خطايا غير قابلة للتبرير

02 اغسطس 2017

نادية مراد.. خطيئة السفر إلى إسرائيل (17/6/2017/Getty)

+ الخط -
ثمّة خطيئة غير قابلة للتبرير، ولا للغفران، ارتكبتها نادية مراد، الناشطة الأيزيدية في مجال حقوق الإنسان التي تقود حملة دولية هدفها التعريف بالمحنة التي عاشها أبناء قومها تحت ظل "داعش"، خصوصاً ما تعرّضت له بنات جنسها من انتهاكاتٍ خطيرة، اختطافاً من بيوتهن، وسجناً وتعذيباً واغتصاباً، وعلى نحو مأساوي لم يشهده العالم من قبل.
كانت نادية مراد قد كتبت: "داعش تنظيم واحد، نحن إنسانية موحدة، حين نتوحد نكون أقوياء، ويكون تنظيم داعش ضعيفاً"، لكنها أخطأت الطريق، بل ارتكبت خطيئةً غير قابلة للتبرير، ولا للغفران، سافرت إلى إسرائيل، لتعرض محنة أهلها هناك، وسط انذهال محبيها وداعمي قضيتها ودهشتهم. خطبت في "الكنيست"، والتقت سياسيين ورجال دولة إسرائيليين، أسمعوها أسطوانة "الهولوكوست"، ردّت أنها "ملتزمة برسالة إنسانية للدفاع عن المظلومين في أي بقعة في العالم"، لم تتذكّر حينها أنها تزكّي كياناً عنصرياً، ارتكب عشرات المجازر بحق أطفال ونساء وشباب، هي أيضاً لم تذكر الفلسطينيين بالخير. وفي بيانها الذي أطلقته بعد الزيارة، لم تحاول حتى أن تبرّر خطيئتها، كانت مكابرةً إلى حد القرف، عندما زعمت أنها صاحبة "موقف حيادي من كل الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط"، أي أنها تساوي بين الفلسطينيين أهل الأرض والإسرائيليين المغتصبين لها، تساوي بين الجلاد والضحية، ولم تتخلّ عن مكابرتها، عندما أخبرتنا أنها أرادت زيارة مخيمات اللاجئين في الأردن، لكن "خروقات أمنية" منعتها!
في وسع المراقب أن يحكم أن هذه الخطوة ليست في صالح القضية التي تريد مراد الدفاع عنها. ليست في صالح أهلها الذين امتُحنوا في هويتهم، وفي وطنيتهم وعراقيتهم، وواجهوا تحدّياتٍ زادتهم صلابة وتمسكاً بجذورهم. نادية نفسها أظهرت في مواجهة محنتها الشخصية شجاعة نادرة، وقدرة على التحكّم في الأمور، وكان أن خرجت من عالم "داعش" الرهيب، وتخطت أسوار الجحيم الذي وجدت نفسها فيه فجأة، لتطلب من العالم أن يقف إلى جانب قومها "لأننا حين نتوحّد نكون أقوياء"، لكنها توجهت لتتوحد مع أناسٍ اغتصبوا بلداً آمناً، في غفلةٍ من التاريخ. هنا تكون قد أخطأت الهدف الذي تريده، وأخطأت الطريق الذي قادها إليه، وتلك خطيئة غير قابلة للتبرير ولا للغفران!
دفعت خطيئتها المعلنة روائياً معروفاً، كان أول من وثق مأساة أهلها في روايته "عذراء سنجار"، وأهداه لها تكريماً ومساندة ومحبة، دفعته إلى سحب إهدائه، لأنها لم تعد تمثل الرمز الوطني والإنساني الذي يعبر عن قضية الأيزيديين العادلة. عكس الروائي وارد بدر السالم مشاهد الحياة التي عاشتها نادية وأهلها في سنجار والموصل، لكنهم ظلوا أقوياء ومتماسكين وشجعان، بطلة الرواية "نشتمان"، الجميلة ذات الأربعة عشر ربيعاً، والتي جسّدت شخصية نادية مراد نفسها اختطفها وحوش "داعش"، وتناوبوا على اغتصابها. أبوها المهندس سربست أصيب بالإحباط لعجزه عن إنقاذها، ونذر نفسه للبحث عنها في أيما مكان، ومهما كلفه ذلك، حبيبها المسلم الذي امتحن بفقد والديه اللذين قتلهما "داعش" تطوع للمشاركة في البحث عنها هو الآخر، كما سعى إلى إنقاذ فتيات أخريات من أن يواجهن مصيرها. عبدو المجنون قتل زعيماً داعشياً ليخلص الناس من شروره. دلشاد الأيزيدي اعتنق الإسلام ليحمي نفسه وأسرته.. كانت لكل هؤلاء وغيرهم حاجاتهم وآمالهم ومطامحهم، لكن "داعش" قمعها كلها، وزرع عندهم كومةً من المخاوف والشكوك. وكما كان الكاتب كريماً في إهداء عمله الملحمي هذا إلى نادية، فقد كان منصفاً في سحب هذا الإهداء، لأنها نفسها أضاعت البوصلة، واختارت أن تتوحد مع خصم تاريخي لشعبها وبلدها.
وجرّاء موقفه الوطني والأخلاقي، تعرّض بدر السالم لحملة ظالمة من رواد ومتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي. شتموه ووصموه بشتى النعوت، إلى درجة دمغه بالصدّامية، وحتى بالداعشية، وحاولوا الانتقاص من موهبته الروائية، وموقعه في الساحة الأدبية العراقية وعطائه الذي زاد على روايات وقصائد ونصوص عديدة. هكذا يكون هؤلاء "الكتبة" قد اقترفوا الخطيئة مرّتين، عندما هاجموا السالم لموقفه، وعندما أضاعوا البوصلة، واختاروا هم أيضاً أن يتوحّدوا مع الخصم التاريخي لشعبهم وبلدهم، بحجة أن ثمّة برلمانيين ومسؤولين عراقيين فعلوا الفعلة نفسها من قبل.
إنه لأمر حسن أن يصغي هؤلاء "الكتبة"، وقبلهم الناشطة مراد، لصوت تولستوي: "ارتكاب الخطيئة فعل إنساني خالص، أما تبريرها فلا يتم إلا بفعل شيطاني محض".
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"