21 مارس 2018
ربيع خليجي أم مؤامرات استبدادية؟
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
توقع الخبراء أن يتأخر ربيع الخليج عن ربيع العرب المنصرم 2011، أو أن يكون له شكل آخر، مع تحفظي على مفردة ربيع، استنادا إلى تاريخ مؤلم، تحول معه نضال الشعوب إلى خريف عربي أسود تصرم نباته، واحترق بفعل فاعل في ثورات مضادة، تنافي الثورات الشعبية بخيانات دولية، بل وعربية مضاعفة.
عند تحليل الحَراك في الشأن الخليجي، غالبا ما تحمل تساؤلات الخبراء الغربيين عناوين مغايرة لأدبيات الربيع العربي. لذلك تساءل الباحثان بيرتي وجوزانكسي في دراستهما في أوربيس سؤالا جوهريا "الممالك الخليجية في شرق أوسط متغير، هل الربيع الخليجي ما زال بعيدا؟". وعند المقارنة، رأيا أن دول الخليج بوصفها "النفطية الغنية" حالة مختلفة جدا، خصوصا وأنها مبنية على بنى اقتصادية قوية وأنظمة حكومية، اعتمدت دساتيرها على الملكيات الوراثية القائمة على الولاء المباشر والطاعة للحاكم، على الرغم من أنهما أشارا إلى بوادر في بعض دوله منذ العام 2011، لم تكن من بينها قطر، بل دول الحصار الخليجية التي سجلت في تقارير منظمة العفو الدولية والتقرير السنوي لحقوق الإنسان انتهاكات عدة لحقوق الإنسان، تبعتها اعتقالات في سجون تتم منذ عام 2011، واشتدت في بعض دوله عام 2013، مثل دولة الإمارات.
ولربما تأثر ناشطون خليجيون بـ "الثورات العربية"، فجاءت نداءات للظهور الميداني على "تويتر" و"فيسبوك" مطلع 2011، بينما شهد بعضها نزولا لمطالبات بإصلاحات اجتماعية واقتصادية، باستثناء بوادر حركات سياسية مشابهة للربيع العربي، لتغيير بعض أنظمة الحكم في الخليج، شجّع ظهورَها عاملان: التأسي ببواكير نجاح تجربتي تونس ومصر، والأرضية الخصبة في بعض التحرّكات "الطائفية" في بعض دوله، كما هو الحال في البحرين في اعتصام اللؤلوة، في 14 فبراير/ شباط 2011، واعتصام العوامية في إقليم الإحساء في السعودية، في العام 2011.
في كل الدول الخليجية، تم تجاوز كل فصول التظاهر بتفاوت بين دولة ودولة، طوعا أو كرها، ففشلت نداءات الثورات بسبب الاستقرار الاقتصادي والسياسي، أو بإجراءات احترازية مسبقة بإغداق استحقاقات شعبية أو بتحقيق مطالب إصلاحية أو زيادة تمثيل أو مقاعد لبعض الفئات في المجتمع. وإما لأن بعضها لم تكن ذات أرضية سياسية-اقتصادية واجتماعية خصبة لربيعٍ، كتلك الدول التي رزحت شعوبها تحت خط الفقر والظلم الاجتماعي والاستبداد. ليس لأنها لا تقاس عليها، ولكن للأسباب آنفة الذكر، يضاف إليها أيضا أن دول الخليج لا تعترف بخط للفقر، ولا تسميه، حتى لا يقاس نصف المجتمع أو ربعه على أنه فقير في بعض دوله، في ظل شحّ الرواتب والظلم الاجتماعي وعدم العدالة في توزيع الثروة ومصادر الإنفاق الحكومي في حرج وعدم شفافية، وهي الموصوفة بأنها غنية و"نفطية". ما حدا ببحوث الغرب إلى أن تخوض في تحليلات سياسية عميقة عن مدى تحقيق مطالب الشعوب الإصلاحية، كما ذكر الباحثان أوتاواي ومروان مشهر في Marina Ottaway and Marwan Muasher, Arab Monarchies: Chance for Reform, Yet Unmet (Washington, DC: Carnegie Endowment for International Peace 2011).
كما فشلت في مرات أخرى، بسبب قمع المطالبات الشعبية كرها تحت قوات ردع من نوعين: الردع القانوني، حتى على مستوى حرية الرأي والتعبير الإلكتروني، بتصعيد عقوبات التجريم الإلكتروني، كما حدث في العامين 2012 و2013، في كل من السعودية والإمارات، وبإدانات وايداعات في سجون استباقية، لإجهاض أي دعوة بتهم مطاطية غير واقعية، حتى لو كانت لمجرد الميول أو اعتناق فكر، تبعها تجريم حزب ديني ونعته بالإرهاب، مثل الإخوان المسلمين، كما حدث في الإمارات، عندما سجن 93 شخصا، بينهم مثقفون وقانونيون في العام 2013، ودونت وقائع هذا كله منظمة العفو الدولية وتقارير حقوق الإنسان والبحوث، كما جاء لدى سيلفيا كولمبو في Silvia Colombo, "The GCC countries and the Arab Spring: Between Outreach, Patronage and Repression," (Rome Istituto Affari Internazionali, 2012).
الثاني ردع عسكري لمظاهرات ميدانية، كما حدث في إعادة الأمن للبحرين في 2011، بقوات الدرع الخليجي، بموجب اتفاقيات دفاع مشتركة، تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي.
لذلك، حافظ الخليج على نظامه، على الرغم من حراك شعوبه ضد بعض أنظمة حكمه القمعية الاستبدادية، المتأثرة بإفرازات الربيع العربي، في جرأة الخطاب ونزول الشارع، وما ضمنته التكنولوجيا وتطوراتها فوق إرادة أنظمة القمع من تمكين شعبي في الإعلام الاجتماعي. وعندما لم يسقط حاكم، ولم يتغير نظام أي حكم خليجي، كان التعبير في الأدبيات "تجمّد ربيع الخليج". وعلى منواله جاء تعبير الباحثة ماري تيترولت "شتاء الربيع العربي في الممالك الخليجية".
هكذا استتب الوضع في الخليج، على الرغم من غليان شعوب بعض دوله. ولكن يبدو أن دول الحصار، بمحاولتها إبعاد بوادر مطالبات إصلاحية شعبية فيها، قامت حكوماتها بإلهاء شعبها بافتعال أزمات خارجية خوفا على الأنظمة القائمة فيها، وتمهيدا لتغييرات سياسية داخلية كبرى، لم تكن البحرين والإمارت والسعودية مهيئين لها قانونيا ودستوريا، والتي حتما ستجر غضبا شعبيا وربيعا ثائرا.
وكما حرقت هذه الدول ربيعا تلقائيا طبيعيا في دول أخرى، بتغذية الثورات المضادة، عرّضت فيها شعوب تلك الدول للقتل ودولها للدمار، فإنها قامت بإجراءات احترازية مسبقة، لتقضي على أي وعي، إن لم نقل حراكا شعبيا قبل أن يقضى على حكوماتها. لذلك حصّنت نفسها فوق القمع الداخلي والتكميم بالهجوم الجائر، ولعلّ حصارها قطر، والمحاولات الانقلابية المتواترة الفاشلة على حكومتها الصلبة المستقرة يختصر خوف هذه الدول الهشّة داخليا من ربيع خليجي تلقائي قادم، متوقع من شعوبها على أنظمتها في "الإسقاط السياسي" على غيرها، بـ "ألغام مستزرعة
سياسيا وإعلاميا"، اتقاءً لوصول العدوى الثورية العربية إلى عتبة منزلها المكسورة سلفا، والتي كانت منها قاب قوسين أو أدنى. والدليل أنه حتى التكنولوجيا لم تسلم من توظيفها في ثورات مضادة بجيوش إلكترونية على "تويتر" وأخواته، ليس ضد قطر فقط، بل ضد شعوب دول هذه الثورات المضادة.
أما "مجلس التعاون" كما يطلق عليه! والدرع الخليجي المشترك كما يزعمون! فهو المجلس نفسه الذي يكيل اليوم بمكيالين لبعض دوله، بل يستخدم درعه العسكري سلاحا مرتدا على بعضه، أعني على قطر فقط، ليقضّ أمنها بأداته نفسها التي استخدمها للدفاع عن البحرين في العام 2011، ليكون درعا، وعلى قطر ليكون ردعا من دون عودة إلى النظام الأساسي فيه، أو اعتبار للقوة الجمعية التي تمثله، أي بإلغاء لسيادة ثلاث دول حصيفة فيه. ولعل هذا ما حدا بالباحثين إلى الوقوف مذهولين، لأنه خالف كل التوقعات لذلك، وكما ذكرت كريستين دايوان في دراسة لها، نشرها مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي معهد دراسات الخليج العربي "النظام الوراثي الجديد في دول الخليج العربي"، إن "الغرب يحتاج لأن يضع دليلا سياسيا جديدا".
ما يحدث في الخليج ليس ربيعا، بل لعبة سياسة كبرى بتجزئة للخليج، وتفتيت لوحدته، بلاعبين خليجيين متواطئين هم أنفسهم أدوات الثورات المضادة التي انتهكت حقوق شعوب هؤلاء، بمصالح وأداور قسمت سلفا.. إنها المؤامرة متعدّدة الأطراف التي سيجر صانعوها أطراف الندم قبل غيرهم.
Twitter: @medad_alqalam
عند تحليل الحَراك في الشأن الخليجي، غالبا ما تحمل تساؤلات الخبراء الغربيين عناوين مغايرة لأدبيات الربيع العربي. لذلك تساءل الباحثان بيرتي وجوزانكسي في دراستهما في أوربيس سؤالا جوهريا "الممالك الخليجية في شرق أوسط متغير، هل الربيع الخليجي ما زال بعيدا؟". وعند المقارنة، رأيا أن دول الخليج بوصفها "النفطية الغنية" حالة مختلفة جدا، خصوصا وأنها مبنية على بنى اقتصادية قوية وأنظمة حكومية، اعتمدت دساتيرها على الملكيات الوراثية القائمة على الولاء المباشر والطاعة للحاكم، على الرغم من أنهما أشارا إلى بوادر في بعض دوله منذ العام 2011، لم تكن من بينها قطر، بل دول الحصار الخليجية التي سجلت في تقارير منظمة العفو الدولية والتقرير السنوي لحقوق الإنسان انتهاكات عدة لحقوق الإنسان، تبعتها اعتقالات في سجون تتم منذ عام 2011، واشتدت في بعض دوله عام 2013، مثل دولة الإمارات.
ولربما تأثر ناشطون خليجيون بـ "الثورات العربية"، فجاءت نداءات للظهور الميداني على "تويتر" و"فيسبوك" مطلع 2011، بينما شهد بعضها نزولا لمطالبات بإصلاحات اجتماعية واقتصادية، باستثناء بوادر حركات سياسية مشابهة للربيع العربي، لتغيير بعض أنظمة الحكم في الخليج، شجّع ظهورَها عاملان: التأسي ببواكير نجاح تجربتي تونس ومصر، والأرضية الخصبة في بعض التحرّكات "الطائفية" في بعض دوله، كما هو الحال في البحرين في اعتصام اللؤلوة، في 14 فبراير/ شباط 2011، واعتصام العوامية في إقليم الإحساء في السعودية، في العام 2011.
في كل الدول الخليجية، تم تجاوز كل فصول التظاهر بتفاوت بين دولة ودولة، طوعا أو كرها، ففشلت نداءات الثورات بسبب الاستقرار الاقتصادي والسياسي، أو بإجراءات احترازية مسبقة بإغداق استحقاقات شعبية أو بتحقيق مطالب إصلاحية أو زيادة تمثيل أو مقاعد لبعض الفئات في المجتمع. وإما لأن بعضها لم تكن ذات أرضية سياسية-اقتصادية واجتماعية خصبة لربيعٍ، كتلك الدول التي رزحت شعوبها تحت خط الفقر والظلم الاجتماعي والاستبداد. ليس لأنها لا تقاس عليها، ولكن للأسباب آنفة الذكر، يضاف إليها أيضا أن دول الخليج لا تعترف بخط للفقر، ولا تسميه، حتى لا يقاس نصف المجتمع أو ربعه على أنه فقير في بعض دوله، في ظل شحّ الرواتب والظلم الاجتماعي وعدم العدالة في توزيع الثروة ومصادر الإنفاق الحكومي في حرج وعدم شفافية، وهي الموصوفة بأنها غنية و"نفطية". ما حدا ببحوث الغرب إلى أن تخوض في تحليلات سياسية عميقة عن مدى تحقيق مطالب الشعوب الإصلاحية، كما ذكر الباحثان أوتاواي ومروان مشهر في Marina Ottaway and Marwan Muasher, Arab Monarchies: Chance for Reform, Yet Unmet (Washington, DC: Carnegie Endowment for International Peace 2011).
كما فشلت في مرات أخرى، بسبب قمع المطالبات الشعبية كرها تحت قوات ردع من نوعين: الردع القانوني، حتى على مستوى حرية الرأي والتعبير الإلكتروني، بتصعيد عقوبات التجريم الإلكتروني، كما حدث في العامين 2012 و2013، في كل من السعودية والإمارات، وبإدانات وايداعات في سجون استباقية، لإجهاض أي دعوة بتهم مطاطية غير واقعية، حتى لو كانت لمجرد الميول أو اعتناق فكر، تبعها تجريم حزب ديني ونعته بالإرهاب، مثل الإخوان المسلمين، كما حدث في الإمارات، عندما سجن 93 شخصا، بينهم مثقفون وقانونيون في العام 2013، ودونت وقائع هذا كله منظمة العفو الدولية وتقارير حقوق الإنسان والبحوث، كما جاء لدى سيلفيا كولمبو في Silvia Colombo, "The GCC countries and the Arab Spring: Between Outreach, Patronage and Repression," (Rome Istituto Affari Internazionali, 2012).
الثاني ردع عسكري لمظاهرات ميدانية، كما حدث في إعادة الأمن للبحرين في 2011، بقوات الدرع الخليجي، بموجب اتفاقيات دفاع مشتركة، تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي.
لذلك، حافظ الخليج على نظامه، على الرغم من حراك شعوبه ضد بعض أنظمة حكمه القمعية الاستبدادية، المتأثرة بإفرازات الربيع العربي، في جرأة الخطاب ونزول الشارع، وما ضمنته التكنولوجيا وتطوراتها فوق إرادة أنظمة القمع من تمكين شعبي في الإعلام الاجتماعي. وعندما لم يسقط حاكم، ولم يتغير نظام أي حكم خليجي، كان التعبير في الأدبيات "تجمّد ربيع الخليج". وعلى منواله جاء تعبير الباحثة ماري تيترولت "شتاء الربيع العربي في الممالك الخليجية".
هكذا استتب الوضع في الخليج، على الرغم من غليان شعوب بعض دوله. ولكن يبدو أن دول الحصار، بمحاولتها إبعاد بوادر مطالبات إصلاحية شعبية فيها، قامت حكوماتها بإلهاء شعبها بافتعال أزمات خارجية خوفا على الأنظمة القائمة فيها، وتمهيدا لتغييرات سياسية داخلية كبرى، لم تكن البحرين والإمارت والسعودية مهيئين لها قانونيا ودستوريا، والتي حتما ستجر غضبا شعبيا وربيعا ثائرا.
وكما حرقت هذه الدول ربيعا تلقائيا طبيعيا في دول أخرى، بتغذية الثورات المضادة، عرّضت فيها شعوب تلك الدول للقتل ودولها للدمار، فإنها قامت بإجراءات احترازية مسبقة، لتقضي على أي وعي، إن لم نقل حراكا شعبيا قبل أن يقضى على حكوماتها. لذلك حصّنت نفسها فوق القمع الداخلي والتكميم بالهجوم الجائر، ولعلّ حصارها قطر، والمحاولات الانقلابية المتواترة الفاشلة على حكومتها الصلبة المستقرة يختصر خوف هذه الدول الهشّة داخليا من ربيع خليجي تلقائي قادم، متوقع من شعوبها على أنظمتها في "الإسقاط السياسي" على غيرها، بـ "ألغام مستزرعة
أما "مجلس التعاون" كما يطلق عليه! والدرع الخليجي المشترك كما يزعمون! فهو المجلس نفسه الذي يكيل اليوم بمكيالين لبعض دوله، بل يستخدم درعه العسكري سلاحا مرتدا على بعضه، أعني على قطر فقط، ليقضّ أمنها بأداته نفسها التي استخدمها للدفاع عن البحرين في العام 2011، ليكون درعا، وعلى قطر ليكون ردعا من دون عودة إلى النظام الأساسي فيه، أو اعتبار للقوة الجمعية التي تمثله، أي بإلغاء لسيادة ثلاث دول حصيفة فيه. ولعل هذا ما حدا بالباحثين إلى الوقوف مذهولين، لأنه خالف كل التوقعات لذلك، وكما ذكرت كريستين دايوان في دراسة لها، نشرها مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي معهد دراسات الخليج العربي "النظام الوراثي الجديد في دول الخليج العربي"، إن "الغرب يحتاج لأن يضع دليلا سياسيا جديدا".
ما يحدث في الخليج ليس ربيعا، بل لعبة سياسة كبرى بتجزئة للخليج، وتفتيت لوحدته، بلاعبين خليجيين متواطئين هم أنفسهم أدوات الثورات المضادة التي انتهكت حقوق شعوب هؤلاء، بمصالح وأداور قسمت سلفا.. إنها المؤامرة متعدّدة الأطراف التي سيجر صانعوها أطراف الندم قبل غيرهم.
Twitter: @medad_alqalam
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
مريم الخاطر