المسيرة الطويلة

10 يونيو 2015
+ الخط -
تبدأ الخطوات متعثرة في وطنٍ بات المتريث فيه حيران، وتتعرقل قدماه بقوة صوب اتجاه فقدت خريطته بين لحظات المصير، والتي ثبت، مع الأيام، إخفاقه الأولي في تحقيق أي نتائج ملموسة، كان يريدها رجل السياسة سريعة، حتى يفي بتعهداته أمام رجل الشارع الذي انتخبه، والتي قطعها على نفسه، وأيضاً، التي كان يريدها الوطن بجملته، من أقصاه إلى أقصاه في الغد القريب، بل في أقرب وقت. ولكن، ما أضخم هذا العبء الذي سيحتاج حتما لقرار جريء ونداء قوي؟ للمسيرة التي تأخرت في أن تبدأ بخطوة بسيطة، قد يظنها بعضهم للأسف "حقيرة" لا قيمة لها، لكنها تبقى خطوة تجاه الهدف الذي حلم به المستنيرون العرب، منذ أفول عصر الريادة العربية أيام كانت الأحلام تتحقق. هندسياً، يقولون إن البنيان الجيد هو، في الحقيقة، أساس جيد، وهذا هو الفهم الذي ينقصنا جيداً، في عصر الأدوار العلوية والديكورات الجميلة والمساحيق الخادعة الذي نعيش فيه.
ولهذا، بات واقعنا وراهننا ينبئ بكثير من العبثية والتخبط وسوء التقدير وانتظار المجهول، ومن ثمّ لا حاجة إلى شرح إضافي، لأن الحال أغنى عن ألف بيان وكلمة، نحتاج، قبل أن ننطلق في هذه المسيرة الطويلة، أن نجاوب، وبمنتهى القسوة، عن أسباب جهلنا المطبق، وأسباب ضياع ملامحنا ووعيننا الذي انحدر مثل مصب نهر حاد من فوق قمة جبلية؟ بدايةً، يجب الإجابة على سؤال البداية، وهو دائماً، صعب، والأصعب هو تشخيصه ووصفه جيداً. ولكن، بفرضية أن السؤال قد قيل، فإنك ك"شعب" عليك أن تبحث بجدية، وأنت فقط، عن إجابة يقتنع بها عقلك الجمعي، ويرتاح الضمير معك، وينام على وسادة الأمل الوثيرة بأن إجابته كانت صحيحة، وإنه يسير في الطريق الصحيح. هذا الطريق الذي نعرف أنه طويل وشاق، والمليء بالعثرات و"المحبطين" و"المرتزقة" و"المثبطين". قرأت للرئيس أنور السادات، يوماً، جملة كتبها بيده قائلا فيها إن بداية أي استقلال حقيقي يبدأ بالاستقلال الاقتصادي، وحينها تبدأ المسؤولية الفردية، ويبدأ في تقرير مصيره، وكذلك الشعوب، أيضاً، وفقا للنظرية الخلدونية التي تشابه الأمة بالفرد في مراحله العمرية المختلفة، فتحبو وتذل، إذا فقدت قدرتها الاقتصادية، وباتت لا تملك قوة اقتصادية تحقق به قدرة تسمح لها بحرية ومساحة كبيرة، لتقول كلمتها، بوضوح، أمام أسماع العالم. ولكن، أيضا من وجهة نظر كثيرين، وأنا منهم، أن بداية الاستقلال على المستوى الفردي والأممي هي، في حقيقة الأمر، ليست على المستوى الاقتصادي فقط. ولكن، ببداية الوعي والإدراك، بل هما الخطوة الأولى، والتي تسبق حتى رحلة البحث عن الحاجات الأولية للإنسان. نعم، إنها رحلة طويلة، والتي يجب على كل منّا أن يخطوها، والتي ستخلق حالة إدراكية في نهاية الأمر دولة فتية قوية عظيمة الشأن مرهوبة الجانب، ما زلنا ننتظر هذه الخطوة الأولى، نحن الشعب المصري، لنحقق ونخلق مصرنا التي قرأنا عنها كثيرا في كتب التاريخ والبطولات، ولم نرها حتى الآن.





084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
عمر صقر (مصر)
عمر صقر (مصر)