01 يناير 2024
دعوة إيرانية ملغومة إلى عباس
تناقلت وكالات الأنباء، يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، خبر توجيه إيران دعوة رسمية إلى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لزيارتها في أقرب فرصة. وأكد الناطق باسم حركة فتح الخبر، لكنه لم يشر إلى إمكانية قبول الدعوة أو رفضها. وعموماً، فإن الدعوة نفسها أثارت نقاشات وتساؤلات بشأن خلفياتها وأغراضها، ناهيك عن رد عباس عليها.
قدمت الدعوة بعيد القمة الإسلامية في اسطنبول التي دعا إليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رفضاً لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وبالتالي فهي مرتبطة مباشرة بالقرار الذي ما زال يثير ردود فعل شعبية ورسمية غاضبة في فلسطين، وفي دول عربية وإسلامية أخرى. وأدى، ضمن معطيات وحيثيات أخرى، تاريخية فكرية ثقافية اقتصادية واجتماعية، إلى زيادة شعبية تركيا وتأثيرها ونفوذها، وكذا شعبية رئيسها في المنطقة، باستثناء إسرائيل وحزب الله وبيئته الطائفية في لبنان، حسب استطلاع مركز بيو، باعتبار أن تركيا هي من قادت عملياً الرد السياسي الدبلوماسي، وحتى الشعبي، على القرار الأميركي.
تسعى طهران، إذاً، إلى استغلال الغضب من قرار ترامب، لمنافسة الحضور التركي، كما لتحقيق اختراق كبير ورسمي في الساحة الفلسطينية، عبر علاقة مباشرة مع الرئيس محمود عباس، في سياق تبييض صفحتها، وحرف الانتباه عن تورّطها في مخطط تقسيم المنطقة وتدميرها، ودعمها المباشر لنظام (أو بقايا نظام) بشار الأسد وجرائمه بحق الشعب السوري، وحتى عن تبجّحها، وأبواقها الإعلامية والطائفية، بإقامة الإمبراطورية الفارسية التي تحتل أربع دول عربية، بينما عاصمتها درّتنا وحاضرتنا بغداد.
يبدو أن العلاقة، أو بالأحرى، استعادة العلاقة مع حركة حماس لم ترض غرور طهران أو جشعها، فقد رأت الفرصة سانحة لإقامة علاقة مباشرة مع القيادة الفلسطينية الرسمية، خصوصا مع السقف العالي، المدعوم شعبياً، الذي تبنته السلطة الوطنية والرئيس عباس تجاه القرار الأميركي.
لا يقل عن ذلك أهميةً طبعاً سعي إيران إلى مناكفة القيادة السعودية، واستغلال ما قيل عن برود في العلاقة السعودية الفلسطينية، لاستمالة الرئيس عباس إلى صفها، أو على الأقل دقّ إسفين بينه وبين القيادة السعودية، يحرج الأخيرة من جهة، ويقرّب أبو مازن إلى إيران، من جهة أخرى.
وفي السياق العام، تسعى طهران كذلك إلى فك العزلة العربية الرسمية ضدّها، وباستثناء الدولتين شبه المحتلتين منها، العراق ولبنان، لا تقيم إيران علاقة جدّية، أو ذات بال مع أي دولة عربية أخرى. وكما العادة، تبدو القضية الفلسطينية، ومن بابها الرسمي، وسيلة مثالية ومتاحة لكسر هذه العزلة، والانفتاح على دول عربية أخرى، أو تشجيع هذه الدول على الانفتاح عليها، ولو من باب دعم القدس وفلسطين.
إذاً كانت هذه خلفيات الموقف الإيراني وأغراضه، فكيف سيتصرف الرئيس عباس؟ وما الذي يدفعه أصلاً أو يجبره على تلبية الدعوة الإيرانية الخبيثة والملغومة.
بداية، يبدو عباس أقرب إلى الفلول القدامى والمنظومة التي أسقطتها الثورات العربية أصلاً. وبينما كانت منظمة التحرير استنساخا ناعما لتلك المنظومة، بدت السلطة استنساخا أكثر فظاظة وبشاعة لها. ومن هنا، يمكن فهم موقفه ليس فقط من الثورات، وإنما حتى من الفلول الجدد والثورات المضادة، هو يفتقد الكيمياء معهم ويعتبرهم حتى أقل كفاءة خبرة وتجربة، ناهيك عن حربه أو معركته مع ممثلهم ونسختهم الفلسطينية، خصمه الفتحاوي المفصول، محمد دحلان.
من هذه الزاوية، لا يحمل عباس، كما حسني مبارك والفلول القدامى، وداً تجاه طهران. وعلى الرغم من الرغبة بنأي الفلسطينيين أنفسهم عن الصراع المباشر معها، إلا أن ثمّة تبنياً لفكرة عدائها وأطماعها وتهديدها الأمن القومي العربي. وفي السياق الفلسطيني؛ طالما اتهمت السلطة إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وطالما اتهمتها حركة فتح، وعباس شخصياً، بالمسؤولية عن الانقسام الفلسطيني، أو على الأقل السعي إلى إدامته وتعميقه وإطالته.
يمكن مراجعة التصرّفات الإيرانية الأخيرة فقط، وتوقّع ردّ فعل الرئيس عباس والسلطة وحركة فتح منها، فقد اتصل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بقادة ميدانيين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهو أمر غير مسبوق أقله بالنسبة للأولى، وحرّضهم صراحة على إطلاق الصواريخ، وفتح جبهة غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما ينال من هيبة السلطة، ويؤثر سلباً على المصالحة، الأهم وقبل ذلك أنه وصفة لتدمير غزة مرة أخرى.
الاتصال الإيراني دعائي أيضاً، ويهدف إلى تبييض وجه إمبراطورية الدم والوهم الفارسية، وجرائمها في الدول العربية. ويعرف سليماني أن "حماس" ليست في وارد الذهاب إلى التصعيد العسكري، المنعدم الآفاق والأهداف، والعاجز عن تحقيق ما فشلت فيه ثلاث حروب سابقة. هي جارته فقط، ربما للحصول على دعمه، أو إتقاء شره، على الرغم من أنها تجاوزت عرفا، أو تقليدا تنظيميا عريقا عند الحركة، يمنع أي اتصال من أي طرف خارجى كان مع أي من أعضائها ومسؤوليها، بعيداً عن القيادة أو القناة الرسمية، وهو ما كان معمولاً به في حركة الجهاد الإسلامي، قبل استشهاد مؤسسها فتحي الشقاقي.
سعت إيران كذلك إلى اللعب في الضفة الغريية، من وراء السلطة، والحديث عن تسليحها أو نقل نموذج غزة إليها في العام 2014 ثم العودة إلى هذا الموضوع الآن. وعلى الرغم من أن هذا أيضاً دعائي ونظري فقط، لحسوا كلامهم وتراجعوا، عندما وضعتهم "حماس" أمام الأمر
الواقع، وطلبت منهم مناقشة الخطط التفصيلية والعملياتية واللوجستية لذلك، إلا أنه بدا تحدّيا للسلطة، وتفريطا بالمصلحة الفلسطينية، في سياق خدمة طهران وحملتها الدعائية. علماً أن تجربة إغلاق الحرم القدسي في شهر يوليو/ تموز، وحتى تجربة السنوات الماضية منذ نهاية الانتفاضة الثانية، إثر هدنة 2005، أظهرت أن المقاومة الشعبية هي السلاح الأمضى فلسطينياً، و أن إيران مشغولةٌ باحتلال الحواضر والعواصم العربية وتدميرها، والقضية الفلسطينية ليست سوى قناع لإخفاء سياستها الطائفة الدموية، أو لتلطيف هذه السياسة.
سيكون أبو مازن حذراً جداً، وهو ليس في وارد الوقوع في الفخ الإيراني، لأنه يعي أن طهران لا تملك خيارا سوى دعم الموقف الفلسطيني سياسياً ودبلوماسياً، كونها مكرهة. ولا يقتضي هذا بالضرورة زيارتها، أو تحسين العلاقات معها. ولا يقل عن ذلك أهميةً أن أبو مازن ليس في وارد إغضاب السعودية، أو الاصطفاف إلى جانب إيران ضدها. وعلى الرغم من أي خلافات وتباينات، فإنه لن يضحّي بعلاقته مع الرياض، وبدرجة أقل بالقاهرة. وكبح جماح إيران وإفشال أوهامها الدموية التوسعية صحيح ومحق، غير أن ذلك لا يمر أيضاً عبر استنساخ منطومة الاستبداد العربية الساقطة عبر الفلول الجدد (من شاكلة الليبي خليفة حفتر)، أو بالتطبيع مع الاحتلال. وإنما بالتأكيد على ركائز القضية الفلسطينية العادلة وثوابتها، إن فيما يتعلق بالقدس وحق عودة اللاجئين أو الحق الأصيل بالسيادة، وتقرير المصير من دون نقصان أو تذاكٍ من واشنطن وتل أبيب، وحلفائهم الجدد في المنطقة.
قدمت الدعوة بعيد القمة الإسلامية في اسطنبول التي دعا إليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رفضاً لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وبالتالي فهي مرتبطة مباشرة بالقرار الذي ما زال يثير ردود فعل شعبية ورسمية غاضبة في فلسطين، وفي دول عربية وإسلامية أخرى. وأدى، ضمن معطيات وحيثيات أخرى، تاريخية فكرية ثقافية اقتصادية واجتماعية، إلى زيادة شعبية تركيا وتأثيرها ونفوذها، وكذا شعبية رئيسها في المنطقة، باستثناء إسرائيل وحزب الله وبيئته الطائفية في لبنان، حسب استطلاع مركز بيو، باعتبار أن تركيا هي من قادت عملياً الرد السياسي الدبلوماسي، وحتى الشعبي، على القرار الأميركي.
تسعى طهران، إذاً، إلى استغلال الغضب من قرار ترامب، لمنافسة الحضور التركي، كما لتحقيق اختراق كبير ورسمي في الساحة الفلسطينية، عبر علاقة مباشرة مع الرئيس محمود عباس، في سياق تبييض صفحتها، وحرف الانتباه عن تورّطها في مخطط تقسيم المنطقة وتدميرها، ودعمها المباشر لنظام (أو بقايا نظام) بشار الأسد وجرائمه بحق الشعب السوري، وحتى عن تبجّحها، وأبواقها الإعلامية والطائفية، بإقامة الإمبراطورية الفارسية التي تحتل أربع دول عربية، بينما عاصمتها درّتنا وحاضرتنا بغداد.
يبدو أن العلاقة، أو بالأحرى، استعادة العلاقة مع حركة حماس لم ترض غرور طهران أو جشعها، فقد رأت الفرصة سانحة لإقامة علاقة مباشرة مع القيادة الفلسطينية الرسمية، خصوصا مع السقف العالي، المدعوم شعبياً، الذي تبنته السلطة الوطنية والرئيس عباس تجاه القرار الأميركي.
لا يقل عن ذلك أهميةً طبعاً سعي إيران إلى مناكفة القيادة السعودية، واستغلال ما قيل عن برود في العلاقة السعودية الفلسطينية، لاستمالة الرئيس عباس إلى صفها، أو على الأقل دقّ إسفين بينه وبين القيادة السعودية، يحرج الأخيرة من جهة، ويقرّب أبو مازن إلى إيران، من جهة أخرى.
وفي السياق العام، تسعى طهران كذلك إلى فك العزلة العربية الرسمية ضدّها، وباستثناء الدولتين شبه المحتلتين منها، العراق ولبنان، لا تقيم إيران علاقة جدّية، أو ذات بال مع أي دولة عربية أخرى. وكما العادة، تبدو القضية الفلسطينية، ومن بابها الرسمي، وسيلة مثالية ومتاحة لكسر هذه العزلة، والانفتاح على دول عربية أخرى، أو تشجيع هذه الدول على الانفتاح عليها، ولو من باب دعم القدس وفلسطين.
إذاً كانت هذه خلفيات الموقف الإيراني وأغراضه، فكيف سيتصرف الرئيس عباس؟ وما الذي يدفعه أصلاً أو يجبره على تلبية الدعوة الإيرانية الخبيثة والملغومة.
بداية، يبدو عباس أقرب إلى الفلول القدامى والمنظومة التي أسقطتها الثورات العربية أصلاً. وبينما كانت منظمة التحرير استنساخا ناعما لتلك المنظومة، بدت السلطة استنساخا أكثر فظاظة وبشاعة لها. ومن هنا، يمكن فهم موقفه ليس فقط من الثورات، وإنما حتى من الفلول الجدد والثورات المضادة، هو يفتقد الكيمياء معهم ويعتبرهم حتى أقل كفاءة خبرة وتجربة، ناهيك عن حربه أو معركته مع ممثلهم ونسختهم الفلسطينية، خصمه الفتحاوي المفصول، محمد دحلان.
من هذه الزاوية، لا يحمل عباس، كما حسني مبارك والفلول القدامى، وداً تجاه طهران. وعلى الرغم من الرغبة بنأي الفلسطينيين أنفسهم عن الصراع المباشر معها، إلا أن ثمّة تبنياً لفكرة عدائها وأطماعها وتهديدها الأمن القومي العربي. وفي السياق الفلسطيني؛ طالما اتهمت السلطة إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وطالما اتهمتها حركة فتح، وعباس شخصياً، بالمسؤولية عن الانقسام الفلسطيني، أو على الأقل السعي إلى إدامته وتعميقه وإطالته.
يمكن مراجعة التصرّفات الإيرانية الأخيرة فقط، وتوقّع ردّ فعل الرئيس عباس والسلطة وحركة فتح منها، فقد اتصل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بقادة ميدانيين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهو أمر غير مسبوق أقله بالنسبة للأولى، وحرّضهم صراحة على إطلاق الصواريخ، وفتح جبهة غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما ينال من هيبة السلطة، ويؤثر سلباً على المصالحة، الأهم وقبل ذلك أنه وصفة لتدمير غزة مرة أخرى.
الاتصال الإيراني دعائي أيضاً، ويهدف إلى تبييض وجه إمبراطورية الدم والوهم الفارسية، وجرائمها في الدول العربية. ويعرف سليماني أن "حماس" ليست في وارد الذهاب إلى التصعيد العسكري، المنعدم الآفاق والأهداف، والعاجز عن تحقيق ما فشلت فيه ثلاث حروب سابقة. هي جارته فقط، ربما للحصول على دعمه، أو إتقاء شره، على الرغم من أنها تجاوزت عرفا، أو تقليدا تنظيميا عريقا عند الحركة، يمنع أي اتصال من أي طرف خارجى كان مع أي من أعضائها ومسؤوليها، بعيداً عن القيادة أو القناة الرسمية، وهو ما كان معمولاً به في حركة الجهاد الإسلامي، قبل استشهاد مؤسسها فتحي الشقاقي.
سعت إيران كذلك إلى اللعب في الضفة الغريية، من وراء السلطة، والحديث عن تسليحها أو نقل نموذج غزة إليها في العام 2014 ثم العودة إلى هذا الموضوع الآن. وعلى الرغم من أن هذا أيضاً دعائي ونظري فقط، لحسوا كلامهم وتراجعوا، عندما وضعتهم "حماس" أمام الأمر
سيكون أبو مازن حذراً جداً، وهو ليس في وارد الوقوع في الفخ الإيراني، لأنه يعي أن طهران لا تملك خيارا سوى دعم الموقف الفلسطيني سياسياً ودبلوماسياً، كونها مكرهة. ولا يقتضي هذا بالضرورة زيارتها، أو تحسين العلاقات معها. ولا يقل عن ذلك أهميةً أن أبو مازن ليس في وارد إغضاب السعودية، أو الاصطفاف إلى جانب إيران ضدها. وعلى الرغم من أي خلافات وتباينات، فإنه لن يضحّي بعلاقته مع الرياض، وبدرجة أقل بالقاهرة. وكبح جماح إيران وإفشال أوهامها الدموية التوسعية صحيح ومحق، غير أن ذلك لا يمر أيضاً عبر استنساخ منطومة الاستبداد العربية الساقطة عبر الفلول الجدد (من شاكلة الليبي خليفة حفتر)، أو بالتطبيع مع الاحتلال. وإنما بالتأكيد على ركائز القضية الفلسطينية العادلة وثوابتها، إن فيما يتعلق بالقدس وحق عودة اللاجئين أو الحق الأصيل بالسيادة، وتقرير المصير من دون نقصان أو تذاكٍ من واشنطن وتل أبيب، وحلفائهم الجدد في المنطقة.