش" و"القاعدة"، أو الجنون (كما بدا الأمر في حال مرتكب مجزرة ميونخ). أصبح العالم، وفق هذين الحدين القائمين على خطابي القوة والجنون، رهينة مفاعيل الإرهاب المتجدّدة، فيما أصبح الأبرياء ضحايا عالمٍ لا يعدهم إلا بالمزيد. استحالة زوال الإرهاب عن العالم، وفق ذلك التصميم الأعمى للقوة والجنون، هي ما تجعل من الإرهاب سلطةً مطلقةً محايثة للقوانين والقواعد التي يتمثلها منطق القوة في سياسات العالم.
لذا لم يكن من المصادفة أن تمتنع الحلول العقلانية امتناعاً، فيما يظلّ منطق القوة في العالم، ذلك المستند إلى الداروينية السياسية، الناموس الذي يعجز العقل المادي الحديث عن تجاوزه حيال مسألة تدبير العنف، فيما يستغلّ الإرهاب الداعشي مفاعيل منطق القوة هذا في تبرير جرائمه الإرهابية، ليس ضد غير المسلمين فحسب، وإنما ضد المسلمين كذلك، على النحو الذي يؤكّد ذلك الوعي المفكّك للدواعش، والمنجذب إلى العنف، بسينيكيةٍ تتولد باستمرار، كلما ازدادت قوة العنف الموجهة ضدها!
وإذا ما بدا التعاطف الإنساني من العالم مع ضحايا الإرهاب، في الغرب أكثر منه حساسيةً
لن ينتهي الإرهاب في العالم، لأنه أصبح تصميماً معولماً للعنف، وسيستمر مديداً في ظل خطابي منطق القوة المادية والجنون الداعشي، فيما سيدفع الضحايا الأبرياء، والمدنيون من مسلمين وغير مسلمين، ثمناً باهظاً من الأرواح والدماء.
ثمّة إمكاناتٌ أوليةٌ للنظر في استراتيجياتٍ معرفيةٍ، يمكن أن تساهم في تسكين العنف الإرهابي ومواجهته؛ لكنها ستظل بلا طائلٍ، طالما ظلّ ذلك الناموس الأعمى لمنطق القوة محرّكاً أساسياً لمصالح الغرب في رؤيته المادية للعالم. وطالما ظلّ الوعي المفكك للإرهابيين، من الدواعش وغيرهم، هو ردّ الفعل العشوائي بالحماس الديني على ذلك الناموس.
لهذا، يمكن القول: المأزق العالمي للإرهاب، والذي سرّعت من مفاعيله ثورة المعلوماتية والاتصال، ربما كان حافزاً لنظر كثيرين من عقلاء العالم، للوصول إلى قناعةٍ جادةٍ بنهاية دورة النظام العالمي لمبدأ القوة المادية الذي ظلت تنتهجه القوى الكبرى معياراً للمصلحة والصراع. ذلك أن أقل ما تؤشر عليه ديناميات العنف الإرهابي، كسلطةٍ مجنونةٍ ومحايثةٍ لمبدأ القوة المطلق في الصراع الدولي، هو تجدّد زمن دائري مديد للعنف؛ زمن لا يملك أحدٌ القدرة على إنهائه؛ لأن ذلك الوعي المفكّك لإرهابيين لديهم استعداد مقدّس على قتل أنفسهم، في كل مكان وزمان، أعقد بكثير من كل الأسباب العقلانية التي أنهت الحرب العالمية الثانية.