صديقي الفلسطيني

10 يونيو 2016
ينتظر أن تتمكن بقية الأسرة من مغادرة المخيم (الأناضول)
+ الخط -
قلت له: كل عام وأنت بخير لمناسبة شهر رمضان، فعاجلني قائلاً: ومن أين يأتي الخير؟ هل تسخر مني؟ ثم أردف متشنجاً: ما هو الخير في ما نعيشه أنا ومن هم مثلي، بل أيضاً ما تعيشه أنت؟

صدمتني إجابة الصديق الذي كنت أحادثه عبر أحد برامج التواصل الإلكتروني. لم أستطع إكمال الحوار، فاستأذنته وأنهيت المحادثة بهدوء، لكنّ رده لا زال يلح عليّ كلما خلوت إلى نفسي أو طالعت ملمحاً من أحوالنا التي نبّهني إليها؛ كأنني كنت أتجاهلها، أو بالأحرى أقنع نفسي بتجاهلها أو التعامي عنها كي أستكمل الحياة.

صديقي فلسطيني، وهو يعيش منذ سنوات في مخيم للاجئين داخل سورية. تمكنت نصف عائلته من الهجرة إلى أوروبا خلال الأعوام الأخيرة بعدما حرمهم الوضع السوري المتفاقم من استقرار نسبي عاشوا فيه سنوات هناك، وهو يمني نفسه باللحاق بعائلته المهاجرة، لكنه ينتظر أن تتمكن بقية الأسرة من مغادرة المخيم إلى أوروبا، كونه القائم على رعايتهم والإنفاق عليهم.
أعرفه منذ عشر سنوات تقريباً. لم نلتق يوماً وجهاً لوجه، لكننا نعرف عن بعضنا الكثير. بدأت معرفتنا عبر "فيسبوك"، وتوطدت لاحقاً من خلال كتابات ومحادثات لا تنقطع في مناسبات كثيرة، بعضها سعيد وأكثرها حزين، بحسب أحوال العرب الذين ننتمي إليهم.

هو في نهاية العقد الثالث من عمره، مثقف ومتابع جيد للشأن العربي والعالمي، فلسطين همّه وقضيته، والعروبة قشة يتمسك بها كغريق. يكره الطائفية كما يكره الاحتلال، ولديه منظور مختلف لما يجري في الواقع المعاش. كما يرفض الانسياق خلف الشعارات المكررة ويحارب بكل طاقته محاولات تقديس الأشخاص.

كان متشائماً منذ عرفته، لكنه لم يكن يوماً منكسراً. في العام الأخير بدأت ألحظ في نبرته يأساً متزايداً، وحنقاً كبيراً على ما آل إليه الوضع العربي.

حاولت مراراً في العامين الأخيرين تذكيره بحواراتنا مطلع 2011، ونبرة الأمل التي كانت تملأ حديثه وقتها، مقارنة بما أسمع منه مؤخراً. كلما حاولت تذكيره بكلامنا هذا، نهرني بقسوة.
هو أحد المؤمنين بفشل الربيع العربي. يكرّر دائماً أنّ الحديث عن ثورات عربية جديدة ليس إلا أضغاث أحلام، رافضاً رؤيتي التي هي على العكس تماماً؛ حيث أرى أنّ الربيع لم يأت بعد، وأن ما جرى ليس إلا مقدمات له.

في حوار قريب لنا، استعاد فجأة سخريته المريرة، وقال لي مستنكراً: هل تسمع عن فلسطين؟ هل تعرف متى تم احتلالها؟ هل تصدق أن هناك مساعي لإنهاء الاحتلال؟

قلت: لا أشك أن فلسطين ستتحرّر، وأن القادم أفضل لكل بلاد العرب. فانتفض غاضباً: كنت مثلك قبل عشر سنوات. الآن يهمني فقط أن أصل إلى أوروبا لأعيش وسط عائلتي.

المساهمون