12 نوفمبر 2024
علي حرب: ما بعد الأسلمة
لا بد لمن يقرأ كتاب المفكّر اللبناني، علي حرب، "الجهاد وآخرته، ما بعد الأسلمة"، الصادر هذا العام عن الدار العربية للعلوم - ناشرون، والذي يتناول ظاهرة الجهاد كما يقول عنوانه، من أن يشعر بشيءٍ من الرهبة لدى الاطلاع على طروحاته الجذرية التي ستزلزل أفكارا ومواقف لدى من سبق أن وجد القراءة التي تريح قلقَه بشأن أسلمة الإرهاب. فمسألة الإرهاب الإسلامي مطروحة اليوم على كل فردٍ منّا، والموقف المتخذ منها يعني لكل فردٍ الكثير، لذا ترانا نتهافت على أفكار من لا يدعوننا إلى هدم هويّاتنا ومعتقداتنا، لنعيد بناءها من جديد، وإنما على طروحات من يطمئننا إلى صوابيتها وبراءتها مما يوجّه إليها من تهمٍ لا تخلو أحيانا من عنصريةٍ خفيةٍ وكراهيةٍ متخفيةٍ في ثوب الموضوعية والتحليل العلميّ. إن حالة المفكّرين الفرنسيين، أوليفييه روا وجيل كيبيل، أفضل مثال على ذلك، إذ ترانا كثرا نحن الذين ساندنا أطروحات الأوّل التي تبرّئ الإسلام والمسلمين، وأنا منهم، ناسبةً المسألة إلى "أسلمة الحركات الراديكالية" التي سبق أن نشطت تحت راياتٍ أخرى، وليس إلى "راديكالية الإسلام"، وهي الأطروحة التي يساندها كيبيل الذي يرى أن المشكلة تكمن في عودة السلفية، وفي الإسلام نفسه.
لا يشغل علي حرب نفسه كثيرا بهذه التناقضات، فهو، من خلال التركيز على تفكيك أطروحة أوليفييه روا، المختص في الحركات الإسلامية والسلفية، يُظهر خطورتَها "إذ تحول دون قيام المسلم بمراجعة نقدية لهويته التي ترتد بالكوارث على المسلمين، قبل سواهم". "فالإسلام ليس ضد الإمبريالية لذاتها، بل لأنه يريد استرجاع إمبرياليته تحت شعارات "إقامة دولة الخلافة"، "الإسلام هو الحل"، وتطبيق الشريعة بأي ثمن. هذا ولا يساير علي حرب، ولا يهادن، حين يقدّم قراءته الجذرية للإرهاب الذي يكمن أساسُه، برأيه، في المؤسسة الدينية، بوصفها مؤسسةً ثقافيةً منتجة للعنف والتطرف. فكيف يكون من الممكن أسلمة الحياة الجارية وإصلاح المجتمعات العربية باعتماد نهج السلف، حين تستحيل منطقيا العودة إلى الماضي، وهو ما أظهره رجوع الدين إلى مسرح حياتنا المعاصرة، بشكل تدميري.
وفي تحديده معنى الإرهاب ومصدره، يرى حرب أن الاعتقاد بامتلاك الحقيقة الوحيدة المطلقة هو ما ينتج منطق الإقصاء والمحو، ويدفع إلى استعباد الآخرين، وقتل المعارضين لنا، والمختلفين عنا. وهنا يطرح السؤال الذي لا يخلو من خطورة: أينبغي تجديد الخطاب الديني ومراجعته، كما يدعو إليه كثيرون من أهل الحداثة؟ أم أنه ينبغي العمل على هزيمة المشروع الديني ككل؟ استنادا إلى محاولات التجديد السابقة، وبالتحديد تجربتي محمد عبده في مصر ومحمد إقبال في باكستان.
لذا، فإن المنهج الفعال الوحيد الذي يقترحه علي حرب لا يقوم على اعتبار ظاهرة الإرهاب ردّ فعل حيال غزوٍ أو استعمارٍ أو استبدادٍ أو شعور بالمهانة والذل والاستغلال، وإنما على اعتباره فعلا ومشروعا نابعا من معتقدٍ يحتكر الحقيقة، ويرفض ما عداه. ما نحتاجه اليوم للخروج من الخطر الديني الأصولي الذي أوصلنا إلى نهايات كارثيةٍ هو أولا تحليلٌ جذريّ يكشف الأساطير المؤسِّسة والإيديولوجيات الموهِمة؛ وثانيا العمل على تغيير علاقة المسلم بهويته، بحيث تتحوّل من نمط للحياة والعمل الحضاري إلى تراث حيّ وطقوسٍ أليفةٍ وتقاليد جميلة وقدوة حسنة وشكل من أشكال التضامن الاجتماعي؛ وثالثا كسر وصاية السلطة الدينية مع استبعاد النصوص والأحكام والفتاوى التي تحضّ على إدانة الآخر.
في خاتمة مؤلَّفه، يسأل علي حرب: "هل أنا أصدم القارئ بنقدي هذا؟ إن الواقع هو الذي يصدم بأفخاخه ومآزقه (...)، وإذا كان للكلام من دور، فهو أن يوقظ الغافل أو الجاهل من سباته، وأن يُسهم في فتح الأبواب الموصدة واقتناص الفرص الضائعة، لتغيير ظرفه الحياتي وتحسين الشرط الوجودي".
مقترحاتٌ مهمّة برسم القراءة والنقاش.
لا يشغل علي حرب نفسه كثيرا بهذه التناقضات، فهو، من خلال التركيز على تفكيك أطروحة أوليفييه روا، المختص في الحركات الإسلامية والسلفية، يُظهر خطورتَها "إذ تحول دون قيام المسلم بمراجعة نقدية لهويته التي ترتد بالكوارث على المسلمين، قبل سواهم". "فالإسلام ليس ضد الإمبريالية لذاتها، بل لأنه يريد استرجاع إمبرياليته تحت شعارات "إقامة دولة الخلافة"، "الإسلام هو الحل"، وتطبيق الشريعة بأي ثمن. هذا ولا يساير علي حرب، ولا يهادن، حين يقدّم قراءته الجذرية للإرهاب الذي يكمن أساسُه، برأيه، في المؤسسة الدينية، بوصفها مؤسسةً ثقافيةً منتجة للعنف والتطرف. فكيف يكون من الممكن أسلمة الحياة الجارية وإصلاح المجتمعات العربية باعتماد نهج السلف، حين تستحيل منطقيا العودة إلى الماضي، وهو ما أظهره رجوع الدين إلى مسرح حياتنا المعاصرة، بشكل تدميري.
وفي تحديده معنى الإرهاب ومصدره، يرى حرب أن الاعتقاد بامتلاك الحقيقة الوحيدة المطلقة هو ما ينتج منطق الإقصاء والمحو، ويدفع إلى استعباد الآخرين، وقتل المعارضين لنا، والمختلفين عنا. وهنا يطرح السؤال الذي لا يخلو من خطورة: أينبغي تجديد الخطاب الديني ومراجعته، كما يدعو إليه كثيرون من أهل الحداثة؟ أم أنه ينبغي العمل على هزيمة المشروع الديني ككل؟ استنادا إلى محاولات التجديد السابقة، وبالتحديد تجربتي محمد عبده في مصر ومحمد إقبال في باكستان.
لذا، فإن المنهج الفعال الوحيد الذي يقترحه علي حرب لا يقوم على اعتبار ظاهرة الإرهاب ردّ فعل حيال غزوٍ أو استعمارٍ أو استبدادٍ أو شعور بالمهانة والذل والاستغلال، وإنما على اعتباره فعلا ومشروعا نابعا من معتقدٍ يحتكر الحقيقة، ويرفض ما عداه. ما نحتاجه اليوم للخروج من الخطر الديني الأصولي الذي أوصلنا إلى نهايات كارثيةٍ هو أولا تحليلٌ جذريّ يكشف الأساطير المؤسِّسة والإيديولوجيات الموهِمة؛ وثانيا العمل على تغيير علاقة المسلم بهويته، بحيث تتحوّل من نمط للحياة والعمل الحضاري إلى تراث حيّ وطقوسٍ أليفةٍ وتقاليد جميلة وقدوة حسنة وشكل من أشكال التضامن الاجتماعي؛ وثالثا كسر وصاية السلطة الدينية مع استبعاد النصوص والأحكام والفتاوى التي تحضّ على إدانة الآخر.
في خاتمة مؤلَّفه، يسأل علي حرب: "هل أنا أصدم القارئ بنقدي هذا؟ إن الواقع هو الذي يصدم بأفخاخه ومآزقه (...)، وإذا كان للكلام من دور، فهو أن يوقظ الغافل أو الجاهل من سباته، وأن يُسهم في فتح الأبواب الموصدة واقتناص الفرص الضائعة، لتغيير ظرفه الحياتي وتحسين الشرط الوجودي".
مقترحاتٌ مهمّة برسم القراءة والنقاش.