صيرورة العربي التائه

29 يونيو 2015
+ الخط -
كانت مصر، ولا تزال، في وجدان بلاد شمال إفريقيا، بداية من ليبيا التي تتجاور مع مصر، نهاية بالمغرب في أقصى بلاد العرب. وقفت خلف كتابة هذا المقال دوافع كثيرة، ولكن وكما أن الكتابة، في مكنونها، منقوش وجداني عميق، خرج إلى سطح الوعي اليقظ، فأغرق القلم قهراً في دواته الممتلئة بالحبر الأسود الذي يبحث عن الكلمات المبعثرة، في قارعة المعاني المتساقطة من على جدار الذكرى، إلا أن مجاورتي وغربتي جعلتني، كما يقول العسكريون، في مرمى النيران، فحين أتعامل معهم، أشعر بكل حجم الحقيقة التي لا أستطيع أن أتحملها وحدي، وسأبدأ بتساؤل ملح، هو ما الذي جرى؟
لماذا اختلفت نظرتنا إلى بعضنا؟ لماذا كل هذا الاختلاف؟ وخصوصاً أنه بات ملاحظا بعد تعاقب أنظمة سلطوية "عملت عمايلها"، كما يقول العامة في العقل الجمعي المصري الذي كان، من خلال الإعلام، لا يرسم فقط عقل المصريين، ولكن كان يشكل، بشكل كبير، في رسم العقل الجمعي العربي الذي عاد، اليوم، أحد الأسباب الرئيسية في زيادة الفجوة، وبات متعطشاً، في كل الفترات، إلى عودة هذه القيادة العربية التي كانت تحمل حقاً، في قرارة نفسها، الهم المشترك لصنع واقع عربي واحد ومختلف.
كم تخنقني العبرة، وأنا أرغب أن تتعايش بلادي، كما تعايشت أنا مع صديقي الجزائري والتونسي والليبي والمغربي، من دون وجود حزازيات ماتشات الكرة التي ما خُلقت لنكون تعساء، أو بعض التراشق الإعلامي الذي خان كل مبدأ، وانتهك كل حرفية في الطرح الموضوعي المتزن الذي طار مع حمائم السلام، فوق مدننا الحزينة. جمعتني جيرتي بشباب نقل تجارب شعوبه إلينا، لتنصهر التجارب معاً في بوتقة الألم، وهم، بالمناسبة، من بلاد شمال إفريقيا، جمعتني بهم لقاءات، كانت أشبه بلقاءات السحاب، لما سادها من جو التفاهم والرغبة العربية الموحدة، الدائرة حول قيم التسامح والمحبة المفقودة، للأسف، الآن بين القيادات السياسية والإعلامية والثقافية، بسبب عدم القدرة على معرفة ما ورائيات الواقع الراهن وحجم التآمر، وأيضا التاريخ المشترك والمصير.
وبالمناسبة، لا دخل لنا في صنعه، لأنه كالقدر، لا فرار منه، أو حتى هروب، فقد حكمت علينا حكماً نهائياً باتا تلك الجغرافيا بالقرب. وقال التاريخ كلمته فينا، من دون مراجعات، ولمست أحلامنا البسيطة سقف السماء التي كانت، وستظل، مظلتنا وغلافنا الذي نموت خارجه، وإن كنّا نستخدم أوكسجينا في عبوات، حتما ستفرخ ذات يوم، لنكتشف ما أجمل الهواء الطلق القادم من سهولنا وحواضرنا التي تنتظر العودة على طريق الأمل المنعقد على أجيال جديدة، بدأت تعي أن اللحظة وصيرورة الفهم ضرورة للعربي التائه في مسارات الوهم الفردي وأحلام اليقظة لصنميةٍ، تحطمت تحت معاول الشعوب الباحثة عن الخلاص الجماعي، والتي باتت تبحث عن الفريضة الغائبة، وهي الاتحاد التي عادة لا يؤمن بها إلا قليل في عقيدة العالم العربي الجديد، أو الذي سيكون جديداً، إذا أردنا الخروج من سرداب الزمن الرديء، والانعتاق لمواجهة لحظة الحقيقة على مفرق المستقبل.
084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
عمر صقر (مصر)
عمر صقر (مصر)