18 أكتوبر 2024
عندما يرفض عون حكومة الحريري
بعد مضي أكثر من مائة يوم على تكليفه تشكيل الحكومة اللبنانية، عرض سعد الحريري تشكيلته المبدئية على رئيس الجمهورية، ميشال عون، الإثنين الماضي، وضمّت ثلاثين مقعداً وزارياً موزّعة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وبحسب أحجام الكتل السياسية في المجلس النيابي، ووفق صيغة، قال الحريري عنها، إنه لا منتصر فيها. إلا أن الرئيس عون، وبحسب بيان مكتب الإعلام في القصر الرئاسي، أبدى ملاحظاتٍ على الصيغة المقترحة، وطلب إعادة النظر فيها، وبذل مزيد من التشاور، سواء بينه وبين الرئيس المكلّف، أو بين الأخير والقوى السياسية.
لم يكشف القصر الرئاسي عن طبيعة الملاحظات التي وضعها عون على تشكيلة الحريري، إلا أن الصحف اللبنانية ذكرت إن بعضها يتصل بحجم الوزارات التي أُعطيت لحزب القوات اللبنانية (منافس حزب الرئيس في الساحة المسيحية) وهي أربع وزارات خدمية. ويتصل بعضها برفض إعطاء وليد جنبلاط كل المقاعد الوزارية المخصصة للدروز، فضلاً عن رفض احتكار التمثيل السنّي في الحكومة عند الحريري نفسه. وفي المقابل، تعتبر بعض القوى السياسية أن الحقيقة وراء رفض الرئيس عون تشكيلة الحريري المدعومة من رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، هي في طموح عون وفريقه السياسي (حزب التيار الوطني الحر) للاستئثار بالحكومة والسلطة، واستعادة زمن ما كان يُعرف بـ "المارونية السياسية" وصلاحيات رئيس الجمهورية، من خلال تكريس أعراف دستورية جديدة، حتى لو كان فيها مخالفة للنص الدستوري، عبر الحصول على أحد عشر وزيراً في الحكومة، تمكّنه من تعطيل أي قرار سيادي، وتجعل الحكومة تحت أمره بشكلٍ شبه كامل، في وقت لا يتمتّع هو وفريقه بأغلبية في المجلس النيابي. وتكاد كل القوى السياسية في لبنان تجمع على رفض أن يكون "الثلث المعطل" في مجلس الوزراء لأي فريقٍ سياسي، حتى حزب الله، الحليف الأوثق للرئيس عون، يرفض منحه هذا الأمر ضمناً، فضلاً عن أنه يتوجّس من أداء رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية.
من الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية في لبنان الحق بالموافقة أو عدم الموافقة على
التشكيلة الحكومية، وهذا محل اتفاق بين الجميع، لكن خطورة ما جرى أنه يعيد الأمور والاتصالات والتشاور إلى المربع الأول بعد انقضاء قرابة مائة يوم، وأن فيه بعض التجاوز على صلاحيات الرئيس المكلف، إذ أناط الدستور التكليف بالرئيس المكلف من دون أن يسمح لأي طرفٍ بالتدخل في هذا الموضوع، وأكد أيضاً أن الحكومة مؤسّسة مستقلة، وليست تابعة لرئاسة الجمهورية، ولها مبناها الخاص، ورئيسها هو الذي يضع جدول أعمال الجلسات، ويحدّد موعد الاجتماعات، ويترأس الجلسات في مبناها الخاص، وإذا حضر رئيس الجمهورية إلى هذا المبنى، فإنه يترأس الجلسة عند ذلك، ولا تعقد أية جلسة بغياب رئيس الحكومة.
خطورة ما جرى ويجري أن هناك محاولة لتفريغ الدستور اللبناني من مضمونه، وتأويل نصوصه بحسب الرغبات والطموحات، بتكريس أعراف جديدة في البلد، ومن ذلك التدخّل في تشكيل الحكومة بوضع الشروط والعراقيل، ومن خلال فرض "فيتوات" على قوى سياسية أخرى، وهو ما يُضعف الرئيس المكلف، في أثناء التكليف، ويكبّله في الأداء في أثناء الممارسة.
لبنان اليوم في مرحلة دقيقةٍ وصعبةٍ على المستوى السياسي لا تقلّ خطورةً عما يجري في المنطقة، بل يكاد يكون مرتبطاً بما يجري هناك. في لبنان هناك محاولة لإعادة زمن الامتيازات القديمة، من قوى وأطرافٍ سياسيةٍ ترى أن الفرصة سانحة في هذا الوقت. وفي مقابل ذلك، هناك مساع لتكريس هيمنة جديدة من خلال فائض القوّة التي يتمتع بها بعضهم جرّاء تطورات المنطقة، بينما لبنان بحاجة فعلية وجادّة للتركيز أكثر على تطبيق والتزام وثيقة الوفاق الوطني التي أنهت الحرب الأهلية المشؤومة، قبل أن تعود هذه الحرب وتندلع فيه مرة أخرى، في وقت يعود الآخرون من حروبهم.
لم يكشف القصر الرئاسي عن طبيعة الملاحظات التي وضعها عون على تشكيلة الحريري، إلا أن الصحف اللبنانية ذكرت إن بعضها يتصل بحجم الوزارات التي أُعطيت لحزب القوات اللبنانية (منافس حزب الرئيس في الساحة المسيحية) وهي أربع وزارات خدمية. ويتصل بعضها برفض إعطاء وليد جنبلاط كل المقاعد الوزارية المخصصة للدروز، فضلاً عن رفض احتكار التمثيل السنّي في الحكومة عند الحريري نفسه. وفي المقابل، تعتبر بعض القوى السياسية أن الحقيقة وراء رفض الرئيس عون تشكيلة الحريري المدعومة من رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، هي في طموح عون وفريقه السياسي (حزب التيار الوطني الحر) للاستئثار بالحكومة والسلطة، واستعادة زمن ما كان يُعرف بـ "المارونية السياسية" وصلاحيات رئيس الجمهورية، من خلال تكريس أعراف دستورية جديدة، حتى لو كان فيها مخالفة للنص الدستوري، عبر الحصول على أحد عشر وزيراً في الحكومة، تمكّنه من تعطيل أي قرار سيادي، وتجعل الحكومة تحت أمره بشكلٍ شبه كامل، في وقت لا يتمتّع هو وفريقه بأغلبية في المجلس النيابي. وتكاد كل القوى السياسية في لبنان تجمع على رفض أن يكون "الثلث المعطل" في مجلس الوزراء لأي فريقٍ سياسي، حتى حزب الله، الحليف الأوثق للرئيس عون، يرفض منحه هذا الأمر ضمناً، فضلاً عن أنه يتوجّس من أداء رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية.
من الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية في لبنان الحق بالموافقة أو عدم الموافقة على
خطورة ما جرى ويجري أن هناك محاولة لتفريغ الدستور اللبناني من مضمونه، وتأويل نصوصه بحسب الرغبات والطموحات، بتكريس أعراف جديدة في البلد، ومن ذلك التدخّل في تشكيل الحكومة بوضع الشروط والعراقيل، ومن خلال فرض "فيتوات" على قوى سياسية أخرى، وهو ما يُضعف الرئيس المكلف، في أثناء التكليف، ويكبّله في الأداء في أثناء الممارسة.
لبنان اليوم في مرحلة دقيقةٍ وصعبةٍ على المستوى السياسي لا تقلّ خطورةً عما يجري في المنطقة، بل يكاد يكون مرتبطاً بما يجري هناك. في لبنان هناك محاولة لإعادة زمن الامتيازات القديمة، من قوى وأطرافٍ سياسيةٍ ترى أن الفرصة سانحة في هذا الوقت. وفي مقابل ذلك، هناك مساع لتكريس هيمنة جديدة من خلال فائض القوّة التي يتمتع بها بعضهم جرّاء تطورات المنطقة، بينما لبنان بحاجة فعلية وجادّة للتركيز أكثر على تطبيق والتزام وثيقة الوفاق الوطني التي أنهت الحرب الأهلية المشؤومة، قبل أن تعود هذه الحرب وتندلع فيه مرة أخرى، في وقت يعود الآخرون من حروبهم.