رئاسيات تونس: رعب مبالغ به

24 نوفمبر 2014
+ الخط -
ليس صحيحاً أنّ تراجع التيار الإسلامي المعتدل في دول الربيع العربي، انتخابياً أو نتيجة انقلاب عسكري، يعني تلقائياً انتصاراً للثورة المضادة التي بدا أننا قلّلنا من خطورتها وقوّتها، في لحظة نشوة انتصار الثورات عام 2011. مناسبة الكلام استمرار استطلاعات الرأي التي لا تستبعد خسارة الرئيس ــ المرشح منصف المرزوقي، حليف الإسلام المتنور التونسي، أي حركة النهضة، التي يكفيها فخراً أن أحد مؤسسيها وقيادييها هو الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي يعجب المرء كيف أنّ شيخاً جليلاً مثله مرّ على الإسلام السياسي الحديث، لم تتراكم ظاهرته ولم تتطوّر لتتحوّل شكلاً من أشكال لاهوت التحرير بنسخة إسلامية نحن بأمس الحاجة إليها.

خلال موجة ثورات العام 2011، صدرت نداءات صادقة عديدة تفيد بأنّ الثورات العربية مسار طويل أكثر مما هي حدث سياسي، ينجح أو يخسر في استحقاق انتخابي أهميته ضئيلة، مقارنةً مع أهمية الظاهرة نفسها. صدرت تلك النداءات لكن رومانسيتنا مجدداً حالت دون أخذ الكلام على محمل الجد، فاستعجل الإخوان المسلمون في مصر حصد كل المناصب والسلطات، فلم يؤمنوا حاضنة شعبية تحميهم من الانقلاب، بينما استوعب نظراؤهم التونسيون الدرس، ففرطوا عقد "الترويكا" ونجوا بأقل خسائر ممكنة حاصدين 69 نائباً.

حالة الرعب التي يعيشها بعض الحريصين على الثورة التونسية اليوم، إزاء احتمال فوز الباجي قائد السبسي في انتخابات الرئاسة التونسية، تبدو في شق منها مبررة، نظراً لنوعية بعض المواقف التي يطلقها العجوز البورقيبي من جهة، التي نميل إلى وضعها في خانة التراجع عن قيم ثورة يناير، لكنها تبدو غير مفهومة بالمرة من جهة ثانية إذا ما استقلنا من رومانسيتنا لبرهة، وتذكرنا أن ما حصل في تونس خصوصاً، كبير لدرجة أنّ أحداً لم يعد قادراً على التفريط به وبمكتسباته، لا السبسي ولا الإسلاميين، ولو مهما كانت الشواهد توحي بعكس ذلك.

الثورات العربية أكبر بكثير من تيار الإسلام السياسي، حتى وإن كان جزءاً أساسياً فيها. للتخفيف من منسوب الرعب في اليوم الانتخابي الطويل، يمكن استعادة أرشيف السنوات الماضية لنتذكر ونطمئن إلى أن مَن أزاح زين العابدين بن علي، لن يعصى عليه أي طاغوت جديد، لا إسلامي ولا ليبرالي علماني.