05 نوفمبر 2024
خطة "ب" في المنطقة العربية
أبدى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، خشيته من أنّه قد يكون فات الأوان على إبقاء سورية موحدة، في حال استمر القتال، في إشارة إلى سيناريو التقسيم. وحاول التقليل من الاتهامات المتتالية بعدم وجود استراتيجية أميركية، وبتحقيق الروس تفوقاً واضحاً في تغيير موازين القوى، بالقول إنّ الولايات المتحدة تملك خطة (ب) في حال فشلت الهدنة، ولم يستجب الروس والإيرانيون والنظام السوري للتهدئة العسكرية. ولم يقدم كيري أي تلميحاتٍ أو إيضاحاتٍ حول تصوّره "الخطة ب"؛ في حين ذكرت تكهنات وتحليلات سياسية في واشنطن أنّها ستقوم على مزيد من الدعم للمعارضة المسلّحة وتقويتها، لإعادة بناء موازين القوى في سورية.
إذا كان المقصود في "دعم المعارضة" النموذج المطبق منذ بداية الصراع في سورية، فذلك بمثابة خطة (أ)، لأنّه يكرّر ويجتر الاستراتيجية الأميركية الفاشلة التي ثبت عدم فعاليتها في الحسم العسكري، ما يعزّز من مستوى النزاع العسكري المسلّح، ويقود الجميع، علناً وبوضوح، إلى وضع اقتراح سيناريو تقسيم سورية على الطاولة، ليكون في المآل هو الخطة (ب) الحقيقية. أمّا إذا كان دعم المعارضة المسلّحة عبر تغيير نوعي وجوهري في المقاربة الأميركية نحو إدخال أسلحة نوعية، تقلب مفاهيم الصراع هناك، فسيكون الهدف تحويل الانتصار الروسي إلى "مستنقع عسكري" شبيه بأفغانستان، وإعادة هيكلة التحالف، وتعزيزه بين واشنطن ومحور الرياض- أنقرة، ما يجذبنا إلى نموذج سافر للحرب الباردة أو بالوكالة عبر النموذج السوري، لكنّه أيضاً لن ينهي الصراع، بقدر ما سيعقده ويجذّره.
هذا الخيار، أي الدعم النوعي للمعارضة السورية، أستبعده، وأرى أنّه غير مطروح، على الأقل بهذه الصورة في حقبة إدارة الرئيس باراك أوباما. وهو لا ينسجم مع التغييرات والاستدارات الكبيرة التي حدثت في سورية من الدول الغربية، في تعريف الصراع وتحديد أولوياتها، وإغلاق غرف العمليات العسكرية المؤيدة للمعارضة، بل وإسقاط الرهان على المعارضة المعتدلة لقتال الأسد كلية، واستبدالها بفكرة معارضة مسلّحة لضرب "داعش" والقضاء عليه.
هذا وذاك في حال كان هنالك بالفعل خطة (ب) في جعبة أوباما، وليس مجرد أفكار أو إبر تخدير للكونغرس في مواجهة الأصوات التي تنتقد بقوة ضعف الخيارات الأميركية في مواجهة الروس ومحدوديتها. لكن، من المهم أن نتوقف عند ربط الوزير الأميركي بين فشل التهدئة أو تباطؤ جهود التسوية من جهة وسيناريو تقسيم سورية من جهة أخرى، في محاولة تلمّس المخططات والسيناريوهات الغربية والأميركية، أو التوقعات والقناعات الحقيقية لدى دوائر التفكير والقرار هناك، بشأن مستقبل المنطقة العربية، وانهيار صيغة الجغرافيا- السياسية التي تشكّلت بعد الحرب العالمية الأولى.
وجه الطرافة أو المأساة، بالتعبير الدقيق، أنّ حديث الوزير كيري عن خطة ب، في حال فشل وقف إطلاق النار تزامن مع تسريباتٍ لصحف أوروبية عن مناقشات وخطط غير معلنة، وتفكير غير رسمي بعد لدى المسؤولين هناك، في مشروع تقسيم ليبيا إلى ثلاث دول (الولايات التاريخية؛ فزّان، برقة وطرابلس) في حال فشلت حكومة الوفاق في أنّ تكون مدخلاً لحل سياسي وعسكري، مع وجود تشكيك دولي بنجاحها.
بالطبع، ليس الحديث عن التقسيم جديداً، فمنذ التحول في مسار الربيع العربي، والدخول في حقبة الصراعات المسلحة والثورة المضادة في دولٍ كثيرة، بدأ الحديث عن خطط قديمة لتقسيم المنطقة، و"سايكس بيكو جديد"، وعن مؤامرةٍ دوليةٍ تحاك ضد الدول العربية، واستعاد مثقفون مغرمون بنظرية المؤامرة نبوءات المستشرق المعروف، برنارد لويس، عن تمزيق المنطقة والدويلات الطائفية.
كل ذلك صحيح، لكنّها المرّة الأولى التي يبدأ الحديث عن تغيير شكل المنطقة وتقسيمها، وعن عدم نجاعة الحفاظ على الحدود الراهنة، من الإطار الإعلامي والمعرفي أو تحليلات مراكز الدراسات، إلى السياسيين والمسؤولين. لكن، هل هذه الفوضى التي أدت إلى الدمار الحالي وانهيار الدول والتمهيد إلى خطة (ب) فعلاً مؤامرة غربية محضة أم أنّها كانت نتيجة للخطة (ب) التي اعتمدتها الأنظمة العربية، وتقوم على قاعدة؛ إما أنا أو الطوفان من بعدي؟
إذا كان المقصود في "دعم المعارضة" النموذج المطبق منذ بداية الصراع في سورية، فذلك بمثابة خطة (أ)، لأنّه يكرّر ويجتر الاستراتيجية الأميركية الفاشلة التي ثبت عدم فعاليتها في الحسم العسكري، ما يعزّز من مستوى النزاع العسكري المسلّح، ويقود الجميع، علناً وبوضوح، إلى وضع اقتراح سيناريو تقسيم سورية على الطاولة، ليكون في المآل هو الخطة (ب) الحقيقية. أمّا إذا كان دعم المعارضة المسلّحة عبر تغيير نوعي وجوهري في المقاربة الأميركية نحو إدخال أسلحة نوعية، تقلب مفاهيم الصراع هناك، فسيكون الهدف تحويل الانتصار الروسي إلى "مستنقع عسكري" شبيه بأفغانستان، وإعادة هيكلة التحالف، وتعزيزه بين واشنطن ومحور الرياض- أنقرة، ما يجذبنا إلى نموذج سافر للحرب الباردة أو بالوكالة عبر النموذج السوري، لكنّه أيضاً لن ينهي الصراع، بقدر ما سيعقده ويجذّره.
هذا الخيار، أي الدعم النوعي للمعارضة السورية، أستبعده، وأرى أنّه غير مطروح، على الأقل بهذه الصورة في حقبة إدارة الرئيس باراك أوباما. وهو لا ينسجم مع التغييرات والاستدارات الكبيرة التي حدثت في سورية من الدول الغربية، في تعريف الصراع وتحديد أولوياتها، وإغلاق غرف العمليات العسكرية المؤيدة للمعارضة، بل وإسقاط الرهان على المعارضة المعتدلة لقتال الأسد كلية، واستبدالها بفكرة معارضة مسلّحة لضرب "داعش" والقضاء عليه.
هذا وذاك في حال كان هنالك بالفعل خطة (ب) في جعبة أوباما، وليس مجرد أفكار أو إبر تخدير للكونغرس في مواجهة الأصوات التي تنتقد بقوة ضعف الخيارات الأميركية في مواجهة الروس ومحدوديتها. لكن، من المهم أن نتوقف عند ربط الوزير الأميركي بين فشل التهدئة أو تباطؤ جهود التسوية من جهة وسيناريو تقسيم سورية من جهة أخرى، في محاولة تلمّس المخططات والسيناريوهات الغربية والأميركية، أو التوقعات والقناعات الحقيقية لدى دوائر التفكير والقرار هناك، بشأن مستقبل المنطقة العربية، وانهيار صيغة الجغرافيا- السياسية التي تشكّلت بعد الحرب العالمية الأولى.
وجه الطرافة أو المأساة، بالتعبير الدقيق، أنّ حديث الوزير كيري عن خطة ب، في حال فشل وقف إطلاق النار تزامن مع تسريباتٍ لصحف أوروبية عن مناقشات وخطط غير معلنة، وتفكير غير رسمي بعد لدى المسؤولين هناك، في مشروع تقسيم ليبيا إلى ثلاث دول (الولايات التاريخية؛ فزّان، برقة وطرابلس) في حال فشلت حكومة الوفاق في أنّ تكون مدخلاً لحل سياسي وعسكري، مع وجود تشكيك دولي بنجاحها.
بالطبع، ليس الحديث عن التقسيم جديداً، فمنذ التحول في مسار الربيع العربي، والدخول في حقبة الصراعات المسلحة والثورة المضادة في دولٍ كثيرة، بدأ الحديث عن خطط قديمة لتقسيم المنطقة، و"سايكس بيكو جديد"، وعن مؤامرةٍ دوليةٍ تحاك ضد الدول العربية، واستعاد مثقفون مغرمون بنظرية المؤامرة نبوءات المستشرق المعروف، برنارد لويس، عن تمزيق المنطقة والدويلات الطائفية.
كل ذلك صحيح، لكنّها المرّة الأولى التي يبدأ الحديث عن تغيير شكل المنطقة وتقسيمها، وعن عدم نجاعة الحفاظ على الحدود الراهنة، من الإطار الإعلامي والمعرفي أو تحليلات مراكز الدراسات، إلى السياسيين والمسؤولين. لكن، هل هذه الفوضى التي أدت إلى الدمار الحالي وانهيار الدول والتمهيد إلى خطة (ب) فعلاً مؤامرة غربية محضة أم أنّها كانت نتيجة للخطة (ب) التي اعتمدتها الأنظمة العربية، وتقوم على قاعدة؛ إما أنا أو الطوفان من بعدي؟