احتدمت الخلافات أخيراً بين مليشيا "عصائب أهل الحق" (إحدى فصائل الحشد الشعبي)، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم. خلاف تضمّن تراشقاً للاتهامات بين المليشيا المدعومة من إيران، والتيار، وتخلّل ذلك فتح ملف عمليات النهب، التي طاولت مصفاة بيجي في محافظة صلاح الدين شمالاً، وهي أكبر مصفاة نفطية في العراق، إبان الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي. وقد وجّهت وسائل إعلام تابعة لـ "الحكمة" اتهامات للعصائب بسرقة المصفاة، ما دفع نواب عن "عصائب أهل الحق" للقول إنهم "يمتلكون أدلة تسجيلات مرئية تثبت تورط وزير تابع لتيار الحكيم بما حدث في بيجي".
في هذا السياق، أفاد عضو في تيار الحكمة، أن "تياره ليس لديه أية خلافات سابقة مع مليشيا عصائب أهل الحق"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأزمة تطورت بعد قيام قناة الفرات التابعة لتيار الحكمة، بنشر أخبار وتسجيلات دلت على تورط عناصر في المليشيا بانتهاكات من بينها سرقة مصفاة بيجي". وأوضح أن "ما ورد في القناة كان عبارة عن مواد اعلامية لا علاقة لها بسياسة تيار الحكمة"، موضحاً أن "الأمين العام لمليشيا عصائب أهل الحق (قيس الخزعلي)، أجج الأوضاع بعد أن اتهم تيار الحكمة بالعمالة".
إلا أن عضو البرلمان عن كتلة صادقون، ممثلة "العصائب" في مجلس النواب، محمد كريم، أكد أن "ما روّجت له الفضائية التابعة لتيار الحكمة بشأن تورط المليشيا بسرقة مصفاة بيجي كان مقصوداً"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن "حركته قدمت أكثر من 300 قتيل خلال معارك تحرير المصفاة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي". واتهم كريم وزير النفط السابق، جبار اللعيبي، التابع لتيار الحكمة، بـ"التورط في اختفاء مواد مصفاة بيجي"، مشيراً إلى "وجود أدلة وتسجيلات يظهر فيها أشخاص يمثلون وزارتي النفط والداخلية يتحدثون عن تورط الوزير المعني".
ولفت إلى أن "محتويات مصفاة بيجي لم تُهرّب إلى إيران كما يدّعي بعضهم، بل عُثر عليها في مناطق بشمال العراق، وتمّت إعادتها، إلا أنها اختفت"، مشدّداً على أن "وزير النفط السابق هو الذي يجب أن يُسأل عنها". وأضاف أن "لدينا مستندات وصوراً تؤكد أن عصائب أهل الحق ساعدت على إعادة مواد المصفاة المسروقة"، مؤكداً عدم وجود أي دليل على تورط عناصر المليشيا بالسرقة. وتابع أن "ما يجري اليوم يعيدنا إلى بدايات الحرب على تنظيم داعش عامي 2014 و2015، حين كانت بعض الفضائيات تتهم الحشد الشعبي بسرقة ثلاجات، أو دجاج أو بيض"، معبّراً عن أسفه من "قيام بعض الفضائيات بتأجيج الأوضاع من خلال كيل التهم جزافاً".
كما نفى رئيس كتلة صادقون البرلمانية، عدنان فيحان، الاتهامات الموجهة لمليشيا العصائب بسرقة مصفاة بيجي، مؤكداً في حسابه على "تويتر" أن "مواد المصفاة المسروقة، سُلّمت من قبل العصائب بعد التحرير، إلى وزارة النفط حين كان وزيرها من تيار الحكمة".
وفي السياق نفسه، قرّر الخزعلي تشكيل لجنة خاصة بالتحقيق في الاتهامات الأخيرة، وفقاً لما أكده القيادي في المليشيا، عضو البرلمان نعيم العبودي، الذي قال إن "اللجنة ستتواصل مع وزارتي الداخلية والنفط لمعرفة مصير مواد مصفاة بيجي التي سبق أن سُلّمت إلى وزارة النفط". وهاجم الجهات التي قال إنّها "تنقل أنباء ضد حركته"، واتهمها بـ"العمالة". وغرّد على "تويتر": "منتهى الدناءة التي يصل إليها الإنسان، هو اتهام الآخرين زوراً وبهتاناً إذا اختلفوا معه"، مضيفاً أنه "إذا كان مأجوراً فإنّه يكون معذوراً لأنّه سيكون عميلاً".
ورد تيار الحكمة على الخزعلي بالقول "من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة"، مؤكداً في رسالة نقلها القيادي بالتيار، مدير قناة "الفرات" أحمد الساعدي، أن "هجوم العصائب على تيار الحكمة يمثل استهدافاً ممنهجاً وسافراً وظالماً لمشروع التيار". وتابع "الأولى بك أن تحاسب أتباعك الذين يشتبه بأنهم نهبوا مصفاة بيجي ومعداتها التي تقدر بالمليارات. حاسبهم إن كنت صادقاً بشأن سرقاتهم لبيوت المسيحيين واستيلائهم عليها في الكرادة وزيونة (ببغداد)"، مبيناً أن "الصدور اختنقت بروائح نتنة جراء الممارسات المخلة بالدين والقيم".
وأضاف الساعدي أن "بعض قياداتكم المليشياوية الفاقدة لأية كياسة ودراية، وبأسلوب العصابات كالت الشتائم والاتهامات لمشروعنا الوطني، وهذه الوسائل الفاقدة للباقة الحوار والنقاش دليل صارخ على أنكم جماعة لا تفقه بالسياسة والثقافة شيئاً، وكل ما لديكم هو القدرة على ارهاب وابتزاز الناس العزل والأبرياء".
إلى ذلك، قال عضو تيار الحكمة، علي منيف الرفيعي، إن "مصفاة بيجي فُكّكت وسرقت في ليلة سوداء"، موضحاً في صفحته على موقع "فيسبوك"، أن "مسرح الاغتيالات والمافيات يجب أن يتوقف، ويجب محاسبة فلوله".
وكان النائب السابق عن محافظة صلاح الدين، مشعان الجبوري، قد أكد أن "نسبة الدمار في مصفاة بيجي عند تحريرها كانت 20 في المصفاة فقط"، معتبراً خلال مقابلة تلفزيونية أن "نسبة الضرر ارتفعت إلى نحو 85 في المائة بسبب عمليات النهب". وأشار إلى أن "المصفاة تعرّضت لعمليات سرقة كبيرة"، مشدّداً على أنه "غير قادر على الكشف عن الجهة التي سرقتها بسبب خشيته من عواقب ذلك". ولفت إلى أن "مواد مصفاة بيجي ومحتوياتها تمّ تحميلها بشاحنات كبيرة، ونُقلت إلى مكان مجهول"، موضحاً أن "الدولة غير قادرة على فعل شيء". وتابع أن" السرقات شملت حتى الأنابيب والكابلات المدفونة تحت الأرض". ولم تعلق الحكومة ولا وزارة النفط على الاتهامات المتعلقة بكشف خفايا نهب مصفاة بيجي. كما رفض مسؤولون بالحكومة المحلية في محافظة صلاح الدين، حيث تقع فيها المصفاة، التعليق على هذه الاتهامات التي وصفوها بـ"الحساسة".
وفي عام 2017، قال مسؤولون إن "معدات مصفاة بيجي النفطية أضخم مصافي البلاد، تم نقلها إلى إيران بشكلٍ كامل من قبل فصائل مسلحة منضوية ضمن مليشيات الحشد الشعبي". وعرضت وسائل إعلام محلية في حينها صوراً لمعدات، قالت إنها "تعود للمصفاة والتُقطت بعد دخولها الأراضي الإيرانية". وسيطرت مليشيات "الحشد" على مدينة بيجي بشكل كامل بضمنها المصفاة نهاية عام 2015، بعد معارك استمرت نحو ثلاثة أشهر مع مقاتلي "داعش"، لتتم بعدها مرحلة من عمليات سرقة ونهب طاولت المصفاة.