"كوشنر غيت"

07 مارس 2018
+ الخط -
بعد فضيحة ووترغيت في العام 1972، تعود السلطة الرابعة مجددا إلى الضوء، فالفضائح المالية والسياسية لبيت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى، لتتعرى الحقائق.
اعتمادا على تقارير استخبارية، فجرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، مجددا، فضيحة تتعلق بصهر ترامب ومستشاره السياسي، جاريد كوشنر، حيث كشفت عن تفاهمات بينه وبين أربع دول (الإمارات والصين وإسرائيل والمكسيك)، تقتضي مقايضة المال بالسياسة، فتستفيد سياسياً حين يستفيد مالياً، هو وأسرته التي تعاني أزمة ديون متراكمة في سوق العقارات. حاول، في ظلّ تعثر شركة العائلة العقارية، استغلال منصبه واقتراض أموال من البنوك والسعي إلى التعافي بقرض، وطلب من دولة قطر الاستثمار في مبنى له في نيويورك، إلا أنها رفضت طلبه، الأمر الذي بدا سبب معاداته قطر، والوقوف مع دول الحصار ضدها، وفق تقرير نشرته "daily intelligencer"، وأكدته "CBNC NEWS" في برنامج لها في 2 مارس/ آذار الجاري. ولكن لأي سبب؟ السؤال الأصح: لأي ثمن قبضه كوشنر من غيرها بالتأكيد؟
أشارت التقارير إلى قلة خبرة كوشنر السياسية، والحقيقة الماثلة التي تضاف إلى ذلك هي 
التواطؤ لاستخدام المال في سبيل تحقيق المآرب الشخصية والسياسية، الأمر الذي دفع عضو الكونغرس، تيد لو، في تغريدة له فور نشر التقرير في 27 فبراير/ شباط الماضي، إلى أن يدعو إلى طرده، لو ثبتت صحة ذلك، وليس فقط بالتقليل من مستوى تصريحه الأمني. وعلى حد تعبير مقدم برنامج "This week" في "ABC": "إذا كان الوقوف مع السعودية والإمارت ومحاصرة قطر يشكل خطرا على المصالح الأميركية لحماية مصالح كوشنر المالية، على كوشنر أن يرحل، وهذا يمثل كل الدلائل الكافية لإحداث تغيير في البيت الأبيض.
الملفت أن كوشنر هو المكلف بملف مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. ولكن يبدو أن ما قبضه من مال من معزبيه يجعلنا نتساءل: عن أي سلام نتحدث؟ فقد تفاقمت الفوضى لتعم المنطقة برمتها، بمجرد أن وطئت قدما كوشنر وزوجته ووالدها أرض الجزيرة العربية، لتتآخى الصفقة الأميركية الخليجية في الجزيرة العربية مع "صفقة القرن".
لم يدم ذلك طويلا، حتى قرّر مدير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، تغيير نظام التصاريح، ومنع كوشنر من حضور اجتماع الإيجاز المخابراتي اليومي المصنف "سرّيا للغاية"، وهو قرار وصفه الأميركيون أنفسهم بأنه فضيحة جديدة أفقدت كوشنر "مصداقيته" أمام محاوريه في الشرق الأوسط.
وحسب ما نقلته "سي إن إن"، ما زال مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضا يحقق في إحدى الصفقات التجارية لزوجة كوشنر، إيفانكا ترامب، الأمر الذي حدا بالأخير الطلب من جون كيلي دفع ابنته إلى مغادرة البيت الأبيض، والسبب كوشنر وفقا لصحيفة نيويورك تايمز التي ذكرت أيضا أن المحقق الخاص، روبرت مولر، وسّع تحقيقه بعد التورط الروسي إلى دور محتمل لتورّط الإمارات في شرائها التأثير على صناعة القرار الأميركي، من خلال دور جورج نادر، مستشار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ووجود شهود على انعقاد اجتماعاتٍ غير رسمية بين بن زايد وترامب، فضلا عن توجيه الإمارات أموالا لدعم ترامب في حملته الانتخابية في مقابل دعمه سياسات الإمارات في المنطقة، ودعم الإمارات تنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد في السعودية.
وحسب "سي إن إن"، تبين أن السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، هو الذي كتب مسودة الخطاب لترامب، والذي ذكر فيه أن قطر تدعم الإرهاب. أضف إلى ذلك ما نشرته "بي بي سي"، الاثنين الماضي، من تسريب رسائل بريد إلكتروني، كشفت عن تورّط الإمارات في تجييش لوبي ضد وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، لتنحيته، وإبعاده من منصبه، بسبب عدم دعمه الإمارات العربية المتحدة في موقفها ضد دولة قطر.
وللتذكير بعلاقة ترامب بالأحداث في الخليج، أخيرا، فان مايكل وولف ذكر، في كتابه "النار والغضب"، تفاخر ترامب أمام أصدقائه، بعد تقليد ولي العهد السعودي الجديد، بأنه وصهره قد رتبا انقلابا في السعودية، قائلين: "لقد وضعنا رجلنا في القمة".
أصبحت كل هذه الفضائح خبطات الصحافة الأميركية ذات البعد الإجرائي السياسي، والمطالبات النيابية في الكونغرس الأميركي، بل والقضائي. لذلك أوردها هذا المقال، كما جاءت من مصادرها بالذكر، إذ عادت لتذكرنا بما شهدته الولايات المتحدة، عندما اضطر الرئيس الجمهوري، ريتشارد نيكسون، في 1974 إلى الاستقالة، بعد تحقيق استقصائي معزّز بالوثائق، نشره الصحافيان، بوب ودوورد وكارل برنتشاين، في "واشنطن بوست"، فيما عرف بفضيحة ووترغيت، خصوصا وأنه، بعد ثبوت تورط جهات كبرى في القضية، وشمول التحقيق طاقم البيت الأبيض، أقال الرئيس نيكسون اثنين من كبار مستشاريه، بسبب علاقتهما بالقضية، ما زاد التشكك فيه. وعندما بثت جلسات الاستماع في القضية على التلفزيون، تدهورت شعبية نيكسون فاستبق الإقالة باستقالته.
تلك هي قوة السلطة الرابعة. وما خفي أعظم! فالتورط والتواطؤ اليوم على مستوى دولي، وليس محليا فقط، في انتهاك استحقاقات الشعب الأميركي في انتخابات عادلة ونزيهة، تورط فيها كوشنر لترامب في تدخل روسي للحملة، ثم تبين ما يشير إلى دعم إماراتي في الحملة الانتخابية نفسها.. هذا وما زالت التحقيقات جارية.
وإذا كان الأميركان يسمون فضيحة ووترغيت، واستقالة نيكسون على إثرها، "أمّ الفضائح 
الأميركية السياسية"، فإن فضيحة "كوشنر غيت" هي أبوها، بل هي أعمق، فيجب أن يلتفت الشعب الأميركي إلى قوته في ممارسة حقه في توجيه السلطة الرابعة، بموجب التعديل الأول في الدستور الأميركي، خصوصا وسط قراءات الخبراء واستشراف المستقبل الأميركي. وقد تحدث محامي البيت الأبيض في "ووترغيت"، جون دين، عن "التشابه بين تحقيق مولر بشأن ما إذا كانت حملة ترمب تآمرت مع التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة عام 2016 وما حدث أيام نيكسون، فـ"ووترغيت" بدأت باقتحام مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية ووضع أجهزة تنصت، في حين أن "روسيا -غيت" بدأت بالتسلل الخارجي إلى حواسيب اللجنة الوطنية الديمقراطية". ولكن اختلافا عنا بين عصرين، تاريخي ورقمي، وسلطتين هما الرابعة والخامسة.
وقد أشار دين، فيما نقلت عنه "الديلي تلغراف" البريطانية، إلى أمر حرّي بالانتباه، وهو أن "ترامب أكثر خطرا من نيكسون"، فوصف نيكسون بأنه "كفؤ مخادع"، وترامب بأنه "عاجز مخادع"، وان التحقيق الذي يجريه مولر حاليا سيكون أكثر ضررا على الولايات المتحدة من فضيحة نيسكون، وكأنه يذكرنا بالمثل "عدوّ عاقل خير من صديق جاهل".
فهل سيشهد شعب البيت الأبيض والكونغرس احتجاجاً على من يقوده أو محاسبة من قيل إنه أعطوه أصواتهم؟ أم سيشهد، هو مثل معزبيه من بعض تجّار الحروب الخليجيين، قيادة ثورة مضادة على الدستور الأميركي والقيم الأميركية، وحق الشعب الذي نصّبه؟ وهل ستكون "كوشنر غيت" فضيحة القرن؟
Twitter:@medad_alqalam
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
مريم الخاطر

كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.

مريم الخاطر