أنت طالق

21 مارس 2018
+ الخط -
لا يستغرب أحدٌ في هذا الزمن إذا صدر على امرأة حكمُ طلاق في تغريدة على "تويتر"، المهم بعدئذ أن نسأل في حكم الشرع، هل يجري الطلاق على "تويتر" أم لا؟ زمن أغبر.
هكذا طلّق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وزير خارجيته ريكس تيلرسون، بتغريدةٍ على تويتر مفادها: "أنت مفصول". والحديث هنا في السياسة، وأي سياسة؟ إنها السياسة في عصر "تويتر" you are fired".. سياسة غريبة غدت محطة لترند في الوسوم وكاريكاتيرات، سخر منها كاريكاتير صحيفة الإيكونوميست بأنها غير تقليدية وغير تنبؤية، بل تخضع لمزاجية ترامب، وهو الموصوف بإدارة متهورة جامحة. وأشار الكاريكاتير إلى سبب إقالة تيلرسون، برسم صورة لترامب معصوب العينين، في إشارة إلى ما أراده الرسام من معنى توجيهه هذه الجملة التي طرحها الرئيس على تيلرسون "He didn’t see the thing the way I do".
ليس الحديث هنا عن إقالة من، أو عن تعيين من، في البيت الأميركي. ليس عن مدى توافق تيلرسون مع ترامب من عدمه في أي ملف، سواء كان نووي إيران أو كوريا أو موضوع روسيا أو الخليج، إذ نؤمن بأن ذلك شأن داخلي أميركي، على الرغم من أن التاريخ والتصوير يعيد إلى ذاكرتنا عصر الطغاة، ويذكّرنا بفرعون، عندما استخفّ قومه وأطاعوه، ثم قال لهم: "لا أريكم إلا ما أرى".
وصف الأميركيون أنفسهم تلك الطريقة بأنها إهانة لا تليق، وتغيير خشن لشخص في ثقل 
تيلرسون، حيث وصفت الدوائر الإعلامية الأميركية ودبلوماسيون عديدون، خبَروا وزير الخارجية المقال، والتقوا به، بأنه كان بمثابة "ضرس العقل" في إدارة ترامب. ولكن ما يدعونا إلى الوقوف عليه هو الطريقة التي طلّق بها رئيس دولة وزيراً في حكومته، فيما ينافي الأعراف الإدارية الحاكمة محليا، ومن ثم طلقه على ملأ دولي، وكأنه خصم لدود، لا يريد التواصل معه مباشرة عبر الطرق الرسمية المحترمة، حتى لو تبيّن أن تيلرسون وترامب لا يفضلان بعضهما بعضا على المستوى الشخصي، ولم يلتقيا وجهاً لوجه إلا نادرا، كما ذكرت "التلغراف" البريطانية.
فضّل الرئيس فصل الوزير سياسيا عبر "تويتر"، الذي وجده الأسرع تداولا محليا وعالميا، أو الأقوى في عرف تكوين شخصية خاصة به، في ممارسة سياسية يريد تكريسها عنه، في وقت تداعي ملفات التحقيق ضده داخليا، فضلا عن رغبته في توجيه رسائل خارجية. وقد نقلت "واشنطن بوست" عن مصدر مسؤول في الخارجية الأميركية قوله، إن كبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، نبه تيلرسون، في اتصال بينهما، يوم الجمعة قبل الماضي، إلى أن يتوقع "تغريدة مُهينة" من ترامب، بحلول نهاية الأسبوع. ثم بدا أن تيلرسون لم يفهم أن مغزى الرسالة أن ترامب سيطرده عبر تغريدة. ولعله توقّع تغريدة "مٍهنيّة" في دولة الدستور، وهي هنا لا تمثل إلا نموذجا شاذا غير مسبوق في فنون الاستبداد، ناهيك عن أن تمثل حكومة الدولة العميقة.
السؤال الأعمق الذي يبقى على المحكّ اليوم: هل ستُدار سياسة الحكم والدول من منصة 
"تويتر"؟ وهل سنّ ترامب عهدا سياسيا جديدا لفوضى ضمنية، بعد فوضى الواقع؟ الأمر الذي أثبتته تغريدات "رئيس جمهورية تويتر" ترامب، في ظاهرة أطلق عليها بعضهم العهد الجديد، وهي لا تسير اعتباطا في اكتساحه المستميت الإمبراطورية الرقمية التي باتت تكنيك النفوذ السياسي له في اتجاهين: الاتجاه العالمي، خصوصا أن تلك الوسائل الضمنية على الإنترنت بسبب التحكم الفردي تسمى وسائل الاتصال الجماهيرية الفردية (Mass self-communication). عزا ترامب لتويتر فيها وجوده السياسي بقوله "إنه بدون التغريد لن يكون هنا"، وأكد "إنه بتلك الوسائل لا داعي له للجوء إلى استخدام إعلام الكذب". أما في الاتجاه المحلي، فهي وصفة سحرية داخلية لتصفية خصومه، فترامب، الذي وصفه الأميركيون أنفسهم بالأحمق، مارس الحماقة بوعي، وتقصد في طرح أحادي للسياسة في إحقاق ما يراه هو فقط، واتباع حملة عكسية مضادة في اتهام الآخر بالكذب والفبركة، أيّا من كان من خصومه، كاتهامه مذكرات نائب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) السابق، أندرو ماكابي، بالفبركة، على الرغم من أن ماكابي أكد أنه دوّنها خلال لقائه ترامب، ففندها قائلا: "قضيت وقتًا قصيرا مع أندرو ماكابي، لكنه لم يدوّن ملاحظات عندما كان معي، أعتقد أن ذلك يأتي في إطار أجندته الخاصة، هل يمكن لنا أن نسميها مذكرات مزيفة؟". ويا لها من تهمة لكل مختلف أمام مد ترامبايته النرجسية التي وجدت في "تويتر" مجال خبر عاجل عابر للقارات لها.
تفتح القضية الأذهان، ليس على أثر "تويتر" في السياسة فحسب، ولا على المعارك الدائرة فيه سياسيا، بل على إثر سوء استخدام "تويتر" في الانقلاب على الدساتير وأنظمة الحكم الجيد ودول القانون وإعادة تشكيل السياسة العالمية والعلاقات الدولية. أو لم يرمز بعضهم للمعركة التراشقية السياسة الأميركية بين ترامب وأقطاب السياسة والتحقيقات الفيدرالية بالانقلاب؟ (Twitter Coup)، فهل سمعتم من قبل عن الانقلاب الأزرق المقبل؟
Twitter:@medad_alqalam
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
مريم الخاطر

كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.

مريم الخاطر