10 نوفمبر 2024
سورية.. تقاسم نفوذ جديد
يسبق أردوغان جولاته الدبلوماسية مع حلفاء النظام السوري بنصرٍ ميداني للمعارضة، مدعوماً بالمدفعية التركية. كان فكّ الحصار عن حلب، قبل لقاء سان بطرسبورغ الذي جمع الرئيس التركي مع قيصر روسيا، وسبق تطهير مدينة جرابلس اللقاءَ المفترض لأردوغان مع الإيرانيين.
قبل بدء عمليته البرية، أرسل أردوغان رسائل غزل لروسيا والغرب، فدخل سورية من بوابة محاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما أمَّن له قبولاً أميركياً، دلل عليه نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عندما أكد على شراكة الأتراك أميركا في محاربة داعش.
وجود التنظيم المتطرف الذي يخشاه الغرب غطى شرارة الدخول الأولى، ومن ثم انطلقت الآليات التركية لتنفيذ خطط حكومة بلادها في إنشاء منطقةٍ خاليةٍ من الأكراد على حدودهم الجنوبية. أتى الإسناد الجوي من طائرات التحالف دلالةً على أن الموقف الأميركي داعم للعملية البرية، ولا بد أن قادة قوات سورية الديمقراطية الكرد تحسّسوا موافقة حليفهم الأميركي على العملية، منذ صارت القوات الكردية تتراجع سريعاً عن قرى جنوبي جرابلس، قريةً بعد قرية، قبل العودة الإجبارية إلى ما خلف الفرات، فالتوافقات الدولية الجارية تبدو صارمةً، وهي لم تخصّص للأكراد إلا الحسكة وعفرين، مفصولتين بحاجز بشري وعسكري سميك، يشغله عرب مدعومون تركياً.
يسيطر القلق على حاكم دمشق، وهو يترّقب خطوة الأتراك التالية، وعينه على الحليف الروسي الذي لا يتوقع منه خذلاناً. والمعلوم أن القرار السوري قد عُطِّل تماماً منذ احتلت البوارج الروسية موانئ طرطوس، وسلَّم بشار الأسد مصيره لطائرات السوخوي التي حطّت على الأراضي السورية في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول العام الماضي، فصارت روسيا صاحبة الكلمة العليا في أي حركةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ، قد يتخذها النظام. وفي حال اتفق الروس والأتراك على تسويةٍ تقول بالحل السياسي، لن يقوى جيش الأسد الهش، حتى مع المليشيات التي تسانده، على إبداء الرفض. ولا بد أن الروس قد فرضوا، أخيراً، تفعيل تقاربٍ بين الأتراك ونظام دمشق، يدلل عليه النشاط المفاجئ الذي أعلن عنه إسماعيل حقي تكين، النائب الحالي لرئيس حزب الوطن التركي، مع دمشق، في الفترة الأخيرة، فأجرى النائب خمس زيارات التقى خلالها الأسد وكبار مسؤوليه.
تصبح الخريطة الميدانية أكثر جلاءً، ويظهر دور الوساطات الدولية التي تحاول إرضاء جميع الأطراف السورية دفعةً واحدة، حين نتخيّل أن تسليم داريا للنظام جاء مقابل هزيمة عناصره في الدفاع الوطني أمام القوات الكردية في الحسكة، هذه القوات التي تخلت سريعاً عن جرابلس ومنبج، لصالح الجيش الحر. تدعم هذه النظرية حالةُ الثبات والأريحية التي رافقت عملية تطهير جرابلس، فلم نطالع خلالها صورَ جثثٍ محترقةٍ، أو مقتولةٍ ومكدسةٍ فوق بعضها، كما جرت العادة في أثناء سيطرة قوات جديدة على منطقةٍ ما، ولم تلتقط أية كاميرا مقاطع لجنود هاربين من المدينة، وأثيرت تساؤلاتٌ عن مآلات عناصر "داعش" المهزومين، وفيما إذا كانوا قد وصلوا إلى مدينة الباب، أو أنهم اتخذوا الطريق الأطول، وتحصنوا في عاصمتهم الرقة. والسؤال هنا عن قدرة تنظيمٍ مثل داعش، ليست البراغماتية العسكرية أحد أدواته، على الانخراط في الخطط الدولية المستجدة، وتنفيذ انسحاب سريع.
ما ورد من صور لجرابلس كان يُظهر حالة الأمن والسلام للجنود المحرّرِين للمدينة الحدودية، مستلقين بلا قلق على الأرصفة وفي الشوارع. ربما يُعزى هذا المشهد الوديع إلى طريقة تركيا في خوض المعارك، وكسبها من دون تخليق مشاهد رعب، تبثها صور الجثث، أو ربما كان بالفعل اجتياحاً أبيضَ لم تلوثه الدماء.
الحمى الدبلوماسية الراهنة تقلق نظام دمشق الذي أرسل وزير خارجيته، وليد المعلم، إلى بغداد، في زيارة خاطفةٍ لم يعلن عنها سابقاً، يرجَّح أن هدفها التقصّي عن صلاحية التحالف الاستراتيجي لدول محور "الممانعة"، والاطمئنان إلى أن النظام السوري لن يكون كبش تفاوضٍ في سوق المساومات القائم.
قبل بدء عمليته البرية، أرسل أردوغان رسائل غزل لروسيا والغرب، فدخل سورية من بوابة محاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما أمَّن له قبولاً أميركياً، دلل عليه نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عندما أكد على شراكة الأتراك أميركا في محاربة داعش.
وجود التنظيم المتطرف الذي يخشاه الغرب غطى شرارة الدخول الأولى، ومن ثم انطلقت الآليات التركية لتنفيذ خطط حكومة بلادها في إنشاء منطقةٍ خاليةٍ من الأكراد على حدودهم الجنوبية. أتى الإسناد الجوي من طائرات التحالف دلالةً على أن الموقف الأميركي داعم للعملية البرية، ولا بد أن قادة قوات سورية الديمقراطية الكرد تحسّسوا موافقة حليفهم الأميركي على العملية، منذ صارت القوات الكردية تتراجع سريعاً عن قرى جنوبي جرابلس، قريةً بعد قرية، قبل العودة الإجبارية إلى ما خلف الفرات، فالتوافقات الدولية الجارية تبدو صارمةً، وهي لم تخصّص للأكراد إلا الحسكة وعفرين، مفصولتين بحاجز بشري وعسكري سميك، يشغله عرب مدعومون تركياً.
يسيطر القلق على حاكم دمشق، وهو يترّقب خطوة الأتراك التالية، وعينه على الحليف الروسي الذي لا يتوقع منه خذلاناً. والمعلوم أن القرار السوري قد عُطِّل تماماً منذ احتلت البوارج الروسية موانئ طرطوس، وسلَّم بشار الأسد مصيره لطائرات السوخوي التي حطّت على الأراضي السورية في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول العام الماضي، فصارت روسيا صاحبة الكلمة العليا في أي حركةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ، قد يتخذها النظام. وفي حال اتفق الروس والأتراك على تسويةٍ تقول بالحل السياسي، لن يقوى جيش الأسد الهش، حتى مع المليشيات التي تسانده، على إبداء الرفض. ولا بد أن الروس قد فرضوا، أخيراً، تفعيل تقاربٍ بين الأتراك ونظام دمشق، يدلل عليه النشاط المفاجئ الذي أعلن عنه إسماعيل حقي تكين، النائب الحالي لرئيس حزب الوطن التركي، مع دمشق، في الفترة الأخيرة، فأجرى النائب خمس زيارات التقى خلالها الأسد وكبار مسؤوليه.
تصبح الخريطة الميدانية أكثر جلاءً، ويظهر دور الوساطات الدولية التي تحاول إرضاء جميع الأطراف السورية دفعةً واحدة، حين نتخيّل أن تسليم داريا للنظام جاء مقابل هزيمة عناصره في الدفاع الوطني أمام القوات الكردية في الحسكة، هذه القوات التي تخلت سريعاً عن جرابلس ومنبج، لصالح الجيش الحر. تدعم هذه النظرية حالةُ الثبات والأريحية التي رافقت عملية تطهير جرابلس، فلم نطالع خلالها صورَ جثثٍ محترقةٍ، أو مقتولةٍ ومكدسةٍ فوق بعضها، كما جرت العادة في أثناء سيطرة قوات جديدة على منطقةٍ ما، ولم تلتقط أية كاميرا مقاطع لجنود هاربين من المدينة، وأثيرت تساؤلاتٌ عن مآلات عناصر "داعش" المهزومين، وفيما إذا كانوا قد وصلوا إلى مدينة الباب، أو أنهم اتخذوا الطريق الأطول، وتحصنوا في عاصمتهم الرقة. والسؤال هنا عن قدرة تنظيمٍ مثل داعش، ليست البراغماتية العسكرية أحد أدواته، على الانخراط في الخطط الدولية المستجدة، وتنفيذ انسحاب سريع.
ما ورد من صور لجرابلس كان يُظهر حالة الأمن والسلام للجنود المحرّرِين للمدينة الحدودية، مستلقين بلا قلق على الأرصفة وفي الشوارع. ربما يُعزى هذا المشهد الوديع إلى طريقة تركيا في خوض المعارك، وكسبها من دون تخليق مشاهد رعب، تبثها صور الجثث، أو ربما كان بالفعل اجتياحاً أبيضَ لم تلوثه الدماء.
الحمى الدبلوماسية الراهنة تقلق نظام دمشق الذي أرسل وزير خارجيته، وليد المعلم، إلى بغداد، في زيارة خاطفةٍ لم يعلن عنها سابقاً، يرجَّح أن هدفها التقصّي عن صلاحية التحالف الاستراتيجي لدول محور "الممانعة"، والاطمئنان إلى أن النظام السوري لن يكون كبش تفاوضٍ في سوق المساومات القائم.