عن اختراق المخابرات التنظيمات
بين عامي 2003 و2004، تواصل معي الأسير في السجون الإسرائيلية، عثمان بلال، والذي يقضي منذ نحو عشرين عاماً، حكماً بالسجن "مدى الحياة"، بواسطة "هاتف محمول" مهرّب.
عثمان ابن مدينة نابلس، كان يدرس الصحافة "عن بعد"، ويحاول تطبيق ما يدرسه عملياً، حيث كان يجري مقابلات صحفية مع الأسرى، ويدوّن خلاصة تجاربهم. ونجح في تلك الفترة في تزويدي بعدد لا بأس به من القصص، ونشرتها في مواقع إخبارية كانت تهتم بقضايا الأسرى.
كانت قصصه، تهدف إلى "استخلاص العبر"، وعدم تكرار الأخطاء التي يقع فيها رجال المقاومة، وكشف مخططات المخابرات الإسرائيلية، وكانت تركز، بشكل كبير، حول كيفية اختراق إسرائيل التنظيمات الفلسطينية، وتشير غالبيتها إلى أن هدف إسرائيل كان يتركز غالباً على "جلب المعلومات". إلا أن قصتَي أسيرين، استمع لهما عثمان، كشفتا عن جانب جديد، لم نسمع عنه من قبل، في عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، لا يتوقف على جمع المعلومات، بل على تنفيذ مهمات محددة، ظاهرها "مقاومة"، وباطنها "عمالة وتخريب".
القصة الأولى، عن شاب يقيم في الضفة الغربية، متحمس لمقاومة الاحتلال، لكنه غير منتمٍ لأي فصيل فلسطيني، ولديه مخططات لتحرير الأسرى من السجون، يقرر التوجه إلى إحدى دول الجوار، باحثاً عن جهة تساعده في عمله، فيلتقي أحد القيادات الوطنية، ويتفقان على العمل. يعود الشاب إلى الضفة الغربية، ويبدأ في تنفيذ مهمات أوكلت إليه من قائده الجديد.
بدأ الشاب يشك في "قائده"، فحاول الهرب، لكنه لم يُفلح، حيث قبض عليه الجيش الإسرائيلي، ليصدم بأن القائد الوطني ليس سوى عميل كبير للاستخبارات الإسرائيلية، وكل المهمات التي نفذها كانت بعلم وتخطيط إسرائيلي كامل.
القصة الثانية، لشاب متحمس أيضاً، لكنه لم يبحث عن "قائد وطني"، ليقوده، بل القائد هو من اتصل به، وعرض عليه العمل في إحدى خلايا المقاومة المسلحة. وبدون تردد، يقبل الشاب العمل، فالوطن ناداه، وعليه أن يلبي النداء.
يطلب منه تنفيذ عمليات مسلحة محددة ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، فينفذها. ويطلب منه مهمات أخرى، ينفذها كذلك. وحينما انتهى دوره، قُبض عليه، ليفاجأ كذلك أن "قائده" كان عميلاً، أو لربما يكون ضابط مخابرات إسرائيلي، وحينها علم، متأخراً، لماذا فشلت كل عملياته ضد الإسرائيليين.
ماذا تعني هذه القصص؟
إنها تقول، ببساطة، إن هناك نوعين من الاختراق المخابراتي للتنظيمات، الأول زرع عملاء بغرض الحصول على معلومات، والثاني زراعة شخصيات، ودفعها نحو صفوف قيادية داخل التنظيم، بغرض توجيه الفصيل نحو تحقيق أهداف معينة. وهناك دلائل كثيرة على أن إسرائيل نجحت فيما يتعلق بالنوع الأول، لكن القصص السابقة لا تعد دليلاً بالضرورة على نجاحها في النوع الثاني.
هذا بخصوص الساحة الفلسطينية، فماذا عن الساحات العربية؟
حاولت الإجابة عن هذا السؤال، بالبحث عن شبكة الإنترنت، فوجدت مقالات وأخباراً عديدة، تتحدث عن اختراق أجهزة المخابرات العربية والدولية بعض التنظيمات، وخصوصاً "الجهادية" منها، لكنها تبقى أقاويل، وتفتقد الدليل.
واستوقفتني مقالة طويلة لشخص عرّف نفسه بأنه خبير في شؤون الحركات الإسلامية، خلص فيها إلى أن "المخابرات" تستهدف من اختراقها التنظيمات الجهادية إلى تشويه صورتها، بدفعها إلى ارتكاب أخطاء وخطايا، تنفّر الناس منها.
سيقول كُثر مجدداً إن هذه الفرضية تفتقد الدليل، وهذا صحيح، لكن الدليل لن يتوفر بسهولة، وبالتالي، المطلوب من "ذوي الشأن" أن "يشغّلوا عقولهم"، ويتوقفوا عن "التكبير"، ابتهاجاً بأي حدث يصدر عن التنظيم، ويسألوا أنفسهم، كيف ولماذا؟ ولمصلحة من؟