طنطاوي الأب الروحي للسيسي وللثورة المضادة

08 يونيو 2015
طنطاوي سعى للسيطرة على الثروة ومنع تمددها (فرانس برس)
+ الخط -

أدّى المشير حسين طنطاوي بهدوئه والغموض الذي كان مفروضاً حوله قبل 25 يناير/كانون الثاني 2011، الدور الأكبر في إجهاض الثورة المصرية، من خلال التظاهر بحمايتها والتأكيد عقب اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأول خلال أحداث الثورة ما بعد إطاحة الرئيس المخلوع حسني مبارك، أن الجيش رفض إطلاق الرصاص تجاه المتظاهرين أو المساس بهم.

إلا أن الأيام جاءت لتكشف عدم صدق ما قاله الرجل الملقب بـ"الثعلب العجوز"، والذي يُعدّ الأب الروحي للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، والذي كان مديراً للاستخبارات الحربية خلال الثورة وما بعدها، قبل أن يصبح وزيراً للدفاع خلفاً لطنطاوي الذي أطاح به الرئيس المعزول محمد مرسي.

فقد كشفت الشهادة التي أدلى بها "الثعلب العجوز" الذي يبلغ من العمر 80 عاماً، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"محاكمة القرن"، والتي كان متهماً فيها مبارك ونجلاه ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من مساعديه بقمع المتظاهرين خلال أحداث الثورة، حجم التواطؤ الذي مارسه الرجل الذي كان وزيراً للدفاع، إذ اعتمد في ذلك الوقت سياسة "الاحتواء" باعتبارها الخيار الوحيد الأكثر أماناً، بعد أن أدرك أن الشحن المجتمعي ورفض النظام بسبب ممارساته، أكبر من أن ينتهي بطلقة رصاص، محاولاً امتصاص قوة الثورة وتوفير حاضنة للثورة المضادة.

الرجل الذي طالما نُقل عنه قوله إن الجيش رفض إطلاق الرصاص على المتظاهرين، قال في شهادته أمام المحكمة: "لم يطلب أحد مني استخدام الرصاص الحي"، بل وزاد على ذلك خلال سماع المحكمة لشهادته السرية في 24 سبتمبر/أيلول 2011 قائلاً: "ليست لديّ معلومات مؤكدة بإعطاء مبارك للعادلي أوامر باستخدام القوة مع المتظاهرين، وفي اعتقادي الشخصي أن هذا لم يحدث"، مضيفاً في شهادته التي كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت لحصول مبارك على البراءة في قتل المتظاهرين، أنه "ليس لديه معلومات حول وجود قناصة استعانت بهم الشرطة في 28 يناير/كانون الثاني 2011، ولا أستطيع تحميل جهاز الشرطة المسؤولية كاملة في حالات القتل".

كذلك حاول طنطاوي خلال شهادته تجميل صورة مبارك، قائلاً إنه لا يستطيع الجزم بعلم مبارك بحالات الإصابات والوفيات، وإن "مبارك تدخّل لوقف نزيف الدماء، وأعطى أوامر بفتح باب التحقيق حول ما جرى في ميدان التحرير، وطلب رفع تقارير له عن سبب الأحداث والمسؤول عنها".

المشير العجوز وبحسب مقربين منه، كان يحاول السيطرة على الثورة وعدم تمددها حتى لا تطيح بإمبراطورية القوات المسلحة وسيطرتها على الحكم، ولكنه كان يدرك أن الشباب الذي قام بالثورة، وكذلك الشارع المصري في ذلك الحين، لن يقبل بوجه عسكري جديد ليتربّع على عرش مصر، وهو ما دفعه بعد الثورة لجس نبض الشارع المصري حول قبوله حينما ظهر للمرة الأولى مرتديا زياً مدنياً وتجوّل في شوارع منطقة وسط البلد في 26 سبتمبر/أيلول 2011، وهي الخطوة التي قابلها شباب الثورة والسياسيين بهجوم حاد وعنيف دفع طنطاوي إلى التراجع عن تلك الفكرة والتفكير في شيء آخر يضمن به امتيازات المؤسسة العسكرية.

توالت الأحداث عقب الثورة، وخلال عام ونصف تلوثّت يد طنطاوي بصفته قائد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يدير البلاد، بدماء المئات من شباب الثورة في عدد من الأحداث التي شهدتها الثورة، بدءاً من موقعة ماسبيرو التي قتلت فيها قوات الجيش 27 من الأقباط المتظاهرين أمام مبنى التلفزيون في أكتوبر/تشرين الأول 2011، ثم جاءت بعد ذلك مذبحة أحداث مجلس الوزراء، ومحمد محمود الأولى، وراح ضحيتها نحو 41 من شباب الثورة على يد العسكر.

وبعد أقل من شهر من أحداث شارع محمد محمود، شهدت مدينة بورسعيد مذبحة كبيرة راح ضحيتها 72 من مشجعي النادي الأهلي "أولتراس أهلاوي"، والذين كانوا من أيقونات ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث.

وبعدها بنحو ثلاثة أشهر، وتحديداً في الثاني من مايو/أيار 2012، رفع طنطاوي عصا الجيش الغليظة ضد الشباب الإسلاميين، والذين كانت قياداتهم قد وضعت أيديها في أيدي طنطاوي بعد الثورة قبل أن تكتشف حقيقته، إذ قتلت قوات الجيش عدداً من شباب حركة "حازمون" الذين كانوا قد نظموا اعتصاماً في محيط وزارة الدفاع للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة، ليكون الصدام الأول بين المجلس العسكري والإسلاميين.

اقرأ أيضاً:  هكذا أجهضت الدولة العميقة ثورة يناير

يقول أحد الباحثين في مركز الأهرام للدراسات، إن المجلس العسكري بقيادة طنطاوي سعى لإيصال رسالة لكل عناصر الثورة، وفي مقدمتهم "أولتراس"، والأقباط الذين تفاعلوا معها، إن من سيقف في وجه المؤسسة العسكرية سيتم سحقه في محاولة لإرهاب الجميع.

وأوضح الباحث السياسي أن طنطاوي من خلال مدير استخباراته في ذلك الوقت عبدالفتاح السيسي، كان قد شرع في تثبيت أركان الثورة المضادة بالتعاون مع رجال الأعمال، وبعض الدول في المنطقة حيث يقومون هم بدورهم، بينما يقوم هو باحتواء القوى الثورية تارة بوعود زائفة بالتمهيد للديمقراطية وتسليم البلاد لهم عقب إجراء الانتخابات، وتارة أخرى بإرهابهم بالمذابح.

من طنطاوي إلى السيسي

يُتهم طنطاوي بالتخطيط وتنفيذ مذبحة الجيش في رفح في شهر رمضان 2013 حتى يؤجج مشاعر غضب جنود وضباط الجيش ضد مرسي، وهو ما بدا واضحاً في اليوم التالي للمذبحة، عندما أبلغ طنطاوي، مرسي بصعوبة تأمينه خلال حضور جنازة الجنود، والسماح لبعض الأهالي بمهاجمة رئيس الوزراء هشام قنديل خلال الجنازة. وجاء بعدها القيادي في جماعة "الإخوان المسلمين" علي عبدالفتاح ليؤكد خلال جلسة لأعضاء الجماعة في محافظة الدقهلية "أن المجلس العسكري هو من قام بالمذبحة لتوريط مرسي".

قرر الرئيس المعزول في 13 أغسطس/آب 2012 إنهاء خدمة طنطاوي بعد 18 عاماً قضاها وزيراً للدفاع، بالإضافة إلى رئيس أركانه سامي عنان، قائلاً: "أريد للقوات المسلحة التفرغ لخدمة الوطن".

ويرى أحد الخبراء السياسيين، أن ما بدأه طنطاوي من التمهيد للثورة المضادة والحفاظ على نفوذ المؤسسة العسكرية، أكمله السيسي الذي كان خيار الجيش المفروض على مرسي، والذي ظن أن مدير الاستخبارات الحربية سيكون وزيراً بـ"نكهة الثورة" بحسب الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين "إخوان أون لاين" وقتها.

في المقابل، يقول كاتب ومحلل مقرّب من المشير والمؤسسة العسكرية، إن طنطاوي لم يكن بعيداً عن القرار في الفترة التي أعقبت الإطاحة به، لافتاً إلى أن "السيسي كان يرجع إليه في الكثير من الاستشارات باعتباره الأب الروحي والملهم له".

خطة الانقضاض على 25 يناير

يرى الخبير السياسي أمجد الجباس، أنه لا يمكن الفصل بين دور طنطاوي، والمجلس العسكري في وأد الثورة، وتوفير حاضنة للثورة المضادة، موضحاً في تصريح إلى "العربي الجديد"، أن "طنطاوي في حد ذاته لعب دور الستار الذي تخفّى خلفه المجلس العسكري، فالرجل على المستوى الشخصي كان يدرك جيداً أن حالته الصحية لن تؤهله لتولي قيادة البلاد لفترة طويلة، إلا أنه كان حتى النفس الأخير يصرّ على الصمود لتمكين المؤسسة العسكرية من تحقيق أهدافها".

ويشير الجباس إلى أن "الدور الذي قام به طنطاوي ومجلسه العسكري كان على مرحلتين؛ المرحلة الأولى استغلال الثورة في 25 يناير في القضاء على الهمّ الذي كان يؤرّق القادة العسكريين، وهو حلم التوريث لدى جمال مبارك نجل الرئيس المخلوع وزوجته سوزان، ثم المرحلة الثانية تقديم طنطاوي كقائد عسكري كبير في السن لا يرغب في أي طموح شخصي بما يؤمن له غطاءً لانتزاع الحكم من يد الثوار".

ويتفق خالد عبد الحميد، أحد قيادات حركة الاشتراكيين الثوريين، وعضو ائتلاف شباب الثورة السابق، مع الجباس، قائلاً "إن طنطاوي هو ممثل للمجلس العسكري الذي كان يقف مكتوف الأيدي أمام توريث حكم مبارك الأب لجمال، في ظل تباين كبير بين مؤسسة الجيش والرئاسة في ذلك التوقيت".

ويُعرب عبد الحميد عن أسفه لاستغلال طنطاوي والمجلس العسكري حالة الانقسام والتصنيف التي تم خلقها في ذلك التوقيت بين جماعة "الإخوان المسلمين" التي قدّمت نفسها كقوة تقبل أن يتم التخلص من مبارك واعتباره هو النظام الذي لا بد أن يسقط، وبين "قوى مدنية" تشبثت ببقاء المجلس العسكري بدعوى عدم سيطرة الإسلاميين على الحكم.

اقرأ أيضاً: قيادي في "التحالف": حديث المشير طنطاوي يدينه قضائيا

المساهمون