سفينة الشاهد تحمل يساريين وإسلاميين

23 اغسطس 2016

يوسف الشاهد شكل فريقاً حكوميا مقبولاً (3 أغسطس/2016/أ.ف.ب)

+ الخط -
أخيراً، أعلن يوسف الشاهد عن تركيبة حكومته، لكن ذلك لم يحظ باهتمام واسع من الرأي العام. بدا واضحا أن التونسيين أصبحوا، بعد توالي الحكومات ذات العمر القصير، غير عابئين بمن يصبح وزيراً أو بمن يرحل من هذه الوزارة أو تلك. أقصى ما يمكن أن يثير اهتمام بعضهم هو التعرّف عن الولاء الحزبي للأسماء الصاعدة أو النازلة، وحتى هذه المسألة فقدت طعمها لدى كثيرين. الأهم لدى عموم المواطنين: هل هناك احتمال، ولو ضعيف، لتحسّن أوضاعهم الاجتماعية والأمنية أم لا؟
إلى جانب عنصري التشبيب والحضور النسائي المكثف، يمكن القول إن الشاهد وفّق في تأسيس فريق حكومي مقبول من حيث الشكل، فهو لم يخضع لضغوط الأحزاب، وخصوصاً "نداء تونس" الذي سعى إلى الحصول على نصيب الأسد في حكومةٍ توصف بأنها "حكومة وحدة وطنية". وقد استعان لضمان ذلك بالرئيس الباجي قايد السبسي الذي يشكل حالياً أهم داعم له، على الرغم من تصاعد موجة الاحتجاجات حاليا من داخل الحزب ضد بعض التعيينات من خارج "الندائيين".
حتى المفاوضات مع حركة النهضة لم تكن وردية في جميع محطاتها، إذ لم يتردّد الشاهد في أن يدفع بالحركة نحو القبول بوزارات تقنية، وهو ما عكس رأياً سائداً في صفوف معظم الأوساط السياسية والنخب، يعتقد أصحابه أن الإسلاميين يتمتعون بقاعدة جماهيرية واسعة، لكنهم يفتقرون لخبرات عميقة في مجال إدارة شؤون الدولة، وخصوصاً في المسائل الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. لهذا، مارست قيادة حركة النهضة ضغوطاً فعلية، حتى لا يقع تهميشها، وحتى تؤكد أنها قادرة على تحمل أعباء بعض الوزارات، ذات الأبعاد الاستراتيجية.
حقّق يوسف الشاهد اختراقاً ملحوظاً للفضاء اليساري، وهو أمر يحتاج إلى وقفة. حاول منذ تكليفه بتشكيل الحكومة استدراج "الجبهة الشعبية" نحو المشاركة في السلطة، لكن حمى الهمامي، الناطق الرسمي للجبهة، رفض الفكرة من أساسها، اعتقادا منه أن هذه الحكومة ستكون بيد البنك الدولي. وفي خط موازٍ، عرض الشاهد على أحد قيادي حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد تحمل حقيبة وزارية، وكاد ذلك أن يتحقّق، بعد أن قبل منجي الرحوي مبدأ التفاعل مع فكرة المشاركة، لكن ضغوطاً قوية سلطت عليه جعلته، في الأخير، يرفض العرض. أخيراً، وجد الشاهد المدخل لاقتحام الساحة اليسارية، وإقناع جزء منها على الأقل بأهمية الإدارة المشتركة للحكم، في هذه المرحلة العصيبة.
حصل ذلك عن طريق حزب المسار الذي قبل رئيسه حقيبة وزارة الزراعة. وحزب المسار هو وريث الحزب الشيوعي التونسي الذي حل نفسه، وخضع لعدة تغييرات، شملت الاسم والمضمون. أما المدخل الثاني فكان في تعيين النقابي المعروف، عبيد البريكي، وزيرا للوظيفة العمومية، وهو الذي سبق له أن اشترك مع رفيقه، شكري بلعيد، في تأسيس حركة الوطنيين الديمقراطيين التي تعتبر حالياً إحدى الحلقات الرئيسية المكونة للجبهة الشعبية. وهكذا، تمكّن ما تعتبره الجبهة الشعبية اليمين السياسي من احتواء جزءٍ من العائلة اليسارية التي قبلت بضرورة التورط في عديد الإصلاحات الهيكلية التي يطالب بها البنك الدولي، وتتجه نحو مزيد الانفتاح الاقتصادي، والضغط على المكاسب الاجتماعية.
على الرغم من أن بعض من حصلوا على حقائب وزارية يمثلون خصوماً عقائديين للإسلاميين، ولحركة النهضة تحديدا، إلا أنهم سلموا الآن بأن الاشتراك مع الأخيرة في حكومة واحدة أصبح أمراً حتمياً لا مفر منه، كما اقتنعوا بأن الاستمرار في الصراخ والاحتجاج والدعوة إلى مقاطعة النهضويين، وتحميلهم مسؤولية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ليس منهجاً سليماً، ولن يحقق اليسار من ورائه أي نتيجةٍ تذكر. لهذا قبل هؤلاء أن يضعوا أيديهم في النار، وسيصبحون بذلك شركاء مع "النهضة" في قيادة المركب نفسه، الذي إن وصل إلى بر الأمان فقد نجا الجميع، وإن غرق المركب سيغرق معه الجميع.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس