في مجموعتها الشعرية "ربع قرن من النظر" الصادرة حديثاً عن "الدار العربية للعلوم ناشرون"، تلجأ الشاعرة المغربية سكينة حبيب الله إلى الشعر كما لو أنّه مظلّتها الوحيدة تحت سماء شتاء غزير وقاسٍ.
لا يتعلق الأمر بسرد تفاصيل حياة شاعرة فحسب، بل بنقل تجربة تكاد تكون مشتركة بين كل الكائنات التي تجد نفسها فجأة ومن دون ترتيب مسبق عزلاء في مواجهة عالم موسوم بالعنف والشراسة.
تتجاوز الشاعرة تجربة "الديوان الأول"؛ لتعيد إلى أذهاننا، وفق اشتغال أدبي ناضج، تجارب الشاعرات اللواتي عبرن في تاريخ الكتابة عبر أطراف العالم، وتركنَ نصوصاً مؤثرة كانت وراءها طاقة كبيرة من مشاعر الكآبة والألم.
فما نجده ونحسه في "ربع قرن من النظر" ليس ذلك القلق أو الحزن الخفيف العابر الذي يؤدي وظيفة شعرية جمالية، والذي قد لا تكون منابعه هي التجربة الحيّة لمن يكتبه، بل نحن أمام حالة إنسانية عميقة تبدو فيها الكلمات هي الانعكاس الصادق لما تعيشه الشاعرة.
يحس القارئ أن هذه الشاعرة لا تملك من العالم سوى قصائدها التي تحرص على أن تكون مشحونة بحرارة الصدق، ثمة الكثير من الزهد والرغبة في التخلي عن كل ما يشوّش على الشعر، كل ما فعلته الشاعرة في مجموعتها هي أنها "قطفت دموع الأشجار" ووضعتها على الورق.
لا يستطيع قارئ مجموعة حبيب الله إلا أن يتفاعل مع هذه التجربة إنسانياً قبل كل شيء، هذا في ما يتعلق بالمضامين الحارة التي تحملها النصوص والتي يقف خلفها دفق من المشاعر الكبيرة. أما الجانب الشكلي والتقني، فالشاعرة تملك الكثير من الأدوات الفنية وتستخدمها بمرونة، إذ تراهن فضلاً عن المجازات والاستعارات والتشابيه على إبدالات دلالية تتوخى منها على الأرجح مفاجأة القارئ وتكسير أُطر تلقيه.
تحضر ثيمة الخذلان من نص لآخر، حيث الأقفال التي تتغير باستمرار، والحظ الذي يمر بالجوار من دون أن يلقي التحية، والحياة التي "كافأتنا بالكثير من الأبواب المقفلة"، والأشخاص الذين "قبل أن يغادروا/ كالخناجر استلوا المفاتيح من عيون الأبواب"، والأقرباء "ذوي القوى الخارقة" الذين "يطلبون منك مثلاً أن تغمض عينيك لثانيتين/ وحين تفتحهما/ تجد أنّ لا أثر لهم/ على الإطلاق"، والفرح الذي "كان قادماً/ مسرعاً ومرتبكاً باتجاهنا/ مثل دراجة هوائية في منحدر/ لكنه سرعان ما ترنّح في الهواء/ وتهشم/ على مقربة/ من أقدامنا".
في نص "لا جدوى"، تصل الشاعرة إلى حالة من الإحباط الذي يدفعها إلى التعاطف مع كلماتها اليائسة هي الأخرى، وهو إحساس يجعلنا نعيد طرح السؤال القديم عن وظيفة الشعر وجدواه، سيما في عالم ينأى بالتدريج عن القيم الشعرية نازحاً نحو العنف والشراسة والعبث. تقول الشاعرة: "وها أنتِ/ مثل نزيل بدار عجزة استيقظ وندم/ تجرجرين قدميك/ بين أروقة العالم/ وحيدة أيتها الكلمات/ وحيدة/ وقد خبا وميضك".