حرب سيناء: فشل جديد للسيسي

08 يونيو 2015
استراتيجية الجيش تعتمد سياسة عقابية للأهالي (الأناضول)
+ الخط -

يمكن اعتبار العام الأول لحكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أنه كان عام الفشل في حرب سيناء أمام تنظيم "ولاية سيناء"، الذي أعلن مبايعته لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. فشل موصول بعامين سابقين لانقلاب السيسي، منذ كان الرجل وزيراً للدفاع.

ولم يتمكن الجيش المصري على مدار عامين، من حسْم المعركة مع المسلحين في سيناء، في وقتٍ تطورت فيه قدرات تنظيم "ولاية سيناء" بشكل كبير خلال الأشهر السبعة الماضية، منذ إعلان مبايعة زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي. وبدا واضحاً من خلال عمليات التنظيم ضد قوات الجيش والشرطة، وجود طفرة نوعية على مستوى التكتيكات القتالية وأسلوب المواجهات والتضييق على الجيش والشرطة.

في المقابل، لم تكن عمليات الجيش ضد التنظيم موجعةً بشكل كبير وعاملاً رئيسياً في وقف نشاطه أو توجيه ضربات قوية مؤثرة عليه، وإن كان الجيش تمكّن خلال بعض المواجهات من قتل وإصابة عناصر من التنظيم. وبدا أن الأزمة في سيناء معقّدة لأقصى درجة، وباتت شبه عصيّة على الحل في وقت قريب، خصوصاً مع استراتيجية الجيش في التعامل مع الأزمة بشكل أمني بحت، فضلاً عن استعداء قطاعات واسعة من أهالي سيناء، وخصوصاً في مدينتي الشيخ زويد ورفح.

وما يزيد تعقيدات الأزمة في سيناء، أن استراتيجية الجيش تعتمد سياسة عقابية للأهالي لعدم تعاونهم في رصد تحركات والإبلاغ عن المسلحين، هذا على الرغم من التضييق الكبير على الأعمال وحركات التجارة، ونقل المواد الغذائية والتموينية إلى رفح والشيخ زويد.

الأخطر في أزمة سيناء، هو استعداء الجيش بشكل واضح وصريح لشيوخ القبائل، وخصوصاً أن هؤلاء يتمتعون بنفوذ كبير داخل كبار القبائل والعائلات، ومع ذلك هناك تعمُّد لإظهارهم وكأنهم يفقدون أي نفوذ حقيقي لرفع الظلم الواقع على الأهالي. وعلى الرغم من محاولات الجيش استمالة القبائل في الصراع القائم في سيناء، لكنه لم يحصل على أي استجابة فعلية.

في المقابل، لم يتجرأ تنظيم "ولاية سيناء" على محاولة الاصطدام مع النظام القبلي في سيناء، إلا فقط في ما يخص استهداف بعض من كبار العائلات المتعاونة مع الجيش بشكل علني، أو الشباب الذي ينقل أخباره إلى "الأمن والموساد الإسرائيلي"، بحسب إعلاناته وأدبياته.

استراتيجية الفشل

تخبَّط الجيش المصري ومجلس الدفاع الوطني، في التعامل مع أزمة سيناء، وتحديداً منذ مذبحة فض اعتصامي أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، في رابعة العدوية والنهضة في أغسطس/آب 2013، وعمليات القتل الجماعية. وبدأ التنظيم سلسلة عمليات أطلق عليها "غزوة الثأر لمسلمي مصر"، وهي عمليات استهدفت بشكل مباشر مؤسسات ومديريات أمن في عدة محافظات، ولعل الأبرز هو استهداف موكب وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم.

وكان لعمليات التنظيم صدى داخل سيناء، وإن كانت أكثرها تأثيراً خارجها، واتخذ السيسي باعتباره وزير دفاع حينها، قراراً بتحريك آليات الجيش العسكرية لضرب قلب التنظيم في سيناء. وخفّت عمليات التنظيم خارج سيناء، نظراً للانشغال بعمليات مواجهة واسعة استعد لها الجيش لخوض حرب ضروس مع التنظيم. واعتمد التنظيم حينها استراتيجية لبضعة أشهر، تتلخص في امتصاص ضربات ومداهمات الجيش على المناطق وتحديداً قرى الشيخ زويد ورفح، ثم توجيه ضربات موجعة للجيش في الهجوم على أقسام شرطة وكمائن.

لم تمر بضعة أشهر على تولي السيسي الحكم في يونيو/حزيران 2014، إلا وأعلن التنظيم تغيير اسمه إلى "ولاية سيناء"، بعد مبايعته تنظيم "داعش"، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته. بدت عمليات التنظيم أكثر إيلاماً وإحراجاً للجيش، وسط أخبار عن وضع تكتيكات جديدة، ولكن من دون جدوى حتى الآن.

ولجأ السيسي عقب حادثة الهجوم على مقرات عسكرية وأمنية من قبل التنظيم في أواخر شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إلى تشكيل قيادة موحّدة لشرق القناة يترأسها الفريق أسامة عسكر في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، بيد أن تلك الخطوة لم تؤتِ ثمارها أيضاً.

لكن الأبرز في عمليات الجيش، هو ضعف المعلومات المتوفرة عن التنظيم، وعدم القدرة على اختراقه بشكل كبير. ويقول الخبير الأمني، حسين حمودة، إنه على الجيش والشرطة تعديل استراتيجية مواجهة المجموعات المسلحة، وعدم الاعتماد على الطيران لضرب المنازل، مما يخلّف ضحايا من المدنيين. ويشير حمودة، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن الجميع أكد أن الاستراتيجية المتبعة خاطئة، وأن مواجهة الإرهاب لا بد أن تتم من خلال فرق مدربة على الاقتحامات والأوكار، لافتاً إلى أن "هناك فرقاً خاصة لمواجهة الإرهاب، ولكن يبدو أن هناك تخوفاً من استخدامها في حرب سيناء، لأن تكلفة إعداد هذه القوات كبيرة، إلا أن ما يحدث في سيناء، يستدعي استخدام تلك القوات".

اقرأ أيضاً: الجيش المصري يفشل بوقف عمليات "ولاية سيناء"

تطوّر التنظيم

ونفذ التنظيم خلال الأشهر السبعة الماضية، ما يناهز 85 إلى 90 عملية عسكرية ضد قوات الجيش والشرطة، بخلاف عمليات الاشتباك والمواجهة مع القوات خلال اقتحامات بعض القرى في الظهير الجنوبي الصحراوي للشيخ زويد ورفح. وبدا من خلال متابعة عمليات التنظيم، القدرات الهائلة التي بات يتمتع بها من خلال الدعم الذي حصل عليه عقب مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وخلال عام من حكم السيسي، تمكّن التنظيم من استقدام عناصر جديدة له، وهو ما أعلنه في تقرير مصور بثّه قبل بضعة أيام، وقبلها شريط فيديو لمبايعات جديدة للبغدادي. بيد أن تخريج دفعة مقاتلين جدد للتنظيم، ينفي مزاعم الجيش عن إحكام السيطرة على التنظيم.

وبدا من خلال إصدار "صولة الأنصار 2"، اعتماد التنظيم على صنع متفجرات بكميات ضخمة، وهو ما يعني وجود خبير متفجرات لديه خبرات كبيرة، وخلال حديث صانع المتفجرات في هذا الإصدار ورسالته إلى السيسي، قال: "جئناك من الشام".

وبين تطور قدرات تنظيم "ولاية سيناء" واستراتيجيات الجيش الفاشلة في إنهاء الحرب في سيناء، يدفع الأهالي الثمن. وشهدت سيناء إجراءات استثنائية باعتبارها منطقة حرب، إذ فُرض حظر التجوال مع بدء العمليات في 2013 التي ما تزال مستمرة.

ويعاني أهالي سيناء ظروفاً معيشية صعبة للغاية، فالحظر أنهى كل مظاهر التجارة والبيع والشراء، وهو ما تسبّب في خسائر كبيرة للأهالي. ويقول مصدر قبلي، لـ "العربي الجديد"، إن أهالي سيناء باتوا لا يدركون متى يأتي الفرج، فالأرزاق ضاقت بفعل تعامل الجيش وحظر التجوال. ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من ملاحقات أمنية، أن "الجيش يضع الأهالي في خانة الأعداء له من دون معرفة السبب، فهل هو يعاقبنا على فشله في التعامل مع التنظيم المسلح؟".

ويتحدث عن معاناة الأهالي، لافتاً إلى "أن الكهرباء تُقطع لساعات طويلة، فضلاً عن منع وصول سيارات المياه إلى الشيخ زويد ورفح"، مشدداً على أن الأهالي وتحديداً في رفح والشيخ زويد، يعيشون معاناة حقيقية، مع هدم المنازل وإخراج الأهالي منها من دون توفير مأوى لهم.

وعلى الرغم من عمليات التهجير القسري لأهالي الشريط الحدودي في رفح، وفق خطة معدّة لمحاصرة المجموعات المسلحة، بحسب ما أعلنته الحكومة المصرية، لم تؤتِ تلك التحركات ثمارها في القضاء على تلك المجموعات. ولكن عمليات التهجير لم تزد أهالي سيناء إلا ضيقاً من الجيش والنظام الحالي، مع تزايد المنطقة العازلة مع الحدود مع قطاع غزة، إلى ألف متر تقريباً ضمن سلسلة من المراحل لا تعلن عنها الحكومة بشكل مفصّل دفعة واحدة. وأكدت مصادر قبلية، أن عملية تعويض الأهالي المتضررين لم تنجز حتى الآن، خلافاً لما يتم الإعلان عنه، ولا تزال هناك مشكلات كبيرة في هذا الصدد.

ولم يتوقف التضييق على أهالي سيناء عند هذا الحد، بل ذهب إلى محاربتهم في المواد الغذائية الرسمية، فخلال الأسبوعين الماضيين، قامت قوات الجيش بمنع وصول سيارات نقل المواد التموينية والبضائع إلى الشيخ زويد ورفح. وعانى أهالي سيناء من نقص المواد الغذائية والأدوية، نتيجة احتجاز المركبات والشاحنات على الطريق.

اقرأ أيضاً: معاناة أهالي سيناء مستمرة: تجويع ومحاولات استغلال

قتل واعتقالات

لا يكاد يوم يمر، إلا ويعثر أهالي سيناء على جثث هنا وهناك، سواء في العريش أو الشيخ زويد ورفح، ولكن سرعان ما يتبين أن أغلب هذه الجثث تعود لأشخاص وشباب اعتقلهم الأمن قبل فترة. ويُظهر عاملان أن الجيش متورط في عمليات "تصفية جسدية" لأبناء سيناء، أولهما أن "ولاية سيناء" يُعلن صراحة عن قتل بعض المتعاونين مع الجيش مع ذكر أسمائهم، وثانيهما أن أغلب الجثث عليها آثار تعذيب، وكانوا معتقلين لدى الأجهزة الأمنية والجيش في حملات مداهمات أو اعتقالات عشوائية.

ولم يقتصر القتل عند هذا الحد، ولكن بصفة شبة مستمرة، تقوم دبابات الجيش في الكمائن على طول الطريق الدولي بين العريش ورفح، بقصف المنازل ليلاً، وهو أمر تكرر أكثر من مرة. وقُتل نحو 14 شخصاً، أغلبهم من النساء والأطفال، في قصفٍ لدبابات الجيش قبل شهرين تقريباً.

كما أن العشرات سقطوا بين قتيل وجرح جراء قصف طائرات "أباتشي" والطائرات من دون طيار (يُعتقد أنها إسرائيلية)، خلال عمليات هدم المنازل وملاحقة ما يعلن عنه الجيش من عناصر مسلحة. وكل انتهاكات الجيش تصبّ في صالح "ولاية سيناء"، الذي ينظر إليه قطاع ليس بالقليل من الأهالي على أنه مخلّصهم من ويلات الجيش، ويثأر للقتلى والمصابين جراء الانتهاكات.

كما لم ينجح الجيش بشكل قاطع في استمالة القبائل وشيوخها في صفّه خلال الحرب ضد "ولاية سيناء"، بفعل الانتهاكات التي يتعرض لها أهالي سيناء، وعمليات التهجير والقتل والاعتقالات. وخلّفت انتهاكات الجيش فجوة بين القبائل والاستخبارات الحربية، التي كانت تتولى التنسيق مع شيوخ القبائل في الأبعاد الأمنية.

فشل محاولات الجيش للتنسيق مع القبائل في حربه مع "ولاية سيناء"، يعيد للأذهان ما حدث في عهد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، عقب تفجيرات طابا وشرم الشيخ، من انتهاكات واسعة للأهالي وإظهار شيوخ القبائل في موضع ضعف، وبالتالي لم تتعاون مع وزارة الداخلية حينها في تقديم أي مساعدة في القبض على المتورطين في تلك التفجيرات.

ويحاول الجيش تصعيد بعض الوجوه غير المعروفة والتي لا تحظي بشعبية داخل سيناء، إلى الإعلام وترتيب لقاءات مستمرة مع السيسي، ويعلنون دعمهم لما يقوم به النظام الحالي. وتم تقديم شخصيات مثل إبراهيم العرجاني وموسى الدلح، وهما حضرا لقاءات مع السيسي باعتبارهما ممثلين عن القبائل، ولكن واقع الأمر يعكس غير ذلك.

وعقد العرجاني والدلح قبل ما يزيد على شهر تقريباً، مؤتمراً لدعم الجيش في منطقة وسط سيناء، بيد أن المؤتمر تم بشكل سري، وأعلن عن آليات دعم الجيش، ولكن أيضاً من دون جدوى في مواجهة "ولاية سيناء".

وأقدم التنظيم المسلح على تفجير منزل العرجاني في سيناء، وهو غالباً لا يتواجد بصفة أساسية فيه خوفاً من استهدافه من عناصر التنظيم. وفي وقت سابق، أكدت مصادر قبلية، لـ "العربي الجديد"، أن قبائل سيناء لا يمكن أن تدعم الجيش بعد جملة الانتهاكات ضد الأهالي وأبناء تلك القبائل. ويستغل الثنائي، اسم اتحاد قبائل سيناء، ولكن المفاجأة كانت حينما أكد منسّق الاتحاد، عدم علاقته بتحركات الدلح والعرجاني، وأن الاتحاد بريء من استغلال اسمه في الحرب الدائرة في سيناء.

اقرأ أيضاً: الجيش المصري يستميل قبائل سيناء.. ويقصفها

المساهمون