عن "سلفية" حماس

03 يونيو 2015

استعراض عسكري لكتائب القسام في غزة (21 سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
أثار براء نزار ريّان، في مقاله "ماذا تصنع إيران بحلفائها؟" في ملحق جيل في "العربي الجديد"، 28 مايو/أيار الماضي، تساؤلات جديرة بالبحث والتأصيل العلمي، بشأن مدى تغلغل أو حتى وجود الفكر السلفي، داخل حركة حماس. وذهب ريّان، وأحسبه خبيراً في شؤون "حماس"، وهو نجل أحد قادتها، إلى أن دراسة مجموعة من كوادر الحركة الشابّة العلوم الشرعية في الجامعات السعودية جعلها تصطبغ بطابعٍ سلفيّ، "ولكن، إلى حدّ غير كبير بسبب جذورها الإخوانية"، كما كتب، وهو ما شكّل حائط سد منيع في وجه إيران، التي حاولت "جرّها إلى مربّع التأثر الإيديولوجي"، بمعتقدها الشيعي.

ولا يخفى على أحد مدى الاختلاف الكبير بين الفكرين السلفي والإخواني، فالإخوان يقولون إنهم يؤمنون بالفكر الوسطي، والفهم المعتدل للدين. وفي المقابل، يعتبر سلفيون كثيرون الجماعة "مفرّطة" في الدين. فهل تختلف حماس، (ممثّلة جماعة الإخوان في فلسطين)، عن باقي فروع الجماعة في ما يتعلق بنظرتها نحو الفكر السلفي، على الرغم من الصراع بينها وبين جماعات سلفية "جهادية" في قطاع غزة.

تحتاج القضية، كما أسلفت، بحثاً وتأصيلاً، لكن شواهد تشير إلى وجود الفكر السلفي، أو تغلغله، بنسب متفاوتة، داخل الحركة، منها أن الجامعة الإسلامية التابعة للحركة تتفق مع الفكر السلفي، إلى حد التطابق ربما، في ما يتعلق بتخصص "العقيدة الإسلامية"، أحد أقسام كلية أصول الدين. ويرجع هذا ربما إلى أن من وضع هذه المساقات أساتذة شرعيون درسوا في جامعات سعودية. وعلى سبيل المثال، ينظر التخصص إلى "التصوّف" على أنه "فكر منحرف، ومليء بالبدع والشرك"، وهو ما يظهر في مادة "دراسـات في التصوف والفلسفة". ويحذر التخصص أيضا من "العقيدة الأشعرية"، كونها تُؤوِّلُ الصفات الإلهية، على الرغم من أنها العقيدة المعتمدة في جامعة الأزهر، ما يدفع "سلفيين" عديدين إلى الدراسة في الجامعة، من دون أي تحرّج، حسبما أخبرني أحد خريجيها، حاصل على الدكتوراه في الشريعة. وقد كان لهذه الجامعة الدور الأكبر، في تعزيز هذا الفكر داخل الحركة، إذا صحّت هذه الفرضية، لأن أعدادا كبيرة من متعلميها درسوا فيها، وتأثروا بما تلقوه، ونقلوه إلى غيرهم في المحاضن التربوية داخل التنظيم.

ومن تلك الشواهد أيضا عمل كوادر من جماعة الإخوان المسلمين، منذ الثمانينيات، على محاربة ما قالوا إنه "بدع وشرك"، يمارس تحت دعوى "التصوّف"، ولعل من القصص المشهورة في هذا الجانب، فصل قبر هاشم بن عبد مناف، جد الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن المسجد، ومحاربة الطقوس التي كانت تمارس، كالتبرك بالأضرحة، والنذور، وغيرها.

وعلى الرغم من أن حماس لا تهاجم "الفكر الشيعي" علناً، بسبب طبيعة العلاقة مع إيران، إلا أنها لا تتسامح داخل أطرها الدعوية والتنظيمية مع هذا الفكر. ولأحد قادتها، وهو الدكتور صالح الرقب (وزير الأوقاف سابقاً في حكومة غزة، وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعتين سعوديتين) كتابه "تعريف عام بدين الشيعة الإثني عشرية"، وُزّع على نطاق واسع، وجاء في مقدمته "إنَّ الروافض الذين يسمون أنفسهم بالشيعة الاثني عشرية من أخطر الفرق على الأمة، وأشدها فتنة وتضليلاً".

وتتحدث أنباء في غزة، عن أن نسبة (لا يُعرف مقدارها) من أفراد التنظيمات السلفية الجهادية، كانوا أعضاءً سابقين في حماس، وهو ما قد يعزز هذه الفرضية.

وفي مقابل المؤشرات السابقة، يشير سلوك "حماس" السياسي إلى إيمانها العميق بالفكر الإخواني، فالحركة لم تتجه، مثلاً، إلى إقامة دولة إسلامية في غزة، بعد سيطرتها عليها قبل ثماني سنوات، وتنفتح بشكل كبير على الآخرين، وتتمتع بمرونة سياسية عالية. وفي ظني، إن فكري "السلفية" و"الإخوان" يتنازعان أفراد الحركة، ويوجهان سياساتها العامة، فالأول يحفظ للحركة سمْتها الإسلامي المحافظ، ويشكّل حائط سد للحركة أمام التأثر بأفكار أو مذاهب أخرى، فيما يتيح الثاني للحركة هامشاً كبيراً من المرونة، والتعامل مع المتناقضات.

EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة