رسالة لن تصل إلى عامل النظافة

21 مايو 2015
عمل للفنان أسامة دياب
+ الخط -
في البداية لا ألومك يا عزيزي عامل النظافة أو "الزبال" على تأديتك عملك، وبالطبع لا أقصد إهانتك أو التقليل من شأنك بلفظة زبال، فأنت لا تعلم بأنني كنت صاحب ميول يسارية في شبابي المبكر، مازالت بقايا منها عالقة في وجداني لم أستطع أن أتخلص منها بالكلية، فلا مجال للظن بي هكذا ظن، لكن أنت تعلم أن هذا هو ما تعارف عليه سكان الشقق على منادتك به، وأنا لم أعد ذلك الشاب العشريني المفعم بالحماس للأشياء أو رفضها.

على أية حال لنتجاوز هذه النقطة غير الأساسية في موضوعنا، واسمح لي أن أعاتبك لأنك في النهاية تزعجني كل صباح بطرقاتك العنيفة على الباب بنفس طريقة ضباط البوليس المثيرة للأعصاب، كلما هممت بأن أنام أو بأن أعيد ترتيب محطات التلفزيون.

ست طرقات متقطعة قبل أن تفكر بالانصراف محملاً بخيبة الأمل بدلاً من أكياس القمامة، يدفعني إصرارك الدائم على إصابتي بالتوتر أو إيقاظي للتساؤل بحيرة عن، لماذا لا تبادر بالانصراف مبتهجاً بعد الطرقة الأولى وعدم إجابتي عنها، ولن يلومك أحد على ذلك. ماذا تنتظر أن تجد في تلك الأكياس السوداء اللعينة؟

ربما تنتظر جنيهات إضافية غير تلك الخمسة التي تتقاضاها في أول كل شهر؟ لكن هل تتذكر تلك المرة التي فتحت لك فيها وابتسمت في وجهك وطلبت منك سيجارة؟

ربما تنتظر أن تجد كنزاً في الأكياس السوداء؟ في لحظة من لحظات العبث أعطيتك رواية الخيميائي بدلاً من أجرتك الشهرية، وصرخت في وجهك بأن تقرأها لتعرف أنه لا توجد ثمة كنوز في أكياس القمامة وأن الكنز في الرحلة وتكف عن المجيء والطرق على رأسي.

صدقني لم أكن أهدف للسخرية منك، لكني لا أفهمك، أحيانا تأتي في غير موعدك أو تغير من طريقة طرقك المعتادة أثناء انتظاري لمن لا يأتون، فأسارع لفتح الباب بكل لهفة الدنيا لعل الطارق تكون فتاة عابرة ووحيدة مثلي هاربة للتو من إحدى روايات إحسان عبد القدوس أو من فيلم بالأبيض والأسود تبحث عن الحب وضلت طريقها إلي. لكنني أجدك أنت في كل مرة أمامي أشعر بأنك تهزأ بي مما يضاعف من خيبة أملي ويزيد من حنقي عليك. لعلك أنت، أيضاً، في كل مرة تنتظر أن يفتح لك الباب شخص غيري يبادلك ابتسامتك البلهاء التي لا تتبدل ولا أستطيع أن أحدد من خلالها فيما تفكر أو بماذا تشعر وأنت تؤدي عملك اليومي الممل بكل هذا النشاط والمثابرة؟

هل يشعرك هذا العمل بأهميتك في الدنيا لذلك تثابر على إيقاظي؟

هل تشاهد التلفزيون كثيراً؟ هل تستمع إلى مقدمي البرامج السخفاء وهم يثنون على عملك ويشيدون بالدور الذي تقوم به، أنت، وزملاؤك؟ يفهمونك بأننا لا نستطيع أن نعيش بدونك؟ تصدقهم؟

لكن سكان مدينتنا لا يبالون بكلام مقدمي البرامج ولا يأخذونه على محمل الجد، يصغون بآذان شاردة لعلمهم بأنهم مجرد ببغاوات لا يقدرونك بما يكفي، ولا ينتظرون حضورك في الصباح بفارغ الصبر، ويلقون بكنوزك السوداء من أعلى لتنهشها قطط الشوارع الضالة وكلابها في أنصاف الليالي.

(مصر)
المساهمون