13 نوفمبر 2024
خطوط متشابكة في سورية
المشهد السياسي السوري في انتظار ثلاثة استحقاقات مهمة، اجتماع أستانة 7 (30 و31/ 10)، اجتماع "الشعوب" السورية في حميميم (يوم 18/ 11)، اجتماع جنيف 8 (28/ 11)، بالإضافة إلى مؤتمر الهيئة العليا للمفاوضات، أو الرياض 2، في العاصمة السعودية (10/ 11)، كل هذا مع إطلاق العنان للحديث عن دوران عجلة إعادة الإعمار، إن بتشكيل شركات ومجموعات استثمارية سورية لهذا الغرض، أو بالإعلان عن توزيع أدوار ومشاريع على الدول الحليفة للنظام، أو بدعوة دول العالم إلى المشاركة في العملية، والحصول على حصة من كعكة إعادة الإعمار الكبيرة (كلفتها بين 200 و350 مليار دولار)، لكن بشرط القبول بالتصور الروسي، ومنطلقه الانفتاح على النظام، في استغلال لإعادة الإعمار في تأهيل النظام وتسويقه، عبر التأثير على مواقف القوى الإقليمية والدولية، وإغوائها لإعادة النظر في مواقفها من الأخير.
لكن مواقف القوى الدولية والإقليمية والمحلية، بتصوراتها واقتراحاتها المتباينة إلى حد التناقض، أثارت أسئلة مشكّكة بشأن منطقية التلميحات والإعلانات المبكرة عن قرب الحل في سورية، ومن ذلك تصريح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن بوادر السلام بدأت "تلوح" في البلاد. وفي حين تتابع روسيا تحرّكها لإنهاء مفاعيل الثورة السورية عبر استبعاد القرارات ذات الصلة، بدأت باستبعاد وثيقة جنيف 1، وقرار مجلس الأمن رقم 2118، عبر تشكيل "المجموعة الدولية لدعم سورية" وإصدار القرار 2254، لكي تسقط مطلب الهيئة الحاكمة كاملة الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية، وتعمل الآن على الإجهاز على مطالب الثورة بالكامل، باستبدال المصالحة بين النظام والمعارضة بالحكم الانتقالي التمثيلي الذي ورد في قرار مجلس الأمن 2254، وذلك عبر تنويع المقاربات والمداخل (أستانة، حميميم،
والمصالحات المناطقية) لاستنزاف الخيارات وإسقاطها واحداً واحداً لصالح خيارها الوحيد: بقاء النظام، وتوزير طامحين من المعارضة، تركز الولايات المتحدة على مسار جنيف وتحقيق انتقال سياسي يحقق تطلعات الشعب السوري، عبر تجديد الدعوة إلى إنهاء "حكم الأسد وعائلته"، كما صرح وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، وربط المساهمة بإعادة الإعمار بتحقق الانتقال السياسي (أطلقت واشنطن ولندن وباريس، رداً على تصريحات موسكو حول إعادة إعمار سورية، إعلانات بالتبرع لإعادة إعمار الرقة)، ورفض أي حضور لإيران وحلفائها في سورية، والعمل على تحقيق ذلك على عدة أصعدة: السيطرة على مساحات شاسعة شرق سورية فيها النفط والغاز والمياه والكهرباء والإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية، الدعوة إلى خروج المليشيات الإيرانية من العراق، مدخلاً لقطع خطوط إيران باتجاه سورية، العمل على شل قدراتها وقدرات مليشياتها بفرض حزمة عقوبات جديدة على الحرس الثوري وحزب الله. فالغرض من تجديد الدعوة إلى إنهاء حكم الأسد والتمسك بمسار جنيف وضع العصي في عجلات المبادرات الروسية التي تسعى إلى تمرير حل يستجيب لمصالحها. ما يعني اتساع الهوة بين التوجهات الأميركية والروسية، واستبعاد تفاهم أميركي روسي، قبل إضعاف موقف موسكو عبر رفض الاقتراحات الروسية للتعاون، وعرقلة حركة الجيش السوري وحلفائه في مناطق محددة، وطرح اقتراحاتٍ بديلة لتلك الروسية. موقف لخصه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في بيانه بشأن تحرير الرّقة من "داعش"، إذ قال إن حملة بلاده ضد "داعش" ستدخل قريباً مرحلة جديدة، تدعم فيها واشنطن قوات الأمن المحلية، وتنهي تصعيد العنف عبر سورية، وتعزّز الظروف الملائمة لإحلال سلام دائم، "ومن ثم لا يمكن للإرهابيين العودة إلى تهديد أمننا المشترك مرة أخرى، معاً، أي مع حلفائنا وشركائنا، سندعم المفاوضات الدبلوماسية التي تنهي العنف، وتسمح للاجئين بالعودة بسلام إلى ديارهم، وتؤدي إلى تحول سياسي يحترم إرادة الشعب السوري".
إقليمياً، تتحرّك إيران على عدة محاور، أولها العمل على استمرار الصراع لتحقيق خيارها بالنصر الكامل عبر سحق المعارضة، برز ذلك في أثناء زيارة رئيس الأركان، محمد باقري، إلى سورية بتوجيهه بشن هجوم منسق في مثلث حلب إدلب حماة، ومواصلة قصف قوات النظام والمليشيات الإيرانية لمناطق خاضعة للمعارضة، على الرغم من دخولها في اتفاقات خفض التوتر، ناهيك عن محاصرة تلك المناطق (الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي خصوصاً) ومنع دخول المواد الغذائية والأدوية إليها، وثانيها العمل على ملء الفراغ الذي ينجم عن هزيمة "داعش"، خصوصاً في شرق سورية، لتأمين تواصل جغرافي بين قواتها ومليشياتها في سورية والعراق، بالإضافة إلى تشكيل مليشيات مذهبية في كل المناطق التي سيطرت عليها، لتأمين أدوات الدفاع وحماية المصالح.
تركيا تعمل، هي الأخرى، على تكريس دورها، وتكبير حصتها من خلال الالتحام بالموقف الروسي، وتغطيته وترويجه. نقل مصدر معارض حضر اجتماعاً عن نائب مستشار وزير الخارجية التركي، سدات أونال، مع وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، دعوته إلى التعاطي الإيجابي مع مؤتمر الشعوب السورية في قاعدة حميميم، وتوظيفها التعاون والتنسيق المشترك مع روسيا، لتحقيق هدفها في محاصرة التحرك الكردي في سورية. إسرائيل التي واصلت قصف ما تعتبره تهديداً لأمنها، إن باستهداف مرابض المدفعية والدبابات، أو بقصف قوافل الشاحنات التي تقول إنها تنقل أسلحة إلى حزب الله في لبنان، أو بقصف ما تقول إنه مصنع إيراني لإنتاج الصواريخ، تهدّد بمواصلة القصف ما لم تُلبَّ طلباتها، بإبعاد المليشيات الإيرانية وحزب الله عن حدودها، وما لم يُنهَ دور إيران في سورية، ثمّة عاملٌ قد يدفعها إلى شن حرب في سورية ولبنان: إطاحة المصالحة الفلسطينية وتجنب ما سيحمله مشروع ترامب لتسوية إسرائيلية – فلسطينية من مطالب ويفرضه من "تنازلات".
تحرّكت السعودية، على خلفية مواجهة التمدد الإيراني، وانعكاساته على أمنها الوطني، على
مستويين. أول بالانفتاح على العراق والشخصيات والأحزاب الشيعية العراقية، بتشكيل لجنة تنسيق عليا، وعودة رحلات الخطوط السعودية إلى المطارات العراقية، وفتح قنصلية سعودية في النجف. وثان بتبني الموقف الأميركي في سورية، عبر المشاركة في إعادة إعمار الرقة، على الرغم من سيطرة قوات سورية الديمقراطية عليها، موقف ينطوي على تغطيةٍ للحضور الكردي في مدينة عربية، وهذا على الضد من موقفها من الكرد في إقليم كردستان، حيث تبنت موقف الحكومة العراقية من الاستفتاء، ورحبت بسيطرة قوات الحكومة على محافظة كركوك، وعلى الضغط على تركيا، باحتلال موطئ قدم على حدودها مع سورية.
النظام السوري، وفي تطابق واضح مع الموقف الإيراني، تابع قصف المناطق المشمولة بخفض التصعيد، على الرغم من اتهامه من لجنة التحقيق الدولية باستخدام غاز السارين في خان شيخون، ومطالبات بمعاقبته باستخدام البند السابع لميثاق الأمم المتحدة. وجدّد حديثه عن استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية، وركز بشكل خاص على محافظتي إدلب والرقة، فقد اعتبر أن مدينة الرقة التي تمكّنت قوات سورية الديمقراطية من طرد تنظيم داعش منها قبل أسبوعين، ما زالت محتلة ما دام الجيش السوري لم يدخلها بعد. ونقلت وسائل إعلامية نبأ عرضه على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حكماً ذاتياً في مقابل تسليمه الرقة والمناطق العربية الأخرى. هنا كان لافتاً تصريح رئيس منصة موسكو ضد الفيدرالية في سورية، قدري جميل، في موقف يتعارض مع موقف موسكو، اعتبر وسيلةً للضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، للموافقة على عرض النظام، وتسليمه الرقة.
لكن مواقف القوى الدولية والإقليمية والمحلية، بتصوراتها واقتراحاتها المتباينة إلى حد التناقض، أثارت أسئلة مشكّكة بشأن منطقية التلميحات والإعلانات المبكرة عن قرب الحل في سورية، ومن ذلك تصريح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن بوادر السلام بدأت "تلوح" في البلاد. وفي حين تتابع روسيا تحرّكها لإنهاء مفاعيل الثورة السورية عبر استبعاد القرارات ذات الصلة، بدأت باستبعاد وثيقة جنيف 1، وقرار مجلس الأمن رقم 2118، عبر تشكيل "المجموعة الدولية لدعم سورية" وإصدار القرار 2254، لكي تسقط مطلب الهيئة الحاكمة كاملة الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية، وتعمل الآن على الإجهاز على مطالب الثورة بالكامل، باستبدال المصالحة بين النظام والمعارضة بالحكم الانتقالي التمثيلي الذي ورد في قرار مجلس الأمن 2254، وذلك عبر تنويع المقاربات والمداخل (أستانة، حميميم،
إقليمياً، تتحرّك إيران على عدة محاور، أولها العمل على استمرار الصراع لتحقيق خيارها بالنصر الكامل عبر سحق المعارضة، برز ذلك في أثناء زيارة رئيس الأركان، محمد باقري، إلى سورية بتوجيهه بشن هجوم منسق في مثلث حلب إدلب حماة، ومواصلة قصف قوات النظام والمليشيات الإيرانية لمناطق خاضعة للمعارضة، على الرغم من دخولها في اتفاقات خفض التوتر، ناهيك عن محاصرة تلك المناطق (الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي خصوصاً) ومنع دخول المواد الغذائية والأدوية إليها، وثانيها العمل على ملء الفراغ الذي ينجم عن هزيمة "داعش"، خصوصاً في شرق سورية، لتأمين تواصل جغرافي بين قواتها ومليشياتها في سورية والعراق، بالإضافة إلى تشكيل مليشيات مذهبية في كل المناطق التي سيطرت عليها، لتأمين أدوات الدفاع وحماية المصالح.
تركيا تعمل، هي الأخرى، على تكريس دورها، وتكبير حصتها من خلال الالتحام بالموقف الروسي، وتغطيته وترويجه. نقل مصدر معارض حضر اجتماعاً عن نائب مستشار وزير الخارجية التركي، سدات أونال، مع وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، دعوته إلى التعاطي الإيجابي مع مؤتمر الشعوب السورية في قاعدة حميميم، وتوظيفها التعاون والتنسيق المشترك مع روسيا، لتحقيق هدفها في محاصرة التحرك الكردي في سورية. إسرائيل التي واصلت قصف ما تعتبره تهديداً لأمنها، إن باستهداف مرابض المدفعية والدبابات، أو بقصف قوافل الشاحنات التي تقول إنها تنقل أسلحة إلى حزب الله في لبنان، أو بقصف ما تقول إنه مصنع إيراني لإنتاج الصواريخ، تهدّد بمواصلة القصف ما لم تُلبَّ طلباتها، بإبعاد المليشيات الإيرانية وحزب الله عن حدودها، وما لم يُنهَ دور إيران في سورية، ثمّة عاملٌ قد يدفعها إلى شن حرب في سورية ولبنان: إطاحة المصالحة الفلسطينية وتجنب ما سيحمله مشروع ترامب لتسوية إسرائيلية – فلسطينية من مطالب ويفرضه من "تنازلات".
تحرّكت السعودية، على خلفية مواجهة التمدد الإيراني، وانعكاساته على أمنها الوطني، على
النظام السوري، وفي تطابق واضح مع الموقف الإيراني، تابع قصف المناطق المشمولة بخفض التصعيد، على الرغم من اتهامه من لجنة التحقيق الدولية باستخدام غاز السارين في خان شيخون، ومطالبات بمعاقبته باستخدام البند السابع لميثاق الأمم المتحدة. وجدّد حديثه عن استعادة السيطرة على كل الأراضي السورية، وركز بشكل خاص على محافظتي إدلب والرقة، فقد اعتبر أن مدينة الرقة التي تمكّنت قوات سورية الديمقراطية من طرد تنظيم داعش منها قبل أسبوعين، ما زالت محتلة ما دام الجيش السوري لم يدخلها بعد. ونقلت وسائل إعلامية نبأ عرضه على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حكماً ذاتياً في مقابل تسليمه الرقة والمناطق العربية الأخرى. هنا كان لافتاً تصريح رئيس منصة موسكو ضد الفيدرالية في سورية، قدري جميل، في موقف يتعارض مع موقف موسكو، اعتبر وسيلةً للضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، للموافقة على عرض النظام، وتسليمه الرقة.