زادت الحرب الدائرة في سورية وما نجم عنها من حالات نزوح ولجوء، من حالات التعنيف التي تمارس بحق المرأة السورية، ضمن التعنيف الذي يمارس على جميع المدنيين السوريين وصولا إلى القصف والتهجير والاعتقال.
وظهرت أشكال عنف جديدة لم تكن شائعة في السابق كابتزاز وتهديد النساء مقابل المأوى أو العمل أو المال، وإجبار القاصرات على الزواج قسراً، إضافة إلى حالات التحرش والعنف الجنسي التي عانت منها نازحات في مراكز الإيواء واللجوء وعبر طريق الهجرة.
شهيرة "أم حسن" أم لثلاثة أطفال، تعيش في مدينة حلب، كانت معاناتها في السنوات الثلاث الماضية مضاعفة بسبب تعنيف زوجها، تقول السورية التي فقدت ولدها في غارة جوية العام الماضي: "كأنه لا يكفيني أنني فقدت أغلى من أملك، كل يوم أتمنى لو أنني أنا من مات. بدأت معاناتي قبل أربعة أعوام تقريباً حين بدأ زوجي يخسر ماله وعمله. تغيرت معاملته معي بشكل كبير، وبات يصب جام غضبه علي كأنني السبب، كان في بعض الأوقات يتحول إلى وحش".
وعن طرق التعنيف التي تعرضت لها، تقول شهيرة "في البداية كان الضرب والإهانات، بعدها بات يمنعني عن الخروج من المنزل، ورغم توسلاتي المستمرة أن ننزح من المنطقة بسبب الخطر إلا أنه يرفض. منعني من رؤية أهلي ولم أستطع رؤية أمي قبل أن تسافر، ولا أعرف إن كنت سأراها مجددا. حين يأتي الطيران إلى الأجواء يأخذ الأولاد ليحتموا في الطابق الأرضي ويمنعني من النزول بحجة وجود رجال".
وتضيف "أول واقعة ضرب كانت في سنة زواجي الأولى، كان عمري حينها 17 سنة، لجأت إلى والدي وتحدث معه حتى لا يكررها، لكن كل شيء تغير بسبب الحرب. أهلي اليوم لاجئون في أوروبا، وليس لدي سند هنا ولا قانون يحميني، يوماً بعد يوم تصبح تصرفاته جنونية أكثر، يوماً يحلق لي شعري ويوماً يطفئ أعقاب السجائر في يدي".
وصلت شهيرة مرحلة اليأس من استمرار الحياة. تقول "مع هذا القصف المتواصل أنتظر أن يموت أحدنا، سأرتاح في كلتا الحالتين".
كما لدى فاطمة التي لا يتعدى عمرها الـ20، والتي تعيش في العاصمة الألمانية برلين، تجربة مريرة، تقول "كنت أجهز نفسي للدراسة في الثانوية العامة، حين نزحنا من درعا إلى أحد مخيمات لبنان. حينها فقدت حلمي في دراسة الطب مع أني كنت متفوقة، عشنا أياماً صعبة في المخيم، لم يكن هناك حمامات أو شبكة مياه وكانت حوادث التحرش شائعة. في أحد الأيام حاول أحدهم التحرش بي في الحمام لكني أفلتّ منه. على أثر هذا الحادث أجبرني والدي على الزواج من صهيب الذي يكبرني بـ11 سنة. لم يكن لدي خيار الرفض؛ تزوجنا وقررنا أن نسافر إلى أوروبا بحراً، حين وصلنا اكتشفت أنني حامل بطفلة، مكثنا في مركز الإيواء قرابة 5 أشهر، كان يعاملني بطريقة مهينة منذ البداية".
وتضيف "لم يكن يسمح لي بالتحدث مع أي مساعدة اجتماعية في المركز، حين سمعني أتكلم مع إحداهن بالإنكليزية جن جنونه، وعاد إلى الغرفة وضربني بشكل مبرح وأجهضت الطفلة، بعد شفائي انتقلت إلى بيت منفصل، ولم أره منذ ذلك اليوم. طلبت الطلاق، وقالت لي المساعدة الاجتماعية إنه مسجون".
وتشدد "لن أسامح أحداً ممن ظلموني. لا النظام الذي حرمني من دراستي. ولا أهلي، ولا زوجي، كلهم مذنبون. في الواقع أنا محظوظة كوني هنا، في مخيمات لبنان تعنف النساء كل يوم دون أن يكترث بهن أحد".
من الناحية القانونية، تصف المحامية السورية شذى كيالي، القانون السوري بأنه قاصر عن حماية المرأة، وتضيف "من الناحية النظرية يعاقب القانون كل من يقوم باعتداء بدني أو معنوي على غيره. ويمكن للزوجة التقدم بشكوى مع إثبات تعرضها للتعنيف، لكن للأسف السوريات لا يستفدن بشكل جدي من هذا القانون بسبب ضغوط المجتمع، وهناك فجوات في القانون لا تنصف المرأة في حال حدوث طلاق مثلاً".
وتضيف "يمكن اعتبار القانون ظالماً للمرأة من ناحية العنف الجنسي الذي يمارسه بعض الأزواج. إذ لا يعترف القانون بالاغتصاب الزوجي، كما أنه يشرع تزويج القاصرات بموافقة أوليائهن، وينفرد بحق الطلاق للرجل، ويشرع القتل تحت بند ما يسمى بجرائم الشرف".
وتوضح كيالي أنه "على أرض الواقع هناك الكثير من المعوقات التي تمنع النساء من الاستفادة حتى من الحد الأدنى من الحقوق التي يمنحها القانون، ففي مناطق سيطرة النظام تعاني معظم المتعرضات للعنف من الفقر ما يمنعها من تحمل تكاليف الدعاوى القضائية. أما في مناطق سيطرة المعارضة فلا سلطة تشريعية حقيقية، وكل المحاكم القائمة هي محاكم شرعية تتبع فصائل عسكرية إسلامية متشددة تقوم بفرض قيود إضافية على النساء".